ليبيا: فضيحة تزوير 34 ألف جنسية تهدد الأمن القومي وتغيّر التركيبة الديموغرافية


كشفت السلطات القضائية في ليبيا عن فضيحة فساد جديدة هزّت الأوساط، تتمثل في تزوير وثائق وأوراق ثبوتية حصل بموجبها عشرات الآلاف من غير الليبيين على الجنسية. وقد زادت هذه القضية من الشكوك حول تغيّر ديموغرافي يجري العمل عليه خلال العقد الأخير، خاصة في المناطق الجنوبية التي تشهد تدفّقات غير محدودة من المهاجرين غير الشرعيين.
وأعلنت النيابة العامة الليبية قبل أيام عن اختراق منظومة السجل المدني المحلية، وتزوير 34 ألف قيد في السجلات، بالإضافة إلى تلاعب كبير في الأرقام الوطنية (الثبوتية) لمنح الجنسية الليبية للأجانب. وأشارت النيابة إلى أن شبكة الفساد اتسعت لتشمل مدناً مركزية، على رأسها العاصمة طرابلس والزاوية (غرب ليبيا)، وبنغازي في الشرق وسبها جنوباً، ما يدل على أن عمليات التلاعب كانت ممنهجة. وتوعّدت النيابة بـ”معاقبة كل من امتدت يداه إلى التزوير بملفات السجل المدني وفق القانون”.
من جانبه، سارع مجلس النواب إلى دق ناقوس الخطر محذراً من “التلاعب والتجاوزات بالسجلات الرسمية لمنظومة الأحوال المدنية، والمترتب عليها حصول أجانب بطرق غير مشروعة على الأرقام الوطنية”. وأكد المجلس أن هذا الأمر يهدد الأمن القومي الليبي والهوية الليبية، مشيراً إلى أن تلك التجاوزات تؤدي إلى حصول المتلاعبين على امتيازات معنوية ومادية مخصصة للمواطنين الليبيين. وطالب مجلس النواب بـ”عدم التهاون في هذه الوقائع، وإحالة المتورطين إلى المحاكمة وفق القانون ومن دون استثناء، وذلك لصون السيادة الوطنية والحد من تسلل الهويات المزيّفة إلى داخل قاعدة البيانات الرسمية للدولة”.
ويتفق الخبير القانوني الليبي عبد الله الديباني مع تحذيرات مجلس النواب، مؤكداً أن عمليات التزوير الواسعة التي كُشف عنها “تُشكّل تهديداً للأمن القومي الليبي والحالة الديموغرافية للبلاد، خصوصاً أن أغلب الجرائم التي كُشف عنها وقعت في مناطق حدودية”. وأوضح الديباني لـ”النهار” أن النائب العام في ليبيا كان قد شكّل لجاناً برئاسة وكلائه لفحص سجلات كل مكاتب السجل المدني، وتدقيق الأوراق الوطنية عبر التسلسل العائلي، بناءً على تقارير أمنية وردت بوجود آلاف الأشخاص يحملون الجنسية الليبية والأرقام الوطنية، وهم في الأصل غير ليبيين. وأشار إلى أن أعداداً هائلة استفادت من الانفلات الأمني الذي حدث منذ عام 2011 للحصول على مكاسب، وقد تمت إحالة البعض ممن تورطوا إلى محكمة الجنايات، ولا تزال التحقيقات جارية.
ويشير الديباني إلى أن قانون العقوبات الليبي عالج مثل تلك القضايا، حيث ينصّ على جرائم تزوير الأوراق الرسمية واستخدامها، ويجرّم الموظف العمومي الذي تواطأ في التزوير بجريمة استخدام عمله لتحقيق مصلحة خاصة، كما يُعاقَب الشخص الذي تقدّم للحصول على أوراق ثبوتية مزوّرة، ويتم إسقاط الجنسية عنه والرقم الوطني، وتُشكّل أي فائدة يحصل عليها، كالمنح الحكومية، جريمة إثراء بمستندات مزوّرة.
من جهته، عبّر أستاذ القانون العام مجدي الشبعاني عن قلقه الشديد، موضحاً أن ما كُشف عنه ليس جريمة تزوير فردية، “وإنما عملية ممنهجة تطال كافة مكاتب السجل المدني في المدن المركزية وحتى الحدودية، وهو مؤشر على أن هذا العمل فساد منظّم يستهدف الأمن القومي، لأن الأعداد ضخمة، وهو ما يخلق لنا شعباً ليبياً جديداً”. ويضيف الشبعاني في حديثه لـ”النهار” أن ما حدث هو استغلال للحالة التي تعيشها البلاد، بالعمل على تغيير تركيبتها الديموغرافية، كما يحمل إشارات إلى تواطؤ مسؤولين كبار في الدولة.
ويتفق الشبعاني مع الديباني في أن عمليات تزوير الأوراق الثبوتية بدأت منذ عام 2011، وكان الهدف في البداية الحصول على المنح والدعم الحكومي، وبعضهم كان يحصل على الاعتمادات الدولارية من المصرف المركزي. كما حصل عدد من عناصر التنظيمات الراديكالية، مثل داعش، على الجنسيات وجوازات سفر ليبية. ولفت الشبعاني إلى “خلل واضح في منظومة السجل المدني وعدم ربطها بآليات إلكترونية دقيقة، ما سهّل التلاعب بها واختراقها”.
سياسة دولي
سياسة دولي
سياسة دولي
سياسة دولي