«قسد» ترفع سقف مطالبها وسط تعقيدات اتفاق 10 آذار.. وأنقرة تخشى ارتدادات التفكك الإيراني وتحرّك الأكراد الداخلي


تستمرّ حالة السخونة على خطوط التّماس بين «قسد» والقوات التابعة لحكومة الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، بما في ذلك الجماعات العاملة تحت قيادة الجيش التركي، حيث تتخلّل هذه الخطوط تبادل متقطّع لإطلاق النيران ومحاولات محدودة للتقدّم. ومع ذلك، لا يبدو شنّ أنقرة ودمشق هجوماً فعليّاً ضدّ «قسد» لإخضاعها وإلزامها بالاندماج على الطريقة التركية أمراً وارداً في ظلّ التوازنات الميدانية والدولية والإقليمية الحالية. ومع اقتراب نهاية العام وانتهاء «شبه المهلة» التي أعطيت لتثبيت اتفاق 10 آذار قبل تسعة أشهر، تزداد الهوّة السياسية اتّساعاً بين «الإدارة الذاتية» والحكومة الانتقالية في دمشق، وتتضارب الأجندات والأهداف حدّ الصدام.
إنّ التناقض الواضح في المواقف العلنية بين الطرفين يفضح محاولات المبعوث الأميركي وسفير الولايات المتحدة في تركيا، توم برّاك، لتعميم أجواء تفاؤليّة غير موجودة حول قرب الاندماج. وتهدف هذه المحاولات إلى إرضاء الأتراك وتقديم إنجاز وهمي في سوريا إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهو أسلوب دعائي مماثل لما يستخدمه موفدو ترامب الآخرون في ملفات متعدّدة. عمليّاً، تؤكّد مصادر قيادية في «الإدارة الذاتية» أنّه لا توجد مهلة فعليّة لتطبيق اتفاق 10 آذار، لكن الأشهر الأخيرة كانت بمثابة اختبار لصدق النوايا بين الإدارة والحكومة الانتقالية وقدرة دمشق على الالتزام بتعهّداتها.
لقد أظهر التطبيق حجم التباين الواضح بين نظرة الطرفين إلى الاتفاق وغياب جديّتهما في السير نحو عملية اندماج يشرف عليها الأميركيون. فاتفاق 10 آذار، الذي قدّمه الأميركيون كَحبل نجاة للشرع، يمنح الأكراد ما لا تستطيع تركيا احتماله، وهو الاحتفاظ بقوتهم العسكرية ولو تحت جناح دمشق، والحصول على مكاسب ثقافية واسعة. وفي المقابل، يلزمهم بالدمج، مع مخاوفهم من عملية «غير عادلة» تنتزع منهم استقلالية قوتهم العسكرية، خصوصاً بعد أحداث السويداء والساحل، أو تجبرهم على التراجع عن المطالبة باللامركزية الموسّعة والفدرالية. هذا العجز أو الرغبة في المماطلة في تطبيق الاتفاق دفع «قسد» إلى رفع مستوى تواصلها مع الشيخ حكمت الهجري والشيخ غزال غزال لتعزيز موقفها وتوحيد المطالب في مواجهة الضغوط الخارجية ومسار التفاوض مع الحكومة الانتقالية.
كما أكّدت حادثة مقتل الجنود الأميركيين على يد أحد عناصر الأمن العام التابعة للشرع في تدمر ما دأبت قوات «قسد» على قوله لقوات «التحالف الدولي» بشأن التداخل الكبير بين تنظيم «داعش» والقوات الموالية للحكومة الانتقالية، وصعوبة الاتكال على هذه القوات كشريك في محاربة «الإرهاب». وتتقاطع المعطيات التي تقدّمها «قسد» عن النوايا العدائية ضدّها مع الهتافات والتهديدات التي أطلقت ضدّ الأكراد خلال احتفالات دمشق بذكرى سقوط النظام السابق. وتضاعف هذه الخشية الأمنية والاجتماعية شعور «قسد» بأنّ الحكومة الانتقالية الحالية لا تريد أي شركاء في الحكم، وأنّ إشراك شخصيات من خلفيات مختلفة يهدف فقط لإخفاء حقيقة النظام المتطرّفة.
حتى أنّ «الإدارة الذاتية» وحكومة دمشق كادتا تصلان إلى تفاهم حول توحيد المناهج الدراسية برعاية وزير التربية الحالي ذي الأصول الكردية، محمد عبد الرحمن تركو، لكن الشيخ المكلّف بإدارة وزارة التربية من قبل «هيئة تحرير الشام» (وهو السلطة الفعلية في الوزارة)، قام بعرقلة المسألة بعد اعتراضات من «الهيئة» ومن الأتراك.
بالنسبة لموقف واشنطن، فإنّ ضغوط برّاك الإعلامية ضدّ «قسد» لا تعني أنّ موقف فريق ترامب يختصر موقف الإدارة الأميركية والغربيين. فمصادر «قسد» مطمئنّة إلى أنّ أطراف «التحالف الدولي» تتفهّم مخاوفها وتتبنّى مطالبها السياسية، لكن دون المجاهرة بذلك إعلامياً. ويطمئن ضباط «البنتاغون» العاملون في الشرق السوري مسؤولي «قسد» إلى وقوف القوات الأميركية إلى جانبهم واعتبارهم الشريك الأول في «الحرب على الإرهاب» في سوريا. ولم ينسحب الأميركيون من أي مواقع جديدة، بل أعادوا انتشارهم وعزّزوا مواقع أخرى، في وقت يزداد فيه نشاط «داعش» بشكل ملحوظ في البادية والمدن، خصوصاً بعد أن وجد عناصر التنظيم ملاذات آمنة ضمن مناطق الحكومة الانتقالية.
هذه التعقيدات الميدانية والسياسية وضعت تركيا والرئيس رجب طيب إردوغان أمام ظروف معقّدة لحل المسألة الكردية داخلياً، وأبطأت عملية الحوار القائمة مع رئيس «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، في سجنه. فقد انعكست الأجواء السلبية المحيطة بعلاقة تركيا بـ«قسد» على تجاوب «العمال» مع إردوغان، الذي يسعى لحل المسألة الكردية بأي ثمن. وتعتقد مصادر دبلوماسية غربية أنّ تركيا تستشعر خطراً كبيراً من النوايا الأميركية والإسرائيلية تجاه إيران، واحتمال قيام الأميركيين والإسرائيليين بعمليات تهدف لإسقاط النظام الإيراني وفرط عقده الداخلي، ما يعني انتقال «حال التفكّك» سريعاً إلى داخل الجمهورية التركية. ويعتقد الأتراك أنّ أيّ خلل في إيران سيعني تحرّك الكرد في كردستان الشرقية، في ظلّ وجود إقليم كردي في شمال العراق وقوة عسكرية وازنة لـ«الإدارة الذاتية» في سوريا، وهو ما سينعكس سريعاً تحرّكاً كردياً واسعاً في داخل تركيا.
وتشير مصادر «قسد» إلى أنّ تركيا تدرك أنّ سلاح «قسد» بات أمراً واقعاً، ولذا فهي تحاول احتواءه والالتفاف عليه، بالتزامن مع استمرارها في مسار المصالحة مع أوجلان لقطع الطريق على أي تحرّك كردي داخلي، خصوصاً مع صعوبة احتواء العلويين الأتراك والسوريين في حال حصول تمرّد كردي واسع. وكان الأتراك قد حاولوا إقناع أوجلان بالضغط على أكراد سوريا عبر الاتصال بقائد «قسد» مظلوم عبدي، والقيادية إلهام أحمد، إلا أنّ أوجلان أبلغهم بأنّ ملف «قسد» يجب أن يعالج معها مباشرة، وهو منفصل عن أي تسوية داخل تركيا. ومع ذلك، يعتقد أوجلان أنّ حكومة دمشق الحالية غير مأمونة الجانب ولا تقدّم أيّ عنصر طمأنينة للكرد، محذّراً الأتراك من أنّ «الغريق يتعلّق بأفعى» في تلميح إلى احتمال بحث «قسد» عن تحالفات مؤلمة لهم في حال شعرت بالخطر أو تعرّضت لتهديدات جدّية.
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا
سياسة سوريا