رفع العقوبات عن السوريين: ضرورة لا تكتمل إلا بضمانات سياسية ومحاسبة حقيقية


هذا الخبر بعنوان "رفع العقوبات لا يكفي… المهم ألا نحرق الأرض مرةً أخرى" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يُعبر أنس جودة عن صعوبة حصر النقاشات التي دارت على مدى السنوات الماضية حول ضرورة رفع العقوبات عن السوريين، وعن استحالته في الإحاطة بكل التبريرات التي سيقت للإبقاء عليها. فبينما كان السوريون يرزحون تحت وطأة هذه العقوبات، تحولت عملياً إلى غطاءٍ سحريٍّ للنظام، مكّنه من ترسيخ منظومات الفساد، وتوسيع شبكات التهريب، والاستيلاء على أموال الشعب. بدا الأمر وكأن من فرض هذه العقوبات كان متواطئاً مع النظام، أو أنه قدم له، بوعي أو بغير وعي، أفضل الأدوات لتوسيع منظومة النهب وتحويلها إلى أسلوب حكم متكامل.
خلال تلك الفترة، استمع جودة إلى آراء بعض السوريين الذين أظهروا لامبالاة تجاه معاناة الشعب، سواء بموت الناس جوعاً، أو انقطاع موارد الطاقة، أو نقص المواد الطبية في المستشفيات، أو عزل المجتمع عن العالم والمعرفة والتقنية. كان الإنسان غائباً عن هذا الخطاب، أو موضوعاً للتضحية به باسم قضية مؤجلة. وتكررت على مسامعه عبارة "لن نقبل برفع العقوبات حتى يسقط النظام، ولو كلّف ذلك حرق البلاد كلّها"، التي وصفها بأنها كانت كخنجر في القلب. هذه العبارة وضعت المدنيين في قلب معادلة وحشية، بين من يرفع شعار "الأسد أو نحرق البلد"، ومن يردّ بـ "لتحترق البلد حتى يسقط النظام"، في ثنائية غابت عنها الإنسانية والقيم الأخلاقية.
لقد وجد النظام في العقوبات غطاءً مثالياً لممارسات النهب، بينما وجد من تمسك بها، بحجة إسقاطه، مخرجاً أخلاقياً زائفاً لفشل استراتيجيته في تحقيق هذا الهدف. وهكذا، تمسك الطرفان بالوضع الراهن، كلٌ لأسبابه، فيما كان الناس يحترقون بين نارين، دون صوت أو حماية أو أفق.
يعرب أنس جودة عن سعادته البالغة برفع العقوبات عن كاهل البسطاء، مؤكداً أنها كانت بمثابة عقاب جماعي لا أداة ضغط سياسي فعالة. لكنه في الوقت ذاته، لا يستطيع تجاهل التناقض الصارخ لدى من يدّعون اليوم العمل لرفع العقوبات "حرصاً على الناس"، بينما كانوا بالأمس صامتين عن آلامهم أو مبررين لاستمرارها، طالما أنها لا تمس مسارهم السياسي أو مصادر تمويلهم. ويصف هذا التناقض بأنه ليس مجرد خطأ في التقدير، بل "خيانة أخلاقية كاملة"، حيث يتم اختزال البشر إلى أرقام في تقارير، وتُستخدم معاناتهم كورقة مساومة، بينما تبقى رواتب الناطقين باسم قضاياهم وتمويلاتهم مؤمنة، ومسؤوليتهم الأخلاقية مؤجلة.
يهنئ جودة السوريين برفع العقوبات عن كاهلهم، مؤكداً أن هذا حقهم وليس منة من أحد. لكنه يحذر من أن الفرح وحده لا يكفي، فالتجربة أثبتت أن العقوبات أفادت النظام في الماضي بسبب غياب السياسة والرقابة والمساءلة، وأن رفعها اليوم قد يعود بالنفع على السلطة إذا ما أُعيد إنتاج الفراغ ذاته، وبالأدوات نفسها، وإن اختلفت الشعارات.
ويوضح الكاتب أن رفع العقوبات مطلوب لأنها أذلت الناس ولم تنجح في إسقاط الاستبداد، لكنه يرفض في المقابل إعادة فرض السيطرة، أو استئناف منظومات النهب، أو تحويل المعاناة مرة أخرى إلى مورد سياسي أو اقتصادي لمن يملك القوة ولا يخضع للمحاسبة. كما يرفض بيع أصول الدولة وتهريبها إلى جيوب المنتفعين. ويشدد على أن رفع العقوبات خطوة ضرورية، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن بناء إطار سياسي شفاف يضبط تدفق الأموال، ويخضع السلطة للمساءلة، ويشرك المجتمع في مراقبة ما يُعاد بناؤه باسمه، ويمنع تمركز السلطة والثروة في يد واحدة.
ويختتم أنس جودة مقاله بالتحذير من أن من يفرح اليوم برفع العقوبات ويرفض في الوقت ذاته بناء هذه الضمانات، إنما يتواطأ لتكرار الجريمة نفسها، وإن كانت بوجوه جديدة. ويجدد تهانيه للسوريين، مؤكداً أن التاريخ شاهد على كل موقف.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة