العودة إلى سوريا: حلم يواجهه واقع اقتصادي واجتماعي معقد

تم حذف هذا الخبر من المصدر الأصلي (hashtagsyria.com) بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
قد يشير حذف الخبر من المصدر الأصلي إلى أن المعلومات الواردة فيه غير دقيقة أو مضللة. ننصح بشدة بالتحقق من صحة هذه المعلومات من مصادر أخرى موثوقة قبل مشاركتها أو الاعتماد عليها.
💡 نصيحة: قبل مشاركة أي خبر، تأكد من التحقق من مصدره الأصلي ومقارنته بمصادر إخبارية أخرى موثوقة.

هذا الخبر بعنوان "حلم العودة إلى سوريا" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يؤكد مالك الحافظ أن السوريين في الخارج لا يعيشون حالة قطيعة مع فكرة العودة إلى وطنهم، ولا يحتاجون إلى تذكير بها. فالعودة، في الوعي السوري الجمعي، ليست مجرد موقف مؤجل، بل هي فكرة متأصلة تتعايش مع المنفى كظل يلازم الجسد. هذا الحلم لم يتحول قط إلى خيار عابر أو قرار مؤجل بلا معنى، لكنه في الوقت ذاته لم يكن يوماً قراراً عاطفياً بحتاً. فالمعنى العميق للعودة يكمن في كونها انتقالاً كاملاً للحياة، بكل ما تحمله من أعباء مادية ونفسية واجتماعية، وهي قبل كل شيء اختبار لقدرة المكان على استيعاب الإنسان، لا اختبار لوفاء الإنسان لمكانه.
في هذا السياق، يظهر الاتهام الذي وجهه مسؤول حكومي من السلطة الانتقالية للسوريين الذين لم يدخلوا البلاد أو يزوروها خلال عام 2025، كقراءة أخلاقية مبسطة لظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد. فالقضية لا ترتبط بنوايا السوريين أو مدى ارتباطهم العاطفي بوطنهم، بل بالمسافة الشاسعة بين الرغبة والقدرة. هذه المسافة، التي غالباً ما يتجاهلها الخطاب الرسمي، هي المحرك الأساسي لقرار العودة أو تأجيله. إن العودة إلى سوريا لا يمكن اختزالها في مجرد زيارة، بل هي انتقال شامل للحياة بجميع شروطها المادية والنفسية والاجتماعية. لذا، يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هي الكلفة الحقيقية للعيش في سوريا اليوم، ليس فقط للمقيمين فيها، بل لمن يُطلب منهم العودة إليها من الخارج؟
تُعد كلفة المعيشة في سوريا اليوم كلفة مركبة، تتألف من عوامل متعددة تشمل تآكل الدخل، وهشاشة فرص العمل، وغياب الضمانات الاجتماعية، وانعدام الأفق الاقتصادي الواضح. حتى السوري الذي يعيش في الخارج حياة متوسطة أو يعتمد على المساعدات الإنسانية، قد يجد نفسه في حالة استنزاف دائم لا تسمح له بالتخطيط أو الاستقرار عند العودة. أما بالنسبة لمن قضى سنوات في بيئة توفر حداً أدنى من التنظيم والخدمات، فإن العودة إلى الواقع السوري الحالي لا تمثل مجرد تراجع في مستوى المعيشة، بل صدمة وجودية كاملة. من منظور علم الاجتماع السياسي، تُعتبر قرارات العودة أو البقاء نتاجاً لبنية اجتماعية واقتصادية شاملة، وليست خيارات فردية معزولة. فالفرد لا يتخذ قرار العودة بمعزل عن توفر شروط العمل، والسكن، والصحة، والتعليم، والأمان. وعندما تغيب هذه المقومات الأساسية، تتحول العودة من حق طبيعي إلى مخاطرة غير محسوبة.
يصف علم النفس الاجتماعي هذه الظاهرة بـ"صدمة العودة"، حيث يواجه العائد واقعاً لا يتطابق مع ذاكرته أو ما اعتاد عليه، مما يدفعه إلى الشعور بالاغتراب داخل المكان الذي من المفترض أن يكون مألوفاً. هنا، يبرز دور الدولة كسؤال محوري: هل تكمن المشكلة في السوريين الذين لم يعودوا، أم في قدرة الدولة الفعلية على استقبالهم؟ هذا التساؤل لا يُطرح بقصد التبرير أو الدفاع، بل من منطلق التحليل الموضوعي. إن عدم تفضيل وزارة الخارجية التنسيق مع دول أوروبية مثل ألمانيا لاستقبال عودة السوريين، وتعثر التفاهم مع الدنمارك بخصوص إعادتهم، يستدعي وقفة تأمل جادة.
تتطلب العودة، بمعناها العملي، ما هو أكثر من مجرد فتح الأبواب. فما هي فرص العمل المتاحة حالياً، وأي نوع من الاقتصاد يمكنه استيعاب أعداد العائدين؟ وكيف يمكن لعائلة اعتادت على العيش في اقتصاد منظم، حتى لو بحدوده الدنيا، أن تنتقل إلى اقتصاد قائم على اللايقين؟ في أدبيات التنمية، يُستخدم مفهوم "الكرامة الاقتصادية" للدلالة على قدرة الفرد على إعالة نفسه دون الاعتماد الدائم على المساعدات أو العلاقات الشخصية. هذا المفهوم يبدو اليوم هشاً للغاية داخل سوريا، فكيف يمكن افتراض تحققه لمن يعود من الخارج؟
بعد مرور عام على تسلم السلطة الانتقالية، لا يمكن تجاهل عامل الزمن، فالزمن السياسي لا يُقاس بمرور الأشهر فحسب، بل بما يُحدثه من تغييرات ملموسة في حياة الناس. لذا، فإن الفجوة بين التوقعات المرتفعة والنتائج المحدودة تُنتج، وفقاً لعلم الاجتماع السياسي، حالة من الإحباط الجمعي، يتحول فيها الأمل إلى عبء نفسي. في هذا السياق، يبدو خطاب العودة أقرب إلى خطاب تعبوي منه إلى سياسة عامة مبنية على معطيات واقعية.
غالباً ما تُستدعى العقوبات، وخاصة قانون "قيصر"، كإطار تفسيري جاهز لكل تعثر. ورغم عدم إمكانية إنكار تأثير العقوبات على الاقتصاد السوري، إلا أن تحويلها إلى سبب وحيد ومطلق يُفرغ النقاش من مضمونه. يُظهر تحليل الخطاب السياسي أن هذا النمط من التفسير يُستخدم لتبسيط واقع معقد، وإلقاء اللوم على عامل خارجي، مما يؤجل أي مساءلة جادة للسياسات الداخلية، وآليات الإدارة، وأولويات إعادة البناء.
وينسحب الأمر ذاته على الخطاب الذي يطالب النازحين المقيمين في الخيام بالاعتماد على أنفسهم وإعادة إعمار بيوتهم المدمرة، وهو ما صرحت به ضمنياً وزيرة حالية في الحكومة الانتقالية. هذا الخطاب، بغض النظر عن دوافعه، يعكس منطقاً يُعرف في علم الاجتماع النقدي بـ"تحميل الضحية عبء التعافي". فهل من المعقول أن تُنقل مسؤولية إعادة الإعمار من الدولة إلى الأفراد الأكثر هشاشة؟ إن هذا لا يعبر عن تمكين بقدر ما يشير إلى انسحاب الدولة من دورها الأساسي. ورغم أن الاعتماد على الذات قيمة مهمة، إلا أنه لا يمكن أن يحل محل السياسات العامة، والبنى التحتية، والدعم المؤسسي.
في الختام، يُعد الاستقرار شرطاً نفسياً أساسياً. ويوضح مفهوم "الأمان الوجودي" في علم النفس السياسي أن الإنسان لا يستطيع اتخاذ قرارات مصيرية، مثل قرار العودة، في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من القدرة على التنبؤ. فمن اعتاد على بيئة مستقرة نسبياً، لا يمكن مطالبته بالعودة بسهولة إلى واقع يُطلب منه فيه إعادة بناء حياته من الصفر، دون ضمانات واضحة أو أفق زمني معقول.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة