بعكس التوقعات: ليبيا تتحول إلى مركز الثقل العسكري الروسي في أفريقيا بعد تراجع نفوذها بسوريا


هذا الخبر بعنوان ""بعكس التوقعات".. أين تقع أهم قاعدة روسية في الشرق الأوسط؟" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
عندما انهار نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، توقع العديد من المحللين أن روسيا ستفقد بنيتها التحتية العسكرية التي بنتها على مدى العقد الماضي. بدا وصول موسكو إلى قاعدة "حميميم" الجوية الاستراتيجية وقاعدة طرطوس البحرية غير مؤكد، خاصة مع إعادة السلطات السورية الجديدة تقييم علاقاتها الخارجية. أفادت تقارير إعلامية بأن روسيا واجهت قيوداً جديدة ومفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، مما حدّ من حرية تحركاتها. أثار هذا الأمر مخاوف لدى صانعي السياسات الغربيين من أن روسيا قد تحوّل تركيزها الإقليمي نحو ليبيا إذا ما تهاوت موطئ قدمها في سوريا، نظراً لعلاقتها القائمة مع الجيش الوطني الليبي.
أقامت موسكو علاقات وثيقة مع قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، على مدى عقد تقريباً، لضمان الوصول إلى الأراضي الليبية الشرقية والبنية التحتية العسكرية، محولةً ليبيا إلى مركز لوجستي لروسيا لبسط نفوذها في عمق أفريقيا.
بعد مرور عام على تلك التوقعات، يبدو وضع روسيا في سوريا أفضل مما توقعه الكثيرون في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط الأسد. فقد حافظت روسيا على وجود محدود ولكنه مستدام في سوريا. أكدت اللقاءات رفيعة المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، مجدداً دور موسكو في البلاد، والتزم الشرع علناً باحترام الاتفاقيات العسكرية القائمة. والنتيجة هي وجود أكثر تقييداً، لكنه لا يمثل خسارة استراتيجية.
وبحسب المجلس الأطلسي، بينما لم تكن خطتها البديلة في ليبيا ضرورية بالكامل، فقد أمضت روسيا العام الماضي في تعزيز شبكتها اللوجستية في شرق وجنوب ليبيا. وباعتبارها مركز عبور، "تمنح القواعد الجوية الليبية روسيا القدرة على الوصول إلى عمق القارة الأفريقية، حيث تزرع بذور عدم الاستقرار من خلال شحنات الأسلحة وأفراد فيلق أفريقيا التابع لها - وهي جماعة شبه عسكرية تسيطر عليها وزارة الدفاع الروسية وخليفة لمجموعة (فاغنر)"، وفقاً لتقرير المؤسسة البحثية.
بحلول أواخر عام 2024، وقبل حسم مصيرها في سوريا ما بعد الأسد، كانت روسيا تبحث بنشاط عن بدائل لعلاقاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تداولت التقارير عن رحلات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، وتحركات للأفراد والمعدات، وزيارات دبلوماسية قام بها مسؤولون روس إلى شرق ليبيا، في ظل تزايد مخاوف القادة الغربيين من قيام روسيا بإنشاء ميناء بحري في شرق ليبيا.
وبعد مرور عام، لم تتمكن روسيا بعد من تأمين ميناء في جنوب البحر الأبيض المتوسط، على الأرجح لأن السلطات الليبية الشرقية غير راغبة في تعريض تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وتركيا والشركاء الأوروبيين للخطر بمنح موسكو منشأة ساحلية رئيسية. وبدلاً من ذلك، توسّعت روسيا في عمق ليبيا، وتُعد قاعدة "معطن السارة" الجوية مثالاً بارزاً على ذلك. تُعدّ هذه القاعدة الجوية ذات الموقع الاستراتيجي قرب الحدود مع تشاد والسودان نقطة انطلاق لعمليات روسيا "المزعزعة للاستقرار" في منطقة الساحل، وفق تعبير المؤسسة البحثية. ويلفت المجلس الأطلسي إلى أن تاريخ إنشائها يعود إلى ما قبل انهيار نظام الأسد، وتشير التقارير إلى أن الإمارات العربية المتحدة هي من تموّلها. ولكن ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 2024، بدأت المعدات والأفراد الروس، بالإضافة إلى المقاتلين السوريين الموالين لنظام الأسد، بالوصول إلى هذه القاعدة الجوية الصحراوية.
ورغم أن "معطن السارة" موقع محوري في الوجود الروسي جنوب ليبيا، فإن موسكو تستخدم عدة مطارات كجزء من ممر عبورها إلى منطقة الساحل. وتشمل هذه المطارات قاعدة "الخادم" في شرق ليبيا، وقاعدة "الجفرة" في وسط ليبيا، وقاعدة "براك الشاطئ" قرب سبها، وقاعدة "القرضابية" جنوب سرت. تشكل هذه المواقع المتفرقة مجتمعة شبكة عبور مرنة تربط موطئ قدم روسيا في سوريا بأنشطتها المتنامية في منطقة الساحل، مما يعزز قدرة روسيا على دعم انتشار قواتها في أفريقيا وإمداد شركائها الأفارقة بالأسلحة.
ووفقاً للمجلس الأطلسي، تواجه هذه الشبكة الداخلية رقابة دولية أقل، وتتطلب تنازلات سياسية أقل من السلطات الليبية، وتتيح لموسكو الوصول إلى ممرات نائية تدعم عمليات النقل اللوجستي بعيدة المدى. بعد مرور عام على سقوط الأسد، قد لا تكون أهم قواعد روسيا في المنطقة هي الموجودة في سوريا، بل مجموعة من القواعد الجوية الصغيرة المنتشرة في أنحاء ليبيا.
لم يمرّ التواجد الروسي المتزايد في ليبيا خلال العام الماضي دون رادع. فقد سعت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون الرئيسيون إلى مواجهة الأنشطة والنفوذ الروسي. وتم ذلك بشكل أساسي من خلال استراتيجية لتسريع التوحيد العسكري بين شرق ليبيا وغربها، مع وعود بالتعاون الأمني والتدريب. وكان نائب قائد الجيش الوطني الليبي، صدام حفتر، محور هذه الجهود الرامية إلى فك ارتباط الجيش الوطني الليبي بالنفوذ الروسي.
في شباط/فبراير، أرسلت الولايات المتحدة طائرتين من طراز B-52H ستراتوفورتريس إلى المجال الجوي الليبي في إطار تدريب مشترك مع مراقبي العمليات الجوية التكتيكية التابعين للجيش الليبي. وفي نيسان/أبريل، أجرت البحرية الأمريكية أول زيارة لها إلى ليبيا منذ أكثر من خمسين عاماً، حيث توقفت في طرابلس وبنغازي. وفي الشهر نفسه، استضافت أنقرة زيارة من صدام حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، وفي آب/أغسطس، أجرت البحرية التركية زيارات مماثلة إلى كل من طرابلس وبنغازي.
وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، استضافت الولايات المتحدة اجتماعاً لكبار المسؤولين حول ليبيا. وضمّ الاجتماع ممثلين عن مصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. وتم التأكيد على أهمية التكامل الأمني بين الشرق والغرب في ليبيا، وكذلك على أهمية تعديل حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في يناير 2025، والذي يتيح التدريب المشترك والمساعدة التقنية لدعم التكامل بين الشرق والغرب.
في تشرين الأول/أكتوبر، أعلن نائب قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الفريق جون برينان، أن ليبيا ستشارك في جزء من مناورات (فلينتلوك) السنوية التي تجريها القوات الأمريكية في ربيع عام 2026، وستشارك في استضافتها. وعلّق برينان قائلاً: "لا تقتصر هذه المناورات على التدريب العسكري فحسب، بل تهدف أيضاً إلى تجاوز الانقسامات، وبناء القدرات، ودعم حق ليبيا السيادي في تقرير مصيرها".
وخلال الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول، التقى قائد "أفريكوم"، الجنرال داغفين أندرسون، في طرابلس مع نائب وزير الدفاع عبد السلام الزعبي، ورئيس الأركان الجنرال محمد الحداد، بالإضافة إلى لقائه مع حفتر ونجله نائب القائد صدام حفتر في بنغازي. ركزت هذه المناقشات على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ودعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات العسكرية، والتعاون الأمني بين الولايات المتحدة وليبيا، بما في ذلك مناورات "فلينتلوك 26".
وبينما ساهمت هذه الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وشركاؤها على الأرجح في تعزيز التكامل العسكري بين الشرق والغرب في ليبيا، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستراتيجية قد حققت نجاحاً يُذكر في مواجهة الأنشطة الروسية أو في فصل روسيا عن قيادة الجيش الوطني الليبي. ويوصي المجلس الأطلسي بأن الحوافز، كالشرعية والتعاون الأمني، قد لا تكون كافية وحدها لإبعاد الجيش الوطني الليبي عن النفوذ الروسي، وقد يكون من الضروري أيضاً اللجوء إلى وسائل اقتصادية ضاغطة، كالعقوبات الموجهة. ويشير إلى أن إفشال استخدام روسيا لليبيا كمركز عبور لشحنات أسلحتها وتدفق الأفراد إلى منطقة الساحل، أو الحد منه بشكل كبير، سيمثل خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار وإنهاء الصراعات في القارة. ويختتم التقرير بالقول: بعد مرور عام على سقوط الأسد، قد لا تكون أهم قواعد روسيا في المنطقة هي قاعدة "حميميم" الجوية أو قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، بل مجموعة من القواعد الجوية الصغيرة المنتشرة في أنحاء ليبيا. ويمثل هذا جبهة رئيسية في جهود واشنطن وحلفائها لمواجهة روسيا.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة