الرياض ترسم مستقبل سوريا: استثمارات بمليارات الدولارات ودور أحمد الشرع في معادلة الشرق الأوسط الجديدة


هذا الخبر بعنوان ""رؤية الرياض".. لماذا تُعد سوريا محورية لمستقبل الشرق الأوسط؟" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في الذكرى السنوية لسقوط نظام بشار الأسد، شهدت واشنطن تحركاً تشريعياً مهماً، حيث صوّت مجلس النواب الأمريكي على قانون تفويض الدفاع الوطني الذي تضمّن إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر» لعام 2019. وقد وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا القانون، مما قد يمهد الطريق لاستثمارات بمليارات الدولارات، معظمها من السعودية، بهدف إنعاش الاقتصاد السوري.
يشير فريدريك كيمب، الرئيس والمدير التنفيذي للمجلس الأطلسي، إلى أن حادثة الأسبوع الماضي التي قُتل فيها جنديان أمريكيان ومترجم مدني أمريكي في كمين نفذه عنصر من قوات الأمن السورية على ارتباط بتنظيم «داعش»، كانت بمثابة تذكير مقلق بالمخاطر التي تتهدد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، وأنصاره الدوليين، رغم أي تقدم مزعوم في البلاد. ومع ذلك، يرى كيمب أن الأمريكيين لا يُبدون اهتماماً كبيراً بهذه الأحداث، في ظل هيمنة قضايا أخرى على المشهد، مثل احتمال سقوط «ديكتاتور فنزويلي» قريباً.
على النقيض من ذلك، يرحب المسؤولون في السعودية بصعود الشرع، معتبرين إياه فرصة تاريخية لضمان «عدم وقوع سوريا مرة أخرى فريسة للمغامرات الإيرانية والفوضى الإقليمية التي لطالما أعاقت التقدم في الشرق الأوسط». وقد شبّه مسؤول سعودي، تحدث خلال زيارة إلى الرياض، رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن سوريا بـ «إعطاء شخص يختنق قناع أكسجين»، مؤكداً على الحاجة المُلحة لمنح السوريين «بصيص أمل» واحتواء مشاعر اليأس والفتنة.
بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كانت سوريا حتى وقت قريب «حلقة مفقودة» في مخططه الإقليمي الأوسع. وتهدف الرياض إلى بناء فضاء اقتصادي وأمني عربي متكامل يمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط. ويُعد وجود سوريا آمنة ومزدهرة، بعيدة عن النفوذ الإيراني والمتطرف، جوهر هذا الهدف.
يوضح كيمب أن سوريا، التي كانت مهد الحضارة العربية، قد «ساهمت في العقود الأخيرة في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، بما في ذلك توفيرها منصة وممراً لإيران لشنّ حروبها بالوكالة في لبنان وإسرائيل واليمن». لذا، فإن اهتمام الرياض الآن ينصب على المساعدة في ضمان «سوريا جديدة» آمنة ومعتدلة وحديثة، مدعومة من السعودية، لتحل محل الدولة الفاشلة الممزقة الخاضعة للعقوبات.
وقد أعلنت الرياض عن استثمارات في سوريا هذا العام تتجاوز ستة مليارات دولار، تشمل قطاعات الإسكان والرعاية الصحية والطاقة والبنية التحتية. كما ساهمت أموال الخليج في سداد متأخرات سوريا للبنك الدولي، مما مهد الطريق لعودة فرق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى البلاد لأول مرة منذ أكثر من عقد. ويكشف مسؤول سعودي أن احتضان سوريا يحمل أيضاً بعداً عاطفياً للسعوديين، حيث تنحدر العديد من أبرز عائلات بلادهم من سوريا، التي أنجبت الكثير من الأدب والشعر والفنون العربية.
وبالنظر إلى الماضي الجهادي للشرع، نقل كيمب عن مسؤول سعودي قوله: «قررنا جميعاً منحه فرصة أخرى، لأنه لا يوجد بديل آخر». ويبدو أن بن سلمان قد أقنع ترامب بأن سوريا مُعرّضة لخطر الانزلاق مجدداً إلى التطرف وعدم الاستقرار ما لم يتحرك العالم العربي وتركيا والولايات المتحدة سريعاً لمساعدة الزعيم السوري الشاب على تحقيق الاستقرار في البلاد.
تنظر إسرائيل إلى الوضع من منظور مختلف، مما يضعها في خلاف مع واشنطن. فبينما يرى ترامب في الشرع شريكاً محتملاً في احتواء ما تبقى من النفوذ الإيراني ومكافحة التهديدات الإرهابية، تخشى إسرائيل «مخاطر التطبيع المبكر مع الشرع، القائد الجهادي السابق الذي يتولى الآن زمام الأمور في دولة هشة ومسلحة تسليحاً كثيفاً على حدودها الشمالية». ويُذكر المسؤولون الإسرائيليون بمقطع فيديو حديث لجنود سوريين يهتفون بأن غزة «صرخة حشد» ويتعهدون «من دمائكم ستجري الأنهار»، كدليل على هذا القلق.
أما بالنسبة لسوريا نفسها، فيصف كيمب الرهان بأنه ذو طبيعة تاريخية. وقد صرّح الشرع في منتدى الدوحة لشبكة «CNN» عن هدفه في بناء «مستقبل مستدام وآمن للشعب السوري»، وتواصله مع العلويين والدروز وغيرهم من الأقليات، وتأكيده على أن جميع فئات المجتمع السوري كانت ضحايا نظام الأسد وجزءاً من الثورة التي أطاحت به. كما شدد على أهمية إرساء سيادة القانون لضمان حقوق الجميع والأقليات.
يعلق كيمب قائلاً: «يبدو كلام الشرع صائباً. وبالنظر إلى التغييرات الجذرية التي طرأت عليه مراراً وتكراراً، فمن المفهوم التعامل مع أقواله بشيء من الشك». ويضيف: «في الوقت نفسه، قد تُسهم قدرة الشرع على التكيف في الارتقاء إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية، والأهم من ذلك، في تنفيذ برنامج داخلي يُحقق رؤية سوريا الجديدة التي يطمح إليها». ويرى كثير من السعوديين أن نجاح سوريا في هذه الرؤية سيُسهم في نهضة لبنان وتحقيق أمن وازدهار أكبر للأردن أيضاً.
مع ذلك، يؤكد كيمب أنه بعد مرور عام على سقوط الأسد، لا تزال التحديات الوجودية التي تواجه الحكومة الجديدة كثيرة. فأجزاء كبيرة من سوريا مدمرة، وأكثر من 70% من السوريين لا يزالون بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وموجات العنف الطائفي مستمرة، مع مساعي جماعات مسلحة مختلفة، من بينها «داعش»، إلى إفشال رؤية الشرع لسوريا. ويشدد على أن السعودية ترى الوضع بوضوح تام: إما أن تصبح سوريا أول قصة نجاح لنظام اقتصادي وأمني جديد في الشرق الأوسط، أو أن تكون مسرحاً لفشله التالي.
اقتصاد
سياسة
سياسة
سياسة