عملية «عين الصقر»: تحول استراتيجي أمريكي يربط أمن سوريا بمستقبلها الاقتصادي بعد إلغاء «قيصر»


هذا الخبر بعنوان "عملية «عين الصقر».. تحوّل في المسار الأميركي نحو منح سوريا الدعامة الأمنية الأساسية لـ«مستقبل واعد»" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تتواصل الضربات الجوية الأمريكية المكثفة ضد مواقع ميليشيا «داعش» الإرهابية في سوريا، في حملة عسكرية موسعة وممتدة زمنياً، وقد تستمر لأسابيع أو أشهر وفقاً لمسؤولين أمريكيين. تأتي هذه العملية، التي أُطلق عليها اسم «عين الصقر»، رداً مباشراً على الهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية في 13 كانون الأول/ديسمبر في تدمر، وأسفر عن مقتل جنديين ومترجم مدني، والذي أعلنت ميليشيا «داعش» مسؤوليتها عنه. لم تكن الضربات، التي بدأت ليل الجمعة الماضية، مفاجئة كفعل عسكري بحد ذاته، بل بسرعة الرد وحجمه وهدفه، وبالتوقيت والزمن الممتد، مما يفتح الباب أمام تساؤل جوهري: هل هناك قرار أمريكي فعلي بإنهاء «داعش» كلياً وتخليص سوريا من أخطر التحديات الأمنية التي تعرقل استقرارها ونهضتها الاقتصادية؟
في سياق متصل، يرى البعض ترابطاً بين الحملة الأمريكية على «داعش» وإلغاء قانون «قيصر» بالكامل. ورغم أن التزامن لا يعني بالضرورة الترابط، إلا أن توالي الحدثين يستدعي الربط أو على الأقل الاستنتاج بأن الضربات الأمريكية الهادفة إلى إنهاء خطر «داعش» تصبّ مباشرة في تمكين سوريا من جني ثمار ما بعد «قيصر» عملياً. فالاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال يتطلبان بيئة آمنة بالدرجة الأولى، خاصة وأن «داعش» تتمركز في مواقع حيوية لا تقتصر على آبار النفط والغاز وخطوط النقل، بل تشمل أيضاً قطاع الزراعة الاستراتيجي في سوريا، المتواجد بصورة أساسية في الشمال والشمال الشرقي. وقد ركز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا الجانب في تصريحات أعقبت الضربات الأولى، مؤكداً أن لسوريا «مستقبلاً واعداً» إذا جرى القضاء على ميليشيا «داعش».
وفي تفاصيل تصريحات ترامب، أعلن السبت أن الولايات المتحدة تنفذ رداً انتقامياً بالغ القوة، كما وعدت، ضد الإرهابيين القتلة المسؤولين عن هجوم تدمر. وأضاف: «نوجه ضربات قوية جداً لمعاقل ميليشيا «داعش» في سوريا، تلك الأرض المغمورة بالدماء والتي تعاني من مشكلات كثيرة، لكنها تمتلك مستقبلاً مشرقاً إذا جرى القضاء على «داعش» بشكل كامل. إن حكومة سوريا، بقيادة رجل يعمل بجد كبير لإعادة العظمة إلى سوريا، تدعم هذه الجهود بشكل كامل». ووجه ترامب تحذيراً لجميع الإرهابيين الذين تدفعهم الشرور لمهاجمة الأمريكيين، مؤكداً أنهم سيتلقون ضربات أقسى مما تلقوه في أي وقت مضى إذا قاموا بأي شكل من الأشكال بمهاجمة الولايات المتحدة أو تهديدها.
وكانت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) قد أعلنت حصيلة اليوم الأول من «عملية عين الصقر»، مشيرة إلى أنها ركزت على أكثر من 70 هدفاً في مواقع متعددة وسط سوريا، شملت بنى تحتية ومخازن أسلحة، وأنها استخدمت طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية. كما أشارت إلى أن القوات المسلحة الأردنية قدمت الدعم بطائرات مقاتلة.
يرى المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية حازم الغبرا، في حديث صحفي، ضرورة تصويب السياق الذي جاءت فيه تصريحات ترامب حول «عملية عين الصقر». فالمسألة، برأيه، ليست مجرد «ضربات انتقامية» كما قد يُفهم من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث؛ إذ إن «داعش» لا تمثل دولة ليُنتقم منها ثم يُترك، بل هي مجموعات إرهابية يفترض تدميرها بالكامل.
ويضيف الغبرا أن المعلومات المتداولة في واشنطن – حتى قبل عملية تدمر – تشير إلى وجود تحضيرات لعملية واسعة النطاق ضد «داعش»، خصوصاً بعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، ما فتح المجال أمام عمل تشاركي وتنسيق أكبر، بما في ذلك فتح الأجواء السورية للتحالف الدولي، وبالاستناد إلى مساهمة قوات الجيش والأمن السوريين، بوصفها عاملاً شديد الأهمية في هذا المسار. وبناء على ذلك، لا تبدو العملية «انتقاماً ينتهي ثم نغادر»، بل جزءاً من اهتمام أمريكي أوسع بتحقيق مستقبل أفضل لسوريا. وبعد رفع عقوبات «قيصر»، تصبح المهمة التالية – وفق الغبرا – هي تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب، لأن البيئة الأكثر أمناً تشجع الاستثمار والانخراط الدولي بصورة أكبر. ويرجح أن يكون هجوم تدمر قد عجّل التوقيت، لكنه لم ينشئ العملية من الصفر؛ إذ تبدو، وفق قوله، مخططاً لها منذ أسابيع.
وفق الباحث السياسي إسماعيل أمجد الأغا، يمكن قراءة تصريحات ترامب على أكثر من مستوى، أبرزها أنها تجسد تحولاً سياسياً وعسكرياً ضمن استراتيجية ترامب المعهودة في مزج «الشخصنة السياسية» بالردع العسكري. وفي حديثه لـ«الثورة السورية»، يرى الأغا أن تصريحات ترامب لا تقتصر على بناء رواية «بطولية» أو إنسانية، بل تُضفي شرعية على الرد العسكري بوصفه واجباً أخلاقياً وتعهدًا شخصياً، وهو ما يتجلى في عبارة «كما وعدت».
ويركز الأغا على تصريح ترامب المتعلق بمستقبل سوريا، بوصفه الأبرز: فعندما يقول ترامب إن «سوريا غرقت بالدماء وتعاني من مشكلات جمّة لكنها تحمل مستقبلاً واعداً إذا تم القضاء على ميليشيا داعش»، فهذا يعني – بحسب الأغا – أن رؤية ترامب تتجاوز الخطاب العسكري المباشر نحو تصور سياسي لما بعد «داعش»، إذ يقر بالفوضى السورية من دون تحميل الحكومة المسؤولية، ويضيف إشارة مباشرة إلى أن سوريا «بقيادة رجل يعمل بجد كبير لإعادة العظمة إلى سوريا» تدعم العملية بالكامل، بما يحمل تلميحاً واضحاً إلى الرئيس أحمد الشرع كشريك.
وفي تفصيل الدلالات السياسية، يرى الأغا أن التصريحات تُشرعن أولاً التعاون مع دمشق بوصفها ملتزمة بمكافحة «داعش»، وثانياً تربط الاستقرار السوري بشرط القضاء على «داعش»، ما يحول الحملة العسكرية إلى مقدمة لمستقبل «مشرق». ولا شك أن الإعلان عن استمرار الضربات لأسابيع وربما أشهر هو إعلان مباشر عن هدف يتجاوز «الرد السريع» إلى إضعاف «داعش» جذرياً ومنع إعادة تشكلها.
ربطاً بما سبق، يقول الأغا إن إلغاء «قيصر» والضربات الأميركية يتلاقيان ضمن «منطق اقتصادي للاستقرار»؛ فالأثر الاقتصادي لضربة «عين الصقر» يكتسب معنى إضافياً حين تُقرأ الحملة العسكرية بوصفها خطوة عملية لتقليص المفاعيل التي عطلت إعادة الإعمار لسنوات، إذ يحتاج التعافي إلى تكامل عاملين: الأمن والاقتصاد. وبيئة خالية من «داعش» تسهّل تدفق الاستثمارات، خصوصاً من الخليج والغرب. وإلغاء «قيصر» ليس إجراءً منفصلاً عن صورة «المستقبل الواعد» التي تحدث عنها ترامب، لأنه يزيل الحواجز القانونية أمام التعاون مع الحكومة السورية التي «تدعم هذه الجهود بالكامل»، وفق التصريحات.
هذا الربط يعكس – بحسب الأغا – تحولاً استراتيجياً، فالضربات تُزيل الفوضى الأمنية اللازمة للاستثمار، بما يحول سوريا من ساحة صراع إلى فرصة اقتصادية، ويظهر ترامب كمهندس انتقال من حالة الصراع إلى حالة الاستقرار الأمني والسياسي. ويخلص الأغا إلى أن تصريحات ترامب تحمل أيضاً إشارة إلى محاولة استعادة النفوذ الأميركي، في مقابل تراجع دور روسي، وفتح مرحلة انتقالية تعتمد «القضاء على الإرهاب» بوصفه مدخلاً للاستقرار الاقتصادي. وفي الوقت ذاته، تُجسد نموذجاً للسياسة الخارجية «الشخصية»، حيث يتحول الرد الانتقامي إلى رؤية أشمل لسوريا. ولا بد من القول إن «عين الصقر»، مقترنةً بتصريحات ترامب، ترسم مسارين متوازيين: ردع عسكري يرسخ الهيمنة السورية، ورؤية سياسية تُشرعن «مستقبلاً واعداً» مشروطاً بالقضاء على «داعش». ومن الوعد بالقسوة إلى الثناء على «رجل يعمل بجد» في دمشق، يتحول الهجوم من عملية تكتيكية إلى أداة لإعادة ترتيب التوازن السوري والإقليمي، وربط الأمن بالاقتصاد في لحظة ما بعد «قيصر».
في المقابل، هناك من يستدعي حقيقة أن القضاء على «داعش» يستدعي، بالتوازي، تفكيك منظومة بقائها الأيديولوجية واللوجستية، المعلنة والمستترة خلف شبكات التمويل، والمخيمات التي تضم نساءً وأطفالاً مرتبطين بالميليشيا، والدول التي ترفض استعادة مواطنيها المنخرطين في عملياتها، ومن يروّج لفكرها الدموي عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لا شك أن الضربات العسكرية تُقوّض إلى حد كبير قوتها وقدرتها على الحركة، لكن خطرها قد يبقى كامناً ينتظر فرصة للظهور مجدداً، مع الأخذ بالاعتبار أن الوجود الأميركي في المنطقة شكّل سابقاً رادعاً رئيسياً، وسبق أن قوضت الضربات الأميركية معاقلها الرئيسية عام 2019، لتنتقل بعدها إلى التخفي والعمليات المتفرقة. وبقدر ما تُطرح أسئلة حول المدى الزمني المفتوح، وما إذا كان الهدف الاستمرار في الضربات «حتى إتمام المهمة»، تُطرح أيضاً مسألة جدية واشنطن هذه المرة في إنهاء «داعش» بصورة كاملة، وهل ستنتقل العملية إلى ميادين أخرى… العراق مثلاً؟ الإجابات مرهونة بالأيام المقبلة ومسار الحملة.
وكانت سوريا قد أكدت، عقب بدء «عملية عين الصقر»، التزامها مكافحة ميليشيا «داعش» وضمان عدم وجود ملاذات آمنة لها، وتكثيف العمليات العسكرية ضده في جميع المناطق التي تهددها، وفق بيان صدر عن وزارة الخارجية السورية. ونقلت شبكة «فوكس نيوز» عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن الضربات شملت 50 هدفاً في مناطق متفرقة من سوريا. ووفق تقديرات أمريكية، يتواجد ما بين 2500 و7000 مسلح نشط لـ«داعش» في سوريا والعراق حتى العام الحالي 2025، فيما يُحتجز آلاف آخرون في سجون ومخيمات الجزيرة السورية. وخلال هذا العام زادت هجمات «داعش»، خاصة في ريف حمص ودير الزور وحلب وتدمر، آخرها في 13 كانون الأول الجاري في تدمر. ووفق مسؤول أمريكي، فإنه بعد الهجوم ساعدت الحكومة السورية في تنفيذ 10 عمليات مشتركة في أنحاء سوريا بدعم أمريكي مباشر، أسفرت عن مقتل واعتقال أكثر من 20 عنصراً مرتبطاً بـ«داعش»، وضبط أسلحة وطائرات مسيرة انتحارية وأحزمة ناسفة ومواد متفجرة. وأضاف المسؤول لـ«فوكس نيوز» أن هذه العمليات أفضت إلى مصادرة أجهزة إلكترونية وإجراء مقابلات فردية، بما وفّر معلومات استخباراتية استندت إليها «عملية عين الصقر».
ويقول توم واريك، كبير الباحثين في المجلس الأطلسي، في تصريحات لقناة «الحرة» الأميركية: بعد أن خسرت «داعش» معاقلها الرئيسية في سوريا، تحولت إلى حركة سرية تعمل تحت الأرض، تختبئ في بلدات صغيرة في البادية قرب نهر الفرات، حيث بدأت تدريجياً بترهيب القرى المحلية وابتزازها مالياً. ويضيف أن الميليشيا حاولت، بعد سقوط نظام الأسد، الاستفادة من انشغال القيادة الجديدة بترتيب شؤون الدولة، مستغلة الفراغات والمناطق غير المحكومة أو البعيدة عن دمشق، خصوصاً في المناطق الشرقية، لاستعادة قدراتها. وجاء هجوم الـ13 من الشهر الجاري كتذكير بالمخاطر التي بات تشكلها «داعش».
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة