عام على "سوريا الجديدة": ملف الاعتقال يعود للصدارة وسط مخاوف من تكرار القمع


هذا الخبر بعنوان ""سجون الشرع".. هل تحررت سوريا من القمع والذل؟" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
بعد مرور عام على التحول السياسي الذي أفضى إلى إنهاء حكم بشار الأسد، يتصدر ملف الاعتقال قائمة القضايا الأكثر حساسية في المشهد السوري الجديد. ففي ظل تعهدات رسمية بإنهاء صفحة الانتهاكات وتأسيس مؤسسات قانونية حديثة، تتوالى شهادات ميدانية عن حملات توقيف واسعة وإعادة تفعيل لمراكز احتجاز قديمة، مما يرسم صورة معقدة تعكس التحديات الجمة للانتقال من إرث أمني ثقيل إلى دولة تحكمها سيادة القانون.
كشفت وكالة "رويترز" في تقرير مفصل عن معطيات موثقة تفيد بأن السلطات الجديدة في دمشق قد نفذت، على مدار العام الماضي، حملات توقيف شملت مئات، وربما آلاف، السوريين لأسباب أمنية. اللافت في هذه الحملات هو غياب لوائح اتهام واضحة في العديد من الحالات. وقد احتُجز هؤلاء الأشخاص في سجون ومراكز اعتقال، بعضها كان قيد الاستخدام خلال عهد النظام السابق، وسط شكاوى متزايدة من غياب الإجراءات القضائية السليمة وصعوبة تواصل المحتجزين مع محامين أو معرفة أماكن احتجازهم. واستناداً إلى بيانات جُمعت من مقابلات مع محتجزين سابقين وأقارب معتقلين، بالإضافة إلى قوائم جزئية لزيارات عائلية، تم توثيق مئات الحالات، مع وجود مؤشرات قوية على أن العدد الفعلي للمعتقلين يتجاوز ذلك بكثير، خاصة في ظل الاكتظاظ ونقص الشفافية.
تزامنت أولى حملات الاعتقال مع الأيام الأولى التي أعقبت انهيار الحكم السابق، حيث طالت أعداداً كبيرة من الجنود والمجندين والضباط الذين غادروا مواقعهم العسكرية، بعضهم بشكل طوعي، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم. ومع حلول فصل الشتاء، توسعت دائرة التوقيفات لتشمل مئات من أبناء الطائفة العلوية في مناطق متفرقة، وازدادت حدتها بشكل ملحوظ بعد الاضطرابات الأمنية التي شهدها الساحل السوري في آذار/مارس الماضي، وما رافقها من أحداث دامية. وفي فصل الصيف، امتدت الاعتقالات الجماعية لتصل إلى جنوب البلاد، مستهدفة أبناء من الطائفة الدرزية إثر أحداث عنف طائفية دامية. وفي سياق متصل، أشارت شهادات إلى توقيف أشخاص من مختلف الطوائف، من بينهم نشطاء ومدنيون اتُهموا بعلاقات غير محددة مع النظام السابق، بالإضافة إلى أفراد أُوقفوا عند حواجز أمنية بذريعة الاشتباه بعلاقات إقليمية، وشمل ذلك أبناء من الطائفة المسيحية والطائفة الشيعية، إلى جانب السنة.
تكشف التحقيقات عن إعادة تشغيل عدد من السجون والمراكز التي ارتبطت أسماؤها لعقود بالأجهزة الأمنية السابقة، فضلاً عن استخدام نقاط التفتيش ومخافر الشرطة كمرافق احتجاز مؤقتة. في هذه المواقع، يُحتجز الأفراد لفترات طويلة دون توجيه تهم علنية، مع تباين في قواعد الزيارة من منشأة لأخرى. وتفيد عائلات بأن العشرات من أقاربهم فقد أثرهم لأشهر، بينما وصف معتقلون سابقون ظروفاً قاسية داخل الزنازين، تميزت بالاكتظاظ الشديد، ونقص الغذاء والرعاية الصحية، وانتشار الأمراض بسبب غياب مستلزمات النظافة الأساسية.
بالإضافة إلى الظروف القاسية للاحتجاز، روى محتجزون سابقون تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب، خاصة في المراكز غير الرسمية. كما جرى توثيق حالات وفاة أثناء الاحتجاز، حيث أفادت عائلات بعض الضحايا بأنها لم تُبلغ بالوفاة إلا بعد إتمام الدفن، ولم تتلقَ أي تقارير رسمية توضح أسباب الوفاة. ورغم تأكيد مراقبين على أن مستوى الانتهاكات الحالي لا يرقى إلى ما كان عليه في عهد بشار الأسد، حيث شهدت البلاد اختفاء عشرات الآلاف خلال فترة الحرب، إلا أن تكرار هذه الوقائع يثير قلقاً متزايداً من إمكانية إعادة إنتاج أدوات القمع بأساليب جديدة.
كما ظهرت شكاوى تتعلق بابتزاز مالي استهدف عائلات المحتجزين، حيث طُلب منهم دفع مبالغ متفاوتة مقابل الإفراج عن ذويهم أو تحسين ظروف احتجازهم. وقد تباينت هذه المبالغ بشكل كبير، وأكدت عائلات أن الدفع لم يضمن الإفراج في جميع الحالات، مما يعزز الشكوك حول وجود شبكات تستغل ضعف الرقابة خلال هذه المرحلة الانتقالية.
في ردودها الرسمية، أوضحت الحكومة أن عمليات التوقيف تندرج ضمن إطار ملاحقة المتورطين في جرائم وانتهاكات ارتُكبت خلال عهد النظام السابق، فضلاً عن قضايا تمس الأمن والاستقرار. وأكدت الحكومة أن أعداد المفرج عنهم تتجاوز أعداد المحتجزين حالياً، لكنها لم تقدم إحصاءات مفصلة لدعم هذا التأكيد. كما أعلنت السلطات عن فرض عقوبات تأديبية بحق عدد من عناصر الأمن على خلفية قضايا ابتزاز واستخدام غير مشروع للقوة، مشيرة إلى اعتماد مدونات سلوك جديدة تشدد على احترام حقوق الإنسان ومنع التعذيب.
يتزامن هذا الجدل حول السجون مع اهتمام دولي متزايد بمسار سوريا الجديدة، حيث تنظر بعض الدول إلى القيادة الحالية كشريك محتمل في تحقيق استقرار المنطقة. في المقابل، طالبت منظمات أممية وحقوقية بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في جميع مزاعم الاعتقال التعسفي والانتهاكات، محذرة من أن استمرار هذه الممارسات قد يقوض الثقة في المرحلة الانتقالية برمتها.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة