مفارقة الأسعار في سوريا: صعود صاروخي مع الدولار وتجاهل تام للهبوط.. خبير اقتصادي يفكك الظاهرة


هذا الخبر بعنوان "خبير اقتصادي : الأسعار تصعد مع الدولار بسرعة.. لكنها تتجاهل الهبوط!" نشر أولاً على موقع worldnews-sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
بينما يترقب السوريون أي بصيص أمل في تحسن سعر صرف الليرة، تتلاشى آمالهم أمام واقع الأسواق الصادم. فبمجرد تراجع قيمة العملة الوطنية، تشهد الأسعار ارتفاعات فورية، لكنها تظل عصية على الانخفاض حتى عند تحسن سعر الصرف. هذه المفارقة لم تعد مجرد ظاهرة عابرة، بل تحولت إلى سلوك اقتصادي متجذر تغذيه مجموعة من العوامل النفسية والسوقية المعقدة.
في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن العقد الأخير شهد تدهوراً حاداً ومستمراً في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. هذا التدهور انعكس بشكل مباشر وفوري على تكاليف المعيشة، حيث كانت كل موجة هبوط في سعر الصرف تترجم فوراً إلى زيادات حادة في الأسعار، دون أن يقابلها أي انخفاض مماثل عند تسجيل الليرة أي تحسن.
يشير الدكتور قوشجي إلى أن العامل النفسي يلعب دوراً محورياً في هذه المعادلة المعقدة. فكلاً من التجار والمستهلكين يفتقرون إلى الثقة باستدامة أي تحسن يطرأ على سعر الصرف، وينظرون إليه على أنه تحسن مؤقت قد ينهار في أي لحظة. هذا الشعور يدفع التجار إلى التمسك بالأسعار المرتفعة كإجراء وقائي وتحوطي. علاوة على ذلك، ترسخت لدى السوريين ما يسميه الخبير بـ"الذاكرة التضخمية"، وهي نتاج سنوات طويلة من الغلاء المتواصل، مما جعل ارتفاع الأسعار أمراً متوقعاً وطبيعياً، بينما أصبح انخفاضها حدثاً نادراً لا يمكن التعويل عليه. هذا الواقع، بحسب قوشجي، يقلل من الضغط الشعبي على التجار ويمنحهم مساحة أكبر للاستمرار في سياسة التسعير المرتفع.
ويلفت قوشجي الانتباه إلى أن العديد من التجار يتبنون سياسة "التحوّط المفرط"، حيث يقومون بتسعير بضائعهم بناءً على سعر دولار أعلى من السعر الفعلي في السوق، وذلك تحسباً لأي تقلبات مفاجئة. يزدهر هذا السلوك في بيئة تفتقر إلى المنافسة الحقيقية، حيث تسيطر قلة من التجار على سلاسل الاستيراد والتوزيع. في ظل هذا النمط الاحتكاري، لا توجد قوى سوقية كافية للضغط باتجاه خفض الأسعار حتى عندما تنخفض تكاليف الاستيراد، بل إن بعض التجار يستغلون تحسن سعر الصرف لزيادة هوامش أرباحهم دون أن ينعكس ذلك إيجاباً على المستهلك.
ويشير الخبير إلى أن الاعتماد الكبير للاقتصاد السوري على الاستيراد يجعل الأسعار شديدة الحساسية لتقلبات سعر الدولار. ومع ذلك، لا تقتصر المشكلة على هذا الجانب فحسب، فضعف البنية التحتية، وارتفاع تكاليف النقل، وتراجع الإنتاج المحلي، كلها عوامل تعيق انتقال أي تحسن في سعر الصرف إلى الأسواق. يضاف إلى ذلك أن العديد من السلع المتوفرة حالياً في الأسواق قد تم استيرادها عندما كان سعر الدولار أعلى، مما يدفع التجار إلى التذرع بتكاليفهم السابقة لتبرير استمرار الأسعار المرتفعة، بالإضافة إلى بطء دورة التوريد وغياب الدعم اللوجستي الفعال.
ويرى الدكتور قوشجي أن آليات التسعير في السوق السورية لا تستند بالدرجة الأولى إلى مبدأ العرض والطلب، بقدر ما ترتبط بالتوقعات المستقبلية لسعر الدولار في السوق غير الرسمية. وفي ظل ضعف الرقابة الحكومية وغياب الشفافية، تتحول عملية تحديد الأسعار إلى قرارات فردية يتخذها التاجر، بعيداً عن واقع السوق الحقيقي.
في مواجهة هذا الواقع المعقد، يؤكد الخبير على أن تفعيل "ثقافة المقاطعة الواعية" يمكن أن يشكل أداة ضغط حقيقية وفعالة، خاصة تجاه السلع التي تشهد ارتفاعات غير مبررة. كما يشدد على الأهمية القصوى لرفع مستوى الوعي الاستهلاكي، وضرورة اضطلاع الإعلام والمجتمع المدني بدورهما في كشف الممارسات الاحتكارية والمطالبة بآليات رقابية أكثر صرامة وفاعلية.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد