الاقتصاد السوري بعد سقوط النظام: تحول نحو السوق المفتوحة وتحديات الحوكمة وتمويل إعادة الإعمار


هذا الخبر بعنوان "الاقتصاد السوري 2025 .. تحرّر من العقوبات واشتراكية البعث بانتظار اختبار الحوكمة" نشر أولاً على موقع snacksyrian وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٥ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهد عام 2025 تحولاً نوعياً في بنية الاقتصاد السوري، جاء ذلك كنتيجة حتمية للتحول السياسي الذي رافق سقوط نظام بشار الأسد في الشهر الأخير من العام الماضي. وفقاً لـ سناك سوري، فإن أولى بوادر هذه التحولات تمثلت في توجه السلطة السورية الجديدة نحو نموذج "اقتصاد السوق المفتوح" والتخلي عن شعارات "اشتراكية البعث". هذه الشعارات، التي تحولت خلال العقود الماضية إلى بوابة للفساد تحت غطاء "الدعم" وتدخل الدولة في التسعير وحركة الأسواق، تم التخلي عنها بقرارات أولية شملت رفع الدعم عن كافة السلع الأساسية كالخبز والمحروقات، وإلغاء البطاقة الذكية، وتحرير السوق من تدخل الدولة بالاعتماد على مبدأ العرض والطلب في التسعير. كما كان القرار الأبرز هو السماح بتداول الدولار والعملات الأجنبية، بعدما كانت هذه الممارسة تهمة قد تؤدي بصاحبها إلى السجن لسنوات في عهد النظام السابق.
من أبرز الأحداث التي ميزت الاقتصاد السوري في عام 2025، كان رفع العقوبات الغربية المفروضة من دول مختلفة، وفي مقدمتها "الولايات المتحدة". فقد قرر رئيسها "دونالد ترامب" رفع معظم حزم العقوبات، وبقيت خطوة واحدة لإلغاء عقوبات "قيصر" بشكل نهائي بعد تعليقها لمدة 6 أشهر. بذلك، طوت سوريا صفحة طويلة من العقوبات والعزلة عن الاقتصاد الدولي، والتي كانت قد بدأت منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي واشتدت خلال سنوات الثورة السورية، وبلغت ذروتها عام 2019 مع قانون قيصر الذي أنهك الاقتصاد السوري.
سمح رفع العقوبات بعودة تدريجية لـ"سوريا" إلى السوق الدولية، حيث لم يعد هناك خطر يهدد الشركات المصدرة للبضائع إلى "سوريا"، ولم تعد المصارف مهددة عند تنفيذ تحويلات إلى الداخل السوري. وقد عادت "سوريا" رسمياً إلى نظام "سويفت" للتحويلات المصرفية، مما سهل على العديد من السوريين عمليات التحويل من الخارج. كما أعاد الانفتاح على العالم سوريا إلى الاجتماعات واللقاءات مع ممثلي "البنك الدولي" و"صندوق النقد"، لكن "دمشق" لم تتجه إلى الاقتراض كوسيلة رئيسية لتمويل إعادة الإعمار، التي تصل تقديرات تكلفتها إلى أكثر من 600 مليار دولار، في حين لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2024 أكثر من 21.4 مليار دولار.
صرح الرئيس السوري الانتقالي "أحمد الشرع" بأن الحكومة اختارت إعادة البناء عبر الاستثمار بدلاً من الاعتماد على المساعدات الخارجية، معتبراً أن ثقافة الاعتماد على المساعدات تؤدي إلى الكسل. وأشار إلى أن الاستثمارات الداخلة إلى سوريا في الأشهر الستة الأولى من عام 2025 تجاوزت 28 مليار دولار. كما أوضح أن قانون الاستثمار الجديد الذي طرحته وزارة المالية يصب في مصلحة المستثمرين المحليين والأجانب، حيث يتيح لهم إخراج الأرباح والجزء الأكبر من رأس المال إلى الخارج. ولفت "الشرع" إلى أن سوريا بلد زراعي وسياحي واقتصاد متنوع، وتستطيع إطعام ما يقارب 250 إلى 300 مليون نسمة، مؤكداً وجود فائض في إنتاج النفط والغاز ومخزونات كبيرة منهما في البحر والبادية.
في 4 أيلول 2025، أعلن الرئيس السوري الانتقالي "أحمد الشرع" إطلاق "صندوق التنمية السوري" ككيان يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويرتبط مباشرةً برئاسة الجمهورية، ويعنى بمشروع إعادة بناء سوريا. ورغم الزخم الذي رافق إطلاق الصندوق وسخاء التبرعات في بدايته، إلا أن الأرقام التي يظهرها موقعه الرسمي تكشف عن فارق بين التبرعات الفعلية و"تعهدات" بالتبرع لم يتم الوفاء بها بعد. فقد بلغ حجم التبرعات التي تلقاها الصندوق 27.687 مليون دولار، بينما يبلغ حجم التعهدات المنتظر وصولها 57.228 مليون دولار.
بالتوازي، انطلقت خلال العام الماضي حملات للتبرع في مختلف المحافظات السورية بهدف إسهام المجتمعات المحلية في عمليات إعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية. ففي حملة "أربعاء حمص"، بلغ إجمالي التبرعات أكثر من 13 مليون دولار بحسب "فريق ملهم التطوعي". أما "حملة دير العز"، فيظهر موقعها الرسمي مشروعاتها القادمة وتعريفاً بالحملة يؤكد قيم الشفافية والحوكمة، لكنه لا يوضح حجم التبرعات التي وصلت ونسبة التنفيذ. وقد واجهت الحملة انتقادات بهذا الشأن، حيث أعلن الناطق باسمها "حسين العبد الله" أن التبرعات النهائية وصلت إلى نحو 31 مليون دولار، تم استلام 3.423 مليون دولار منها بانتظار بقية التعهدات، بينما أثار متبرع تساؤلات حول شفافية الحملة بعد تحويله مبلغاً لم يتم استلامه بعد.
وينطبق الأمر ذاته على حملة "أبشري حوران" التي يكشف موقعها الرسمي عن تعهدات تجاوزت 38 مليون دولار، دون تحديد حجم التبرعات المقبوضة فعلياً. في حين لا يظهر الموقع الرسمي لحملة "ريفنا بيستاهل" في "ريف دمشق" أي معلومات عن حجم التبرعات أو التعهدات، بينما قالت "الإخبارية السورية" الرسمية إنها رصدت تبرعات بقيمة تجاوزت 76 مليون دولار. أما حملة "السويداء منا وفينا"، التي تأثرت بالظروف السياسية، فقد جمعت أكثر من 14.6 مليون دولار بدعم حكومي وفقاً لوكالة سانا الرسمية.
كذلك الحال في الموقع الرسمي لحملة "الوفاء لإدلب" الذي لا يظهر أرقاماً واضحة لحجم التبرعات أو التعهدات، بينما تقول قناة "الإخبارية السورية" الرسمية إن حجم التبرعات بلغ 208 مليون دولار دون توضيح الفارق بين "التبرعات" و"التعهدات". وتعد حملة "فداء لحماة" الأكثر غرابة، حيث يظهر موقعها أن مجموع التبرعات صفر، ما يرجح عدم تحديثه بعد إطلاق الحملة وجمع التبرعات التي قالت وكالة سانا الرسمية إنها تخطت 210 مليون دولار.
أحدث وأكبر حملات التبرع كانت حملة "حلب ست الكل"، حيث قال القائمون عليها إن إجمالي التبرعات والتعهدات تجاوز 426 مليون دولار، لكن الموقع الرسمي للحملة يظهر أن أقل من 2 مليون دولار تم التبرع بها فعلياً، مقابل 425 مليون دولار من التعهدات التي تحتاج وقتاً للوفاء بها. ويشير الموقع إلى أن الاحتياج العاجل يقدر بنحو 3 مليارات دولار لتأمين الحد الأدنى من متطلبات التعافي. وباحتساب مجموع التعهدات والتبرعات الفعلية في "صندوق التنمية" وكافة حملات التبرع، يصل الإجمالي إلى مليار و101 مليون دولار، بينما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إعادة إعمار البلاد تتجاوز 216 مليار دولار، مما يعني أن هذه التبرعات تساهم بنسبة 0.5% تقريباً في إعادة الإعمار.
يمنح سقوط نظام الأسد أملاً للسوريين بإنهاء عهد الاقتصاد الفاسد القائم على المحسوبيات والرشاوى وحكم العائلة، والذي تفاقم سوءاً ليتحول إلى اقتصاد حرب تسيطر عليه عصابات النهب. وتخلق هذه المعاناة تحدياً أساسياً أمام السلطة الحالية، يتمثل في تعزيز فعلي لقيم الشفافية والحوكمة وإنهاء المحسوبيات وصلات القربى في تعهيد المشاريع الاقتصادية. ويعد توفير الأمان والاستقرار أكبر تحدٍ أمام الحكومة لجذب المستثمرين فعلياً، لا أن تكون الاتفاقات مجرد "مذكرات تفاهم" ووعود مستقبلية بالاستثمار.
من جانب آخر، فقدت الليرة السورية الكثير من قيمتها خلال السنوات الماضية، حيث بلغ سعر الصرف أكثر من 15 ألف ليرة للدولار الواحد عند سقوط النظام، بينما يبلغ اليوم نحو 12 ألف ليرة بتحسن طفيف. يضاف إلى ذلك زيادة الرواتب التي ساهمت بتحسن نسبي في القدرة الشرائية للموظفين. ورغم التحدي الأكبر المتمثل في إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية وقطاعات مثل الكهرباء لخلق بيئة مناسبة للاستثمارات، فإن الأمل يحدو بأن نهاية هيمنة النظام على مفاصل الاقتصاد ستكون بوابة للانفتاح وفتح أبواب الفرص للعمل والاستثمار وإعادة إحياء السوق السورية بعد طول ركود.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد