الحب والحلم والحياة: قراءة متعمقة في تجربة جهاد الأحمدية الشعرية


هذا الخبر بعنوان "قراءة في “الحب والحلم والحياة” .. للشاعر جهاد الأحمدية" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يقدم محمد خالد الخضر قراءة تحليلية للمجموعة الشعرية «الحب والحلم والحياة» للشاعر جهاد الأحمدية، حيث تتجلى ظاهرة الحب العذري كسمة شعرية متكاملة في خصائصها وبنائها الفني وتدفقها. يشير الخضر إلى الموهبة الحقيقية التي يمتلكها الشاعر، رغم اختلاف أسلوبه عن سابقيه، خاصة وأن هذه المجموعة تمثل الطبعة الثانية للمجموعات الثلاث الأولى للأحمدية.
يستشف القارئ من هذه النصوص نسائم بدايات تحمل بذور موهبة فذة، تظهر في صور مبتكرة مزينة بنفحات فنية مميزة، دون التخلي عن المقومات الشعرية الموروثة. ويستشهد الخضر بقصيدة «قمر» حيث يقول الشاعر:
إسوارتان بمعصمي بردى هدباك .. يا قمري وسحابتان بأفقه الريانْ جفناك .. فانهمري وقصيدتا غزلٍ عيناك ساهرتانْ تتبادلان مع الحروف مواسم الزَّهَرِ وعلى دروبِ العمرِ طولَ العمرِ باقيتانْ وشماً بذاكرتي، ضاداً على شفتي، وطناً لأغنيتي، لحناً على وتري.
تتجسد في قصائد الأحمدية حالات روحية سامية بأبعادها الإنسانية والعاطفية، حيث تتآلف المكونات اللغوية والوجدانية لتتوج أصالة الطرح وتكشف عن التآخي بين عمق الرؤيا وجمالية التعبير. يلفت النظر استخدام الأحمدية العفوي للإيقاع الموسيقي المتناغم مع الحالة الوجدانية، مما يحقق الانسيابية والمرونة في إيصال المكونات الجمالية إلى المتلقين على اختلاف ثقافاتهم واهتماماتهم.
يستعين الشاعر بحسه الجمالي وخياله الشعري الخصب ليرسم بالحركات والسكنات المتناغمة مع الصور والمكان والموضوع، ليتحف قارئه بابتكارات مبدعة ويحلق به إلى عوالم بعيدة، ليعيش مع الأساور الجميلة وبردى الغالي. وتتواصل عواطفه التي لا تغادر عالمه الداخلي، لتنشأ علاقة صادقة بين الشاعر ومن يحب، وبين الشاعر ومتلقي شعره. يتجلى ذلك في قصيدته «الجوكندا» حيث يقول:
مَن علَّمَ الأطلالَ رقصَ العاشقاتِ مع الغروبِ سواكِ أنتِ؟ مَن علَّمَ الآمالَ نسجَ خيوطِها بجوارحي إلاَّكِ أنتِ؟
تزخر نصوص الأحمدية بما يشير إلى امتدادها في الزمان والمكان، واحتفائها بمخزون ثقافي غني يتضح في مواضع كثيرة من قصائد الكتاب. يلعب استحضار الموروث الثقافي دوراً أساسياً في التأثير على مجتمع المتلقين، خاصة عندما تتدخل الموهبة الفاعلة في تحويله إلى مادة جمالية رشيقة تتسلل إلى وجدانهم وتلائم ذائقتهم النفسية والفكرية، محققةً مبتغاها في التأثير الفعال على مكونات المجتمع بما تحمله من مؤثرات وجدانية تكرس القيم النبيلة. يظهر هذا بوضوح في تشكيل الفضاء الإبداعي في قصائد جهاد الأحمدية، التي لم تغب عنها مفردات البيئة الاجتماعية والثقافية، وبذلك يكون قد أعطى شعر الحب مفهومه الحقيقي بعيداً عن المعاني المغلوطة، مكتفياً بالمدلولات الإنسانية الباقية والمؤثرة.
تأتي الصورة بشكل عفوي عند الشاعر، وتمر على ثقافاته واطلاعاته لتمثل عناصر النص ومشاعر المتأثر دون تعدد مسارات الدلالة، فهي تنتقل من العاطفة إلى العاطفة عبر أسس تشمل المعنى واللغة والموسيقى والصوت، محققة الوجود الذي يتطلع إليه الشاعر. يقول في قصيدته «طفولة»:
وجاء الشتاء حزيناً .. إلينا و ألبسنا فروة من دموع وغاب.
ويتابع في موضع آخر من القصيدة ذاتها:
وصار الهواءُ دخاناً وحلمي تلاشى فلم يبقَ منه سوى قمحةٍ في رَحى الذاكرة.
يؤكد محمد خالد الخضر أن شعرية جهاد الأحمدية تبرهن أن الشعرية واحدة ولا تتخطى مكونات اللغة ووظائفها، وأن تغيير الشكل عبر التاريخ يجب أن يناسب تحولات البيئة. فالتركيب النصي يعتمد على الانتظام المعنوي للشعر وبداية انطلاقه عبر التاريخ. ولا تقتصر نصوص الأحمدية على الحب باتجاه واحد، بل يشمل الحب أسس الانتماء كالأرض والأم والتربية، والكثير من الجماليات الأخرى. يتجلى ذلك بعفوية في البنية التي حددت وظيفة الرؤية الشعرية وامتلكت كفاءة تعبيرية وجماليات مؤثرة.
وبقدر ما يغتني خيال الشاعر بمفردات الحضارة الإنسانية ومعارفها المتنوعة، تتسع مساحة جمالية الصورة وحركتها لتشتمل على أنسنة الكائنات الجمالية الأخرى. يبدو جلياً تمكن الشاعر من مفردات الفن اللغوي التي احتضنتها عاطفته الصادقة ليؤكد أن الحب من أهم أولويات الحياة. فقد تمكن من تحريك الشتاء عبر العاطفة وأعطاه صوراً وجماليات مبتكرة لربط عاطفته بمحبة أمه، وليصل بالمتلقي إلى قيمة الوجدان ورفعة المعنى واللغة التي ظلت مرتبطة بمكونات القيمة لتحولات المشاعر بشكل فني. يقول في قصيدته «ذكرى»:
من قال أنساها حقول الآس ! من قال انسى طينها المجبول منه جبين جدي وجه أمي .. خد عاشقتي وبعض ملامحي وحواسي !
تبرز قيمة الانتماء من خلال صورة جبين الجد ووجه الأم وخد الحبيبة، ليصبح النص حقلاً دلالياً واسع الطيف يؤدي إلى الإدهاش ويحث على التمسك بقراءة النص وقيمة النصوص الأخرى التي تمتلك ذات المستوى والأسلوب.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة