تركيا تعيد تقييم استراتيجيتها: هل انتهت سياسة "صفر مشاكل" مع تمدد النفوذ الإسرائيلي نحو حدودها؟


هذا الخبر بعنوان "ما بعد “صفر مشاكل”: كيف تتحرك أنقرة بعدما أصبحت إسرائيل على حدودها؟" نشر أولاً على موقع worldnews-sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
لم تعد تركيا قادرة على البقاء بمنأى عن التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط. فقد نجحت إسرائيل، خلال السنوات الماضية، في توسيع نطاق صراعها من كونه أمنياً محدوداً إلى مواجهة عسكرية مفتوحة تتجاوز الحدود التقليدية، مما أصبح يمس الأمن القومي التركي بشكل مباشر. هذا التطور يطرح تساؤلاً ملحاً حول كيفية استجابة أنقرة لهذه التحديات المتزايدة.
في ظل هذه التفاعلات الإقليمية، تجد تركيا نفسها مهددة بفقدان مكانتها وتعرض أمنها القومي للخطر جراء الوجود الإسرائيلي المتنامي في سوريا. دفع هذا الواقع أنقرة إلى الانفتاح بشكل أوسع على تعزيز علاقاتها مع قوى إقليمية محورية مثل إيران والسعودية. وتُعد الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران جزءاً من مسعى تركي لإعادة تشكيل ميزان الردع في المنطقة. فقد أدركت أنقرة أن سياستها السابقة "صفر مشاكل" لم تحقق هدفها في القضاء على الأعداء، بل أدت إلى فراغ استراتيجي استغلته إسرائيل، بدعم غربي وشراكات مع خصوم تركيا التاريخيين. فعندما توقع تل أبيب اتفاقيات تعاون استراتيجي مع اليونان وقبرص، ويتحول شرق المتوسط إلى ساحة عسكرية واقتصادية موجهة ضد أنقرة، يصبح الصمت التركي بمثابة انتحار استراتيجي.
على الرغم من أن إسرائيل لا تواجه تركيا عسكرياً بشكل مباشر، إلا أنها تمارس عليها حصاراً استراتيجياً متعدد الأوجه يشمل ملفات الغاز، الملاحة، التحالفات الإقليمية، ودعم الأكراد ومطالبهم الانفصالية. فوجود دولة كردية مستقلة يمثل لإسرائيل فرصة للتواجد المباشر على حدود تركيا. هذا الوضع يدفع أنقرة اليوم إلى إعادة تقييم شاملة لتحالفاتها. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لتركيا أن تسعى للتقارب مع إيران بينما تستمر في تقديم الدعم لأذربيجان، التي كانت جزءاً من التحالف الدولي الذي شن حرباً ضد طهران.
كما يبرز الملف السوري كبوابة إجبارية لأي تفاهم إقليمي، بعد أن حاولت تركيا طويلاً إدارته بمنظور أمني بمعزل عن التوازنات الكبرى. ومن بين المقترحات التي قد يحملها أردوغان إلى إيران، فكرة إعادة نشر رادارات داخل سوريا، مما سيمكن إيران من رصد الهجمات الإسرائيلية مبكراً، خاصة بعد أن دمرت تل أبيب الرادارات التي كان النظام السوري السابق قد أقامها. وتسعى إيران بذلك لحث الأتراك على منع تحويل سوريا إلى ممر آمن للطائرات والصواريخ الإسرائيلية. وينطبق الأمر ذاته على العراق، حيث ترى طهران أن الأجواء العراقية أصبحت تشكل مصدراً استخباراتياً مهماً لإسرائيل، مما يستدعي إيجاد حلول عاجلة.
يعاني الاقتصاد التركي حالياً من ضغوط كبيرة على العملة الوطنية، كما أن الاستثمارات الغربية تأتي بشروط معينة، في حين تتمتع إسرائيل بقدرة تأثير واسعة على مراكز القرار المالي والسياسي في الغرب. ومع ذلك، يدرك الرئيس أردوغان، أو ينبغي له أن يدرك، أن الاستمرار في سياسة التهدئة لن يحمي بلاده من مشروع إقليمي يجري تشكيله وفقاً لرؤية تل أبيب، مشروع قد يؤدي إلى تغيير في الخرائط وتقسيم للمناطق. ومن الواضح أن هذا المشروع الإسرائيلي قد يشمل أيضاً تقسيم تركيا لمنع ظهور أي قوة إقليمية قادرة على مواجهة إسرائيل.
على الرغم من تعقيد العلاقات مع إيران، وهو ما ينطبق أيضاً على علاقات تركيا والسعودية معها، إلا أنها أصبحت ضرورية اليوم. فالأطراف الثلاثة تشترك في إدراك أن إسرائيل لا تسعى لتحقيق توازن قوى، بل لتفوق مطلق. وفي هذا السياق، تصبح العلاقات الإيرانية مع سوريا الجديدة مطلوبة أيضاً، وتسعى تركيا لنسجها ولو بالحد الأدنى في المرحلة الراهنة. ورغم كل هذه التطورات، فإن السؤال الحقيقي الذي يواجه أنقرة اليوم ليس ما إذا كانت ستتخلى رسمياً عن شعار "صفر مشاكل"، بل ما إذا كانت مستعدة لدفع ثمن الخروج من هذه السياسة. إنها تقف أمام خيار صعب: إما الاستمرار في التردد، أو القبول بأن الأمن القومي التركي سيصبح عرضة للمخاطر الجسيمة.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة