الكستناء في سوريا: تحديات "الذهب البني" بين الإهمال وآمال النهوض بمليون شجرة


هذا الخبر بعنوان "شجرة الذهب البني.. مليون شجرة كستناء في سوريا" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
ترتبط ثمرة الكستناء ارتباطاً وثيقاً بليالي الشتاء الدافئة والسهرات العائلية في سوريا، حيث تُعد عنصراً أساسياً في الطقس الاجتماعي الشتوي. ومع حلول هذه الأيام الباردة، تنتشر بسطات بائعي الكستناء في شوارع المدن السورية، لا سيما في دمشق، حيث يتفنن الباعة في شيّها على مواقد الغاز أو الحطب لتلبية طلبات المارة والساهرين. ورغم هذا العشق السوري للكستناء، تواجه زراعتها في البلاد تحديات وصعوبات جمة.
يشير المهندس الزراعي منصور حداد إلى أن زراعة الكستناء دخلت إلى سوريا منذ مئات السنين قادمة من تركيا. ويُعد ضهر القصير في حمص الموطن المحلي الرئيسي لهذه الشجرة، حيث توجد غابة خاصة بها في الساحل السوري وغربي حمص، وتعود بدايات زراعتها إلى فترة السبعينيات والثمانينيات.
وعلى الرغم من وجود مساحات زراعية محلية تنتج ما بين 40 إلى 50 طناً سنوياً، لفت حداد إلى أن جزءاً كبيراً من الكستناء المتوفرة في الأسواق السورية يُستورد من دول مثل تركيا والصين وإيران. ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من الكستناء التركية إلى 60 ألف ليرة، بينما يُباع الصيني بـ 25 ألف ليرة. وأوضح حداد أن شجرة الكستناء تتطلب تربة بازلتية بركانية، وهو ما يحد من انتشار زراعتها في جميع المناطق السورية. كما أشار إلى فوائدها الصحية العديدة، فهي مصدر غني بالكربوهيدرات (66%)، والألياف، وفيتامين «ج»، والبوتاسيوم، مما يسهم في تنظيم سكر الدم، وتعزيز المناعة، وتحسين الهضم، وتعديل ضغط الدم.
من جانبه، أكد المهندس الزراعي مروان عارف أن مشروع الكستناء في ضهر القصير، الذي يُعد «المكان الأفضل» لزراعتها، قد تُرك لينمو عشوائياً في عهد النظام البائد، دون أي اهتمام أو رعاية من وزارة الزراعة. فلم تُقلم أشجار الكستناء لتثمر، ولم يُختَر الصنف المحسن من الغراس، ولم تُرش الغابة بالمبيدات الحشرية ولو لمرة واحدة.
وأوضح عارف أنه لو اتبعت وزارة الزراعة في عهد النظام البائد الأسس العلمية في زراعة أكبر غابة كستناء في المنطقة العربية، لكانت سوريا قادرة على تصدير آلاف الأطنان سنوياً من «فاكهة الشتاء»، كما هو الحال في تركيا. وبيّن أن الإنتاج السنوي من هذه الغابة، التي تمتد على مساحة تتجاوز 525 هكتاراً وتضم حوالي مليون شجرة كستناء، لا يتجاوز طناً واحداً فقط، في حين يمكن أن يتضاعف عدد الأشجار ذاتياً ليصل الإنتاج إلى ثلاثة أطنان.
أضاف عارف أن زراعة الكستناء في سوريا تتميز بإمكانيات واعدة، خاصة في المناطق الجبلية والرطبة مثل صلنفة، والغاب، واللاذقية. إلا أنها تواجه تحديات تتطلب معالجة منهجية، منها: قلة الأصناف المحسنة الملائمة للبيئة السورية، نقص الخبرات الفنية المتخصصة، محدودية البنية التحتية لتجهيز وتخزين المنتج، تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج، وصعوبات التسويق.
واقترح عارف للنهوض بزراعة الكستناء تحسين الأصول الوراثية والبذور، واستيراد أصناف عالية الإنتاجية متأقلمة مع المناخ السوري، مع ضرورة إنشاء مشاتل متخصصة لإنتاج شتلات سليمة، إضافة إلى إكثار الأصناف المحلية ذات المواصفات الجيدة. كما شدد على أهمية تأسيس مركز أبحاث متخصص في زراعة الكستناء، وتنظيم دورات تدريبية للمزارعين على التقنيات الحديثة، ونشر الوعي حول مكافحة الآفات (مثل حفار الساق)، والتقليم والتسميد المناسب، ومكافحة الأمراض الفطرية.
ودعا أيضاً إلى إنشاء تعاونيات زراعية للمساعدة في التصنيع والتسويق، وتقديم دعم مادي للمزارعين عبر قروض ميسرة، ودعم أسعار الشتلات والأدوات الزراعية، وتطوير علامة تجارية للكستناء السوري، واستكشاف أسواق تصديرية جديدة، وتشجيع الصناعات التحويلية (مثل دقيق الكستناء والمنتجات الغذائية). كما اقترح إجراء مسح شامل للمناطق القابلة لزراعة الكستناء والتركيز على إنشاء مشروع تجريبي في منطقة صلنفة أو الغاب.
ختم عارف بالقول إن النهوض بزراعة الكستناء في سوريا يتطلب خطة وطنية متكاملة تشمل جميع جوانب السلسلة الإنتاجية، مع التركيز على نقل التقانات الحديثة ودعم المزارعين، بما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي وتنمية المناطق الريفية.
ومن المعروف أن شجرة الكستناء هي شجرة حراجية معمرة قد يعمر بعضها ألف عام، ويصل ارتفاعها إلى 40 متراً، وكانت تُزرع للزينة منذ القدم. وتسهم الكستناء في تعزيز الروابط الاجتماعية عندما يتم تحميصها عائلياً على سطح المدفأة «الصوبيا»، ما يجعلها نشاطاً مسلياً يمضي الوقت في الليالي الطويلة. فهي تلخص روح الشتاء السوري بجمعها بين الدفء العائلي والتسلية، وارتباطها بتاريخ الزراعة المحلي وقيمتها الغذائية، لتكون رفيقة للذكريات والسمر في الليالي الباردة. وغالباً ما يرافق هذا النشاط لعب ألعاب الورق التقليدية مثل الطرنيب والباصرة، كما تُقدَّم الكستناء كمكسرات مشوية، أو تدخل في تزيين وتصنيع الكاتو المنزلي، أو تُستخدم لتحضير شوربة الكستناء.
سوريا محلي
سوريا محلي
اقتصاد
سوريا محلي