سوريا 2025-2026: اقتصاد مثقل بالديون والفقر رغم رفع العقوبات ووعود الاستثمار


هذا الخبر بعنوان "اقتصاد سوريا 2025: استثمارات معلنة وديون ثقيلة وفقر بلا حلول سريعة" نشر أولاً على موقع North Press وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تدخل سوريا، اعتباراً من منتصف عام 2025، مرحلة اقتصادية تبدو مختلفة شكلياً عن سابقاتها. يأتي ذلك مع بدء رفع تدريجي للعقوبات الغربية وتدفق وعود استثمارية غير مسبوقة. إلا أن هذا التحول يواجه إرثاً ثقيلاً من الديون الخارجية، وانكماشاً اقتصادياً عميقاً، وفقراً واسع النطاق. وفي خضم هذه التحديات، تستعد الحكومة الانتقالية لإطلاق عملة سورية جديدة مطلع عام 2026، في محاولة لإعادة ضبط المشهد النقدي بعد سنوات من التضخم والانهيار.
شكل القرار الأميركي بإنهاء برنامج العقوبات الشامل على سوريا، بموجب مرسوم رئاسي صدر في 30 حزيران 2025 ودخل حيّز التنفيذ في 1 تموز، نقطة تحول سياسية واقتصادية. فقد أنهى هذا القرار الإطار القانوني العام الذي كان يقيّد التعامل مع الدولة السورية كمؤسسة. ومع ذلك، لم يكن هذا التحول كاملاً، إذ أبقت واشنطن على منظومة عقوبات موجهة تستهدف شخصيات وكيانات مرتبطة بالنظام السابق، والمتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان، وتجارة المخدرات، والأنشطة التي تصنّفها الولايات المتحدة بأنها “مزعزعة للاستقرار”.
في السياق ذاته، خفّف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا خلال عام 2025 معظم العقوبات الاقتصادية العامة، خاصة تلك التي كانت تعرقل التعامل مع قطاعات الطاقة والنقل وبعض المؤسسات الحكومية، مع الإبقاء على عقوبات فردية وقطاعية مرتبطة بملفات السلاح الكيميائي والمخدرات وحقوق الإنسان. وفي المقابل، لا تخضع سوريا حالياً لنظام عقوبات أممي شامل، مما يفتح نظرياً الباب أمام إعادة اندماجها في الاقتصاد الدولي.
لكن تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحذّر من أن رفع العقوبات القانونية لا يعني تلقائياً عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي. يعزى ذلك إلى استمرار ما يُعرف بسياسات “خفض المخاطر”، حيث تتجنب المصارف الدولية التعامل مع دول خارجة من نزاعات بسبب ضعف أنظمة الامتثال، ومخاطر غسل الأموال، وغياب الشفافية المؤسسية. وهو ما يفسّر الفجوة القائمة بين الخطاب السياسي حول “رفع العقوبات” والواقع الاقتصادي الذي لم يشهد بعد تدفقات مالية واسعة أو عودة مصرفية حقيقية.
في تشرين الأول 2025، أعلن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، خلال مشاركته في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرياض، أن سوريا استطاعت جذب تعهدات استثمارية أجنبية تُقدّر بنحو 28 مليار دولار خلال العام، مع توقيع عقود فعلية تقارب 14 مليار دولار. تتركز هذه الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية، والنقل، وبعض القطاعات التنموية الكبرى. وتصدّرت السعودية قائمة الدول المتعهدة، بأكثر من 6 مليارات دولار، شملت استثمارات في العقار والبنية التحتية، وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، إلى جانب مفاوضات مفتوحة مع دول خليجية أخرى وتركيا والأردن.
غير أن تقارير صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) تشير إلى أن الدول الخارجة من نزاعات غالباً ما تستقبل، في سنواتها الأولى، أقل من ثلث التعهدات المعلنة كاستثمارات فعلية على الأرض. ويعود ذلك إلى ضعف البيئة القانونية، وعدم استقرار الملكيات، وغياب قضاء تجاري مستقل. وتقدّر تقارير البنك الدولي والاتحاد الأوروبي كلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار كـ”تقدير متحفظ”، ما يجعل الاستثمارات المعلنة، حتى في حال تحققها، جزءاً محدوداً من فجوة التمويل المطلوبة لإعادة بناء الاقتصاد، ويطرح تساؤلات حول أولويات الإنفاق، والعدالة الجغرافية والاجتماعية في توزيع المشاريع.
تواجه الحكومة الانتقالية ملفاً شائكاً يتمثل في الديون الخارجية، التي تقدّرها المؤسسات المالية الدولية بنحو 20 إلى 23 مليار دولار، أي ما يعادل أو يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الحالي للبلاد. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الجزء الأكبر من هذه الديون يعود لإيران، بنحو 17 مليار دولار، إضافة إلى ديون لروسيا مرتبطة بعقود تسليح وقروض سيادية وامتيازات طويلة الأجل في قطاعات الطاقة والموانئ والفوسفات. وتذهب تقديرات غير رسمية إلى أن المطالبات الفعلية قد تصل إلى ما بين 30 و50 مليار دولار، إذا ما أُخذت بعين الاعتبار التمويلات العسكرية والسياسية التي قدّمها حلفاء النظام السابق.
تُصنّف هذه الديون، وفق تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ضمن ما يُعرف بـ“ديون النزاعات”، أي الديون التي تتطلب معالجة سياسية تفاوضية، وليس فقط حلولاً مالية تقليدية، كما حصل في تجارب دول مثل العراق والسودان. ويرتبط هذا الملف مباشرة بإعادة التفاوض على الامتيازات الاستراتيجية والقواعد العسكرية، ما يجعل الدين الخارجي أحد مفاتيح الصراع على السيادة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الأسد.
على الصعيد المعيشي، تُظهر البيانات الأممية أن الاقتصاد السوري فقد أكثر من نصف حجمه مقارنة بما قبل عام 2011، فيما انخفض دخل الفرد القومي إلى نحو 830 دولاراً في 2024، ما يضع سوريا ضمن شريحة الدول منخفضة الدخل. وترافقت هذه المؤشرات مع أزمة سيولة نقدية حادة داخل القطاع المصرفي خلال عامي 2024 و2025. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو ثلث السوريين يعيشون في فقر مدقع، بينما يعيش حوالي ثلثي السكان تحت خط الفقر المعتمد للدول ذات الدخل المتوسط الأدنى. وتذهب تقديرات أخرى إلى أن ما يصل إلى 90% من السكان تأثروا بشكل أو بآخر بأشكال الفقر، سواء النقدي أو متعدد الأبعاد، الذي يشمل ضعف الوصول إلى الغذاء، والتعليم، والرعاية الصحية. كما سجّلت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً تراكمياً تجاوز 50% خلال النصف الأول من عام 2025، مع تحذيرات أممية من قفزات إضافية محتملة في 2026، في حال لم تترافق الإصلاحات النقدية مع ضبط مالي وسياسات حماية اجتماعية فعّالة.
في محاولة لمعالجة التشوهات النقدية، أعلنت الحكومة والبنك المركزي عن إطلاق عملة سورية مُعاد تقويمها، عبر حذف صفرين من العملة الحالية، بحيث تعادل الليرة الجديدة 100 ليرة قديمة، مع بدء الاستبدال الرسمي اعتباراً من 1 كانون الثاني 2026، وفق المرسوم رقم 293 لعام 2025. وبحسب التصريحات الرسمية، يهدف الإجراء إلى تبسيط التعاملات النقدية، وتخفيف الأعباء اللوجستية، واستعادة الثقة بالعملة بعد سنوات من التضخم الحاد.
إلا أن تجارب دولية وثّقها صندوق النقد الدولي تُظهر أن نجاح عمليات إعادة التقويم النقدي يرتبط بشروط صارمة، أبرزها الانضباط المالي، واستقلالية البنك المركزي، وتوافر احتياطيات نقدية كافية. وفي ظل إغلاق المصارف نهاية 2025 لتسليم السيولة إلى البنك المركزي، تبرز مخاوف من ارتباك سعري، أو موجة تضخمية جديدة، إذا ما أُسيء إدارة المرحلة الانتقالية، وهو ما يجعل العملة الجديدة اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على إدارة الثقة الاقتصادية، لا مجرد تغيير شكلي في النقد.
تكشف المؤشرات الاقتصادية أن سوريا الجديدة تقف عند تقاطع حساس بين فرصة تاريخية لإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي، ومخاطر بنيوية عميقة ورثتها عن سنوات الحرب والعقوبات. وبين رفع جزئي للعقوبات، ووعود استثمارية كبيرة، وديون ثقيلة، وفقر واسع، وإصلاح نقدي محفوف بالتحديات، يبقى السؤال المركزي: هل ستنجح السلطة الجديدة في تحويل التحولات السياسية إلى تحسّن اقتصادي ملموس في حياة السوريين؟
اقتصاد
سياسة
اقتصاد
سوريا محلي