سوريا: الفراغ السياسي يهدد بتداعيات خطيرة ويفتح الباب لنموذج إقليمي


هذا الخبر بعنوان "سوريا وغياب السياسة" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يرى مازن بلال أن الأحداث السياسية الجارية في سوريا ترسم صورة لتداعيات خطيرة تهدد الجغرافيا السورية. فالتظاهرات المناهضة للانتهاكات لا تقودها رؤية سياسية متكاملة، بل تتفاقم بفعل التوترات التي يثيرها التحريض والقتل الطائفي. وفي هذا السياق، تبدو مسألة الفيدرالية، رغم كونها حلاً منطقياً للحفاظ على المكونات السورية المتنوعة، خطيرة للغاية في ظل الغياب السياسي الواضح والحضور الطائفي المتزايد.
المشكلة الأساسية لا تكمن في الفيدرالية بحد ذاتها، وإنما في ظهورها وسط فراغ مركزي فاضح. إن البحث عن تشكيل سوري جديد في خضم هذا التوتر يحوّل غياب الساحل إلى حالة من "العزل" الجغرافي للداخل السوري بشكل عام. فالخلفية الجوهرية ليست في حالة "اللامركزية" سواء كانت إدارية أم سياسية، بل في كونها "حلاً" للحفاظ على كافة المكونات السورية التي بدت منذ بداية هذا العام ضمن علاقات متصادمة، وفي غياب "سياسات عامة" أو رؤية جديدة للدولة.
إن تصاعد التوتر الشعبي يجعل إبرام "العقد الاجتماعي" أكثر صعوبة. فالتأخير في بناء دولة للجميع يدفع الأمور نحو مسار يحمل تداعيات يصعب تلافيها، ويجعل الحديث عن وحدة الأراضي السورية، سواء كانت فيدرالية أو مركزية، مسألة نظرية يناقضها الواقع. فسوريا تواجه حالة جيوسياسية تدفع باتجاه البحث عن أدوار إقليمية لدرء مخاطر التوترات الداخلية.
عملياً، لا يمكن ترك العلاقات الداخلية في مساحة من المجهول. فقد عوض غياب السياسة رجال الدين من مختلف الطوائف، وأدى اعتماد مرجعيات دينية داخل المركز، في دمشق، إلى خلق فراغ على المستوى العام، وأوجد حالة غير مسبوقة في سوريا. تبدو "الرموز الدينية" هي ما تبقى داخل المشهد السياسي على المستوى الشعبي، مما يجعل "النموذج اللبناني" لما بعد الحرب الأهلية في السبعينيات مرشحاً للظهور في سوريا. وفي حال عادت السياسة مجدداً، فستجد نفسها أمام قيود تفرضها مرجعيات مختلفة.
هناك "نموذج إقليمي" يتم رسمه على المقاس السوري. الاختبار الحقيقي لكل التوترات التي عمت سوريا هو أن تبقى خارج الشكل النمطي الذي "حاصر" العراق بعد الاحتلال الأمريكي، أو قيد السياسة في لبنان بعد الحرب الأهلية. الصدام الحالي يقدم صورة للتسرع في إنتاج دولة بمقاس مختلف عن التاريخ السوري منذ الاستقلال. فإذا كانت الانتهاكات هي نقطة الانطلاق لما يحدث، فإن عزل السياسة في سوريا يؤدي، وسط تصاعد التظاهرات، إلى حالة من التعقيد ستفضي في النهاية إلى زيادة النفوذ الإقليمي، خاصة وأن الساحل السوري يشكل منفذ سوريا الوحيد باتجاه الغرب.
السؤال اليوم ليس ما إذا كانت "الفيدرالية" حلاً، بل هل يمكن استمرار التوتر الداخلي دون ازدياد النفوذين الإقليمي والدولي؟ وهل تستطيع المرجعيات الدينية في سوريا عموماً خلق جامع وطني عام؟ لقد باتت عودة الأحزاب السياسية مسألة أساسية لجمع السوريين، ولإيجاد عقد اجتماعي جديد يرسم المسار القادم، سواء كان فيدرالياً أو غيره من الحلول. فالصدام الداخلي لن ينتج استقراراً داخلياً، بل توازناً هشاً برعاية إقليمية أو دولية. لذا، على النخب السياسية التي تقف في ظل الحدث العودة لرسم مسار نوعي ومختلف لمستقبل سوريا.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة