إصلاح العملة في سوريا: حذف الأصفار كمدخل للاستقرار الاقتصادي والمالي


هذا الخبر بعنوان "من التجارب العالمية إلى سوريا.. تبديل العملة مدخل للإصلاح المالي والاقتصادي" نشر أولاً على موقع sana.sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أعلن مصرف سوريا المركزي عن إطلاق عملة جديدة تتضمن حذف صفرين من قيمتها الاسمية، مؤكداً أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء معزول أو طارئ، بل هي جزء لا يتجزأ من مسار إصلاحي اقتصادي متكامل. وقد شهد هذا النهج نجاحات ملحوظة في دول عدة مثل ألمانيا وفرنسا وتركيا، ويأتي تطبيقه في الحالة السورية متزامناً مع تحولات سياسية واقتصادية ومؤسساتية عميقة تشهدها البلاد منذ التحرير.
وفي هذا السياق، أوضح حاكم المصرف المركزي، عبد القادر الحصرية، أن إصدار العملة الجديدة يندرج ضمن برنامج إصلاحي شامل يهدف إلى ضبط السيولة النقدية وتعزيز الرقابة على النقد المتداول. ويهدف هذا البرنامج إلى تحقيق استقرار المعروض النقدي، وبالتالي تعزيز الثقة بالنظام المالي. وشدد الحصرية على أن هذه العملية لن تترك أي انعكاسات سلبية على المواطنين خلال فترة الانتقال بين العملتين القديمة والجديدة.
لماذا تلجأ الدول إلى حذف الأصفار من عملاتها؟
إن حذف الأصفار من العملة ليس ظاهرة استثنائية في تاريخ الاقتصاد العالمي، بل هو أداة استراتيجية تبنتها دول عديدة لمعالجة تداعيات التضخم واستعادة الثقة بنظامها النقدي. ففي عام 1960، أطلقت فرنسا "الفرنك الجديد" بعد حذف صفرين، وذلك ضمن خطة إصلاح اقتصادي واسعة أعادت الاستقرار النقدي ومهدت الطريق لنمو مستدام. وفي عام 2005، قامت تركيا بحذف ستة أصفار من عملتها بعد سنوات من التضخم المرتفع، لتدشن بذلك مرحلة "الليرة التركية الجديدة" في إطار برنامج إصلاحي شامل تضمن ضبط الموازنة وإصلاح النظام المصرفي وتحفيز الإنتاج. وقد سبقت هاتين التجربتين ألمانيا، التي أطلقت "المارك الألماني" في عام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية، في خطوة حاسمة أنهت الفوضى النقدية وأعادت الثقة بالاقتصاد، لتكون بذلك حجر الزاوية في انطلاقة التعافي الاقتصادي.
على النقيض من ذلك، أظهرت تجارب دول مثل الأرجنتين وفنزويلا وزيمبابوي أن حذف الأصفار قد يفشل إذا كان مجرد إجراء شكلي لا يرافقه إصلاح اقتصادي حقيقي أو ضبط للكتلة النقدية. وهذا ما يفسر تأكيد مصرف سوريا المركزي على أن العملية الحالية ليست طباعة لأموال إضافية، بل هي عملية استبدال منضبطة تندرج ضمن سياسة نقدية واضحة المعالم.
سوريا: ضبط الكتلة النقدية واستعادة السيطرة
يرى خبراء اقتصاديون أن عملية استبدال العملة في سوريا قد تسهم في عودة الأموال المخزنة أو المهربة في الخارج، مما يتيح للمصرف المركزي فرصة لإعادة ضبط السيولة النقدية. ويشترط لنجاح هذه الخطوة أن تترافق مع رقابة مصرفية صارمة وتوسيع منظومة الدفع الإلكتروني، وهو ما أكده الحصرية كجزء أساسي من استراتيجية المصرف.
ماذا يعني ذلك للمواطن؟
يؤكد المصرف المركزي أن عملية استبدال العملة ستكون مجانية بالكامل، دون فرض أي رسوم أو ضرائب. كما أنها لن تتضمن إلغاءً مفاجئاً للعملة القديمة، وستُحوّل الحسابات المصرفية تلقائياً، مما يبدد المخاوف بشأن خسارة المدخرات أو تراجع القوة الشرائية. ووفقاً للمصرف، فإن القيمة الحقيقية للعملة تتحدد بالسياسات الاقتصادية والانضباط المالي، وليس بشكل الورقة النقدية بحد ذاتها.
تكمن الأهمية الجوهرية لتجربة سوريا في أن حذف الأصفار يُطرح كجزء من تحول سياسي واقتصادي عميق، يهدف إلى الابتعاد عن سياسات النظام البائد التي أدت إلى تراكم التضخم وفقدان السوريين ثقتهم بعملتهم. وتُقدم العملة الجديدة كبداية لمسار إصلاحي طويل يتطلب استكماله بإصلاحات أوسع نطاقاً تشمل قطاعات الإنتاج والتجارة والنظام المصرفي والدفع الإلكتروني، على غرار ما حدث في الدول التي حققت نجاحاً في تجاربها المماثلة.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد