الفدرالية في سوريا: جدل متجدد على خلفية احتجاجات الساحل وحمص ومخاطر تهديد وحدة الدولة


هذا الخبر بعنوان "جدل الفدرالية يعود مع احتجاجات الساحل وحمص" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
عاد الجدل حول مستقبل شكل الدولة في سوريا ليحتل صدارة النقاشات، وذلك بالتزامن مع ظهور مطالبات بالفدرالية في محافظات اللاذقية وطرطوس ومدينة حمص، بالإضافة إلى مناطق من ريف حماة. هذه التحركات، التي شهدت رفع شعارات تنادي بالفدرالية إلى جانب مطالب سياسية وخدمية، أعادت فتح الباب واسعاً للنقاش حول المخاطر المحتملة لهذا الطرح، والفروقات الجوهرية بين مفهوم الفدرالية واللامركزية الإدارية، خاصة في بلد لا يزال يواجه تحديات جسيمة تتعلق بوحدة أراضيه وقراره الوطني بعد سنوات طويلة من الصراع.
في هذا السياق، يوضح الكاتب والباحث السياسي غازي دحمان، في تصريح خاص لمنصة سوريا 24، أن الفدرالية، من منظورها النظري وتجاربها العالمية، نشأت في الغالب كآلية لتوحيد كيانات أو أجزاء كانت منفصلة، مقدمةً حلاً عملياً لدمج مكونات متباينة ضمن إطار دولة موحدة. ويضيف دحمان أن هذا السياق لا ينطبق على الحالة السورية، التي لم تتشكل تاريخياً من اتحاد كيانات مستقلة، بل قامت كدولة موحدة تعرضت لاحقاً لمساعي تفكيك داخلية وخارجية.
ويحذر دحمان من أن طرح الفدرالية في سوريا، في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الراهنة، لا يمكن فصله عن الأهداف المعلنة لبعض الأطراف الفاعلة محلياً وإقليمياً، والتي تسعى إلى إقامة أقاليم منفصلة على أسس طائفية أو عرقية. ويشدد على أن الفدرالية، في هذا السياق بالذات، تتحول عملياً إلى خطوة أولى ضمن مسار التقسيم، حتى لو تم تسويقها تحت مسميات إدارية أو سياسية براقة.
ويضيف دحمان أن الفدرالية تُستخدم أحياناً كأداة للتحايل على الموقف الدولي الذي يرفض تقسيم سوريا بشكل صريح. فبدلاً من الإعلان المباشر عن مشاريع انفصالية، يتم اللجوء إلى الفدرالية كصيغة انتقالية، مما يمهد، بعد فترة وجيزة، لترسيخ واقع التقسيم على الأرض. ومع مرور الزمن، تتحول الفدرالية إلى حالة انفصال فعلي ونهائي، تحت ذرائع متعددة ومتجددة، غالباً ما تكون مبررة سياسياً، كحماية الأقليات أو ضمان الاستقرار أو إدارة الموارد، حسب تعبيره.
في المقابل، يميز دحمان بوضوح بين الفدرالية واللامركزية الإدارية والمحلية، معتبراً أن اللامركزية، إذا ما تأسست على أساس إقليمي وتنموي بعيداً عن الانتماءات الطائفية والعرقية، تمثل خياراً أكثر واقعية وجدوى لسوريا. ويشير إلى وجود نماذج ناجحة في هذا المجال بدول مركزية عريقة، مثل فرنسا، حيث تُمنح الأقاليم صلاحيات واسعة في التخطيط والتنفيذ على الصعيدين الخدمي والاقتصادي، مع احتفاظ الدولة المركزية بالسيادة والقرار السياسي والأمني. ويؤكد أن هذا النموذج يسهم في الحد من البيروقراطية، ويمنح الإدارات المحلية مرونة وفعالية أكبر في إنجاز المهام، مما ينعكس إيجاباً على حياة المواطنين ويخفف من أعباء المركز، دون تهديد وحدة الدولة أو فتح الباب أمام مشاريع انفصالية.
من جانبه، يوضح المحلل السياسي محمد صالح، وهو من أبناء الطائفة العلوية، في حديثه لمنصة سوريا 24، أن الفدرالية تمنح الأقاليم مستوى عالياً من الاستقلالية يتجاوز بكثير ما توفره اللامركزية الإدارية. ويلفت صالح إلى أن اللامركزية الإدارية منصوص عليها بالفعل في سوريا ضمن قانون الإدارة المحلية رقم 107، وإن كانت تحتاج إلى بعض التعديلات والتطويرات لتفعيلها بشكل كامل.
ويشرح صالح أن اللامركزية، بصيغتها المطورة، يمكن أن تتيح لكل بلدة أو مدينة انتخاب عمدة أو مجلس محلي خاص بها دون تدخل مباشر من السلطات المركزية، مع منح هذه المجالس صلاحيات حقيقية لإدارة مواردها المحلية. ووفق هذا النموذج، تستطيع الإدارات المحلية تمويل نفسها، والمساهمة في الخزينة المركزية من فائض مواردها، أو تلقي الدعم من المركز عند الحاجة، كل ذلك ضمن إطار وطني موحد.
ويحذر صالح من أن الفدرالية المطروحة حالياً في سوريا تعتمد، في جوهرها، على تقسيمات طائفية، كما هو الحال في الساحل والسويداء، أو عرقية كما في منطقة الجزيرة السورية. ورغم الإقرار بوجود تنوع سكاني في هذه المناطق، إلا أن هيمنة خطاب فدرالي تقوده قوى تمثل أغلبيات معينة يجعل خطر الانزلاق نحو التقسيم أمراً أكثر سهولة وواقعية، حسب قوله. ويضيف أن خطورة هذا الطرح لا تكمن في الفدرالية كنظرية سياسية فحسب، بل في كيفية تطبيقها على أرض الواقع السوري، حيث تتقاطع الهويات الدينية والعرقية مع مشاريع نفوذ إقليمية ودولية، مما يحول أي صيغة فدرالية إلى مدخل لصراعات طويلة الأمد.
سياسة
اقتصاد
سياسة
سوريا محلي