الليرة السورية تتهاوى أمام الدولار والذهب يرتفع: خبراء يحذرون من تداعيات تبديل العملة


هذا الخبر بعنوان "تراجع قيمة الليرة بالتزامن مع ارتفاع الذهب في سوريا" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهدت أسعار الذهب في سوريا ارتفاعًا ملحوظًا بعد ظهر يوم الثلاثاء، 30 من كانون الأول، حيث قفز سعر الغرام الواحد من عيار 21 قيراطًا بمقدار 20 ألف ليرة سورية مقارنة بسعر الصباح. وقد حددت جمعية الصاغة في نشرتها الثانية لهذا اليوم سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطًا بمليون و490 ألف ليرة للمبيع، ومليون و460 ألف ليرة للشراء، بعد أن كان قد سجل 1,470,000 ليرة سورية صباحًا.
تزامن هذا الارتفاع في أسعار الذهب مع تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث تراوح سعر الصرف بين 11,850 و 11,900 ليرة سورية في شركات الصرافة، وفقًا لما رصدته عنب بلدي عصر اليوم. في المقابل، حددت شركة المحروقات السورية سعر الدولار بـ 12,000 ليرة للبيع في الكازيات. ووفقًا لموقع الليرة اليوم، بلغت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي 11,960 لحظة كتابة التقرير.
يرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم أن الاقتصاد العالمي يشهد منذ أشهر موجة صعود لافتة في أسعار الذهب، تجاوزت فيها الأونصة عتبات تاريخية جديدة. ويؤكد السلوم أن هذا الارتفاع يأتي في ظل مزيج من الضغوط التضخمية وتراجع الثقة النسبية بالعملات الورقية الكبرى، ولا يمكن فصله عن ديناميكية الدولار الأمريكي نفسه.
ويوضح السلوم أنه كلما زادت التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية أو تعمقت الشكوك حول استدامة المديونية الأمريكية، يميل المستثمرون إلى إعادة موازنة محافظهم من الأصول الدولارية نحو الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا. وعلى النقيض، عندما يتماسك الدولار أو تزداد جاذبية عوائده، يتباطأ صعود الذهب أو يتعرض لتصحيحات مرحلية، لكنها لا تلغي الاتجاه الطويل الأجل الذي تعززه حالة اللايقين الجيوسياسي والمالي عالميًا.
ولفت الباحث إلى أن هذا المشهد الخارجي لا يبقى مجرد أرقام في نشرات الأسواق في اقتصاد هش كالحالة السورية، بل يتحول إلى عامل ضغط مباشر على العملة المحلية. ويبين أن ارتفاع الذهب عالميًا يعني عمليًا ارتفاع تكلفة التحوط الفردي داخل سوريا، حيث يلجأ المواطنون والتجار إلى تحويل مدخراتهم القليلة إلى ذهب أو دولار هربًا من تآكل القوة الشرائية لليرة. ويشدد السلوم على أنه مع كل موجة صعود جديدة في أسعار الذهب، يرتفع البعد النفسي لفقدان الثقة بالعملة الوطنية، فيتسارع الطلب على العملات الصعبة، ويتعمق الفارق بين السعرين الرسمي والموازي، لتدخل الليرة في حلقة تغذية راجعة سلبية يصعب كسرها بالأدوات النقدية التقليدية وحدها.
في سياق متصل، كشف الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، عن العملة السورية الجديدة التي تضمنت ست فئات، وذلك خلال حفل أقيم في قصر “المؤتمرات” بدمشق مساء الاثنين 29 من كانون الأول. وأكد الشرع أن مرحلة التحول “حساسة” و”دقيقة”، وأن أهم عامل فيها هو عدم حدوث حالة “فزع” بين الناس، وألا يسارعوا لرمي العملة القديمة واستبدالها بالجديدة، فكل من يحمل عملة قديمة سيتم استبدالها بالجديدة، ولذلك لا داعي للإلحاح على تبديلها لأن ذلك قد يضر بسعر صرف الليرة السورية.
وبحسب تعبير الشرع، ستسهل العملة الجديدة عمليات التداول في البيع والشراء وتقلل الاعتماد على الدولار، وتعزز الثقة بالاقتصاد على المدى الاستراتيجي. وصرح الشرع: “نحتاج إلى ثقافة جديدة في أثناء تبديل العملة بأن نجرّم عملية المضاربة الوهمية من قبل المنتفعين، ونوفر السيولة بشكل تدريجي لا يؤثر على حالة التضخم”. كما أشار إلى الحاجة لحالة من الهدوء في استبدال العملة، موضحًا أن المصرف المركزي سيعلن عن جدول زمني محدد لذلك.
وكان مصرف سوريا المركزي قد أعلن عن إطلاق الليرة السورية الجديدة مطلع كانون الثاني 2026، بعد حذف صفرين من العملة المتداولة، عقب إصدار الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسوم رقم “293” لعام 2025، القاضي باستبدال العملة الوطنية ومنح المصرف المركزي صلاحيات كاملة في تحديد آليات التطبيق وجدول الاستبدال وضخ الفئات الجديدة في الأسواق.
يتشابك هذا البعد الخارجي مع واقع سياسي داخلي شديد التعقيد، وفقًا للسلوم. فالاضطرابات الأمنية في بعض المناطق، وتعثر مسارات التفاهم بين الجهات المختلفة، كلها عوامل تعيد إنتاج صورة بلد لم يحسم بعد شكل استقراره السياسي النهائي. ويضيف السلوم أنه في مناخ كهذا، تصبح قرارات الاستثمار رهينة الترقب وانتظار وضوح المشهد، كالمشاريع المؤجلة، وخطوط الإنتاج المتوقفة عن التوسع، ورؤوس الأموال المهاجرة أو المترددة في العودة، كلها ترسل إشارة إضافية إلى سوق الصرف بأن المستقبل غير محسوم، ما يزيد الضغط على الليرة مقابل الدولار.
ويخلص السلوم إلى أن سعر صرف الليرة يبدو اليوم نتيجة تفاعل ثلاثي المستويات: تضخم خارجي يدفع الذهب صعودًا ويضعف الثقة بالعملات الورقية، ودولرة متنامية في الاقتصاد السوري تسعى لحماية المدخرات، وبيئة سياسية وأمنية غير مستقرة تؤجل تفعيل الاستثمارات المنتظرة. ويؤكد أنه في غياب مقاربة شاملة تربط الاستقرار النقدي بمسار إصلاح سياسي ومؤسسي حقيقي، سيبقى أي تحسن في سعر الصرف هشًا، معرضًا للاهتزاز مع كل موجة جديدة من القلق العالمي أو الاضطراب المحلي. ومن هذا المنظور، لا يتوقع السلوم أن يكون لإصدار أي عملة سورية جديدة، بحد ذاته، تأثير جوهري على سعر الصرف، ما دامت المحركات الأساسية للضعف النقدي، والمتمثلة في البيئة الاقتصادية الكلية والسياسية، لم تشهد تحولًا هيكليًا حقيقيًا.
تعيش الأسواق حالة ترقب مع طرح العملة السورية الجديدة وحذف صفرين منها، وهو ما ينعكس على سلوك الأفراد تجاه مدخراتهم، إذ قد يتم التوجه إلى البحث عن ملاذات تعتبر أكثر أمانًا، كالدولار الأمريكي. هذا السلوك الذي يتكرر عند كل تحول نقدي كبير، يعكس حجم القلق المتراكم نتيجة تجارب سابقة اتسمت بعدم الاستقرار النقدي وغياب الوضوح في السياسات الاقتصادية.
وبين مخاوف من انفجار تضخمي محتمل، وآمال بتحسن الثقة بالعملة المحلية، يفتح هذا التوجه بابًا للنقاش حول الآثار الاقتصادية لهذه الخطوة، ودور الحكومة والمصرف المركزي في إدارة المرحلة المقبلة. يعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مجدي الجاموس أن توجه الناس نحو الدولار سلوك مفهوم وطبيعي في ظل الظروف الحالية، مؤكدًا أن توقيت عملية تبديل العملة هو العامل الأهم في تحديد نتائجها.
وقال الخبير في حديث إلى عنب بلدي إن هذه العملية قد تؤدي إلى انفجار في معدلات التضخم، كما قد تفضي في المقابل إلى انخفاض أسعار الدولار في حال عززت الثقة بالعملة المحلية. لكن الناس، بحسب الجاموس، يفضلون “الملجأ الأكثر أمانًا”، وهو الدولار، لتجنب الخسائر المحتملة أو المغامرة بالحفاظ على مدخراتهم بالليرة السورية في مرحلة يحيط بها الكثير من عدم اليقين. وأضاف أن احتمالات التضخم المرتفع أو تحسن قيمة الليرة تبقى مفتوحة، لكن صغار المدخرين تحديدًا لا يرغبون في “القمار” بمدخراتهم، بحسب تعبيره.
ويتفاقم هذا القلق في ظل حالة اللغط المتوقعة خلال فترة تبديل العملة، خاصة مع وجود عدم استقرار أمني وسياسي، ما يدفع الناس، رغم أهمية العملية، إلى البحث عن وسيلة تحميهم من الصدمات المحتملة. ويتفق الباحث الاقتصادي محمد علبي مع الخبير مجدي الجاموس حول مخاوف الناس من تزعزع الأسعار عند تبديل العملة وحذف الصفرين، معتبرًا إياها مخاوف محقة ومفهومة، وليست مبالغًا فيها. ويعزو ذلك إلى أن التجربة النقدية السابقة في سوريا اتسمت بعدم الاستقرار وغياب الشفافية، ما يدفع الناس اليوم إلى التصرف بمنطق حماية مدخراتهم. ويرى أن طرح عملة جديدة من دون سياسة واضحة لسعر الصرف أو إطار نقدي معلن يجعل اللجوء إلى الدولار سلوكًا دفاعيًا طبيعيًا، وليس حالة هلع.
ولفت الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مجدي الجاموس إلى وجود كتل نقدية ضخمة مخزنة لدى الناس، تقدر بنحو 40 تريليون ليرة سورية، إضافة إلى أموال مزورة، قد تخرج إلى التداول دفعة واحدة خلال مرحلة تبديل العملة. هذا الخروج المتزامن، مع انخفاض الطلب على الليرة وتحول الناس إلى الدولار، قد يؤدي إلى زيادة عرض الليرة بشكل حاد، ما يرفع من احتمالات حدوث انفجار تضخمي، وهو ما يعبر الجاموس عن تخوفه الشديد منه. ويرى أن من المنطقي، في حال لم يتم ربط الليرة بعملة مستقرة، أن تنتظر الحكومة دعمًا نقديًا من دول شقيقة وصديقة للمساعدة في امتصاص فائض العرض من الليرة، وإعادة تفعيل دور المصرف المركزي كمتدخل أساسي لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد