المصرف المركزي السوري يطلق ليرة جديدة بضوابط صارمة: خبراء يحذرون ويقدمون توصيات لعبور اقتصادي آمن


هذا الخبر بعنوان "المصرف المركزي يقونن استبدال الليرة..وتوصيات لعبور آمن" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في خطوة نقدية تُعدّ من الأكثر حساسية منذ سنوات، أعلنت الحكومة السورية عن إطلاق نسخة جديدة من الليرة السورية، متضمنة حذف صفرين من قيمتها الاسمية. بالتزامن مع هذا الإعلان، فرضت السلطات النقدية إطارًا تنظيميًا صارمًا لإدارة عملية الاستبدال، وذلك عبر تعليمات تنفيذية ملزمة صادرة عن مصرف سورية المركزي. تهدف هذه الإجراءات إلى ضبط العملية بالكامل، ومنع أي اجتهادات فردية، أو تلاعب، أو استغلال قد يطرأ.
لتنفيذ عمليات الاستبدال، حدد المصرف 55 مؤسسة مالية معتمدة، تشمل مصارف عامة وخاصة، بالإضافة إلى شركات صرافة مرخصة. شدد المصرف على ضرورة التزام هذه الجهات التام بالتعليمات الصادرة عنه في جميع مراحل العملية، مؤكدًا أنها ستخضع لرقابته المباشرة. وحذر المصرف من أن أي مخالفة من جانب هذه المؤسسات ستعرضها للمساءلة القانونية، وقد تصل العقوبة إلى سحب الترخيص عند الاقتضاء.
من جانبها، أكدت الحكومة أن عملية استبدال العملة ستتم إدارتها مركزيًا، تحت الإشراف المباشر لمصرف سورية المركزي. ستُنفذ العملية عبر شبكة محددة من الجهات المعتمدة، ووفق جدول زمني تدريجي، بهدف ضمان انتقال سلس يجنب إرباك الأسواق أو المواطنين.
في سياق متصل، يرى الباحث الاقتصادي يونس الكريم، في تصريح لموقع سوريا 24، أن استبدال العملة يُعد إجراءً سياديًا طبيعيًا في مراحل التحول الاقتصادي. ومع ذلك، يؤكد أن حساسية هذا الإجراء لا تكمن في مبدئه، بل في توقيته وآلية تنفيذه. ويشدد الكريم على أن العملية قد تسفر عن نتائج عكسية إذا لم تُقترن بحزمة إصلاحات اقتصادية شاملة تعالج قضايا أساسية مثل التضخم، وتشوهات السوق، واختلال هيكل الأجور، وضعف الإنتاج. كما يحذر من أن السياسات النقدية الحالية تركز بشكل أكبر على امتصاص السيولة بدلًا من تحفيز النشاط الاقتصادي، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار وتقويض الثقة بالعملة الوطنية.
ويضيف يونس الكريم أن غياب الشفافية بشأن حجم الكتلة النقدية وآليات التنفيذ قد يسهم في رفض التعامل بالعملة الجديدة، وتعدد أنظمة التسعير، وظهور سوق سوداء موازية، بدلًا من تعزيز الثقة وتنظيم السوق.
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي زياد عربش أن استبدال العملة يمثل خطوة تنظيمية استراتيجية بالغة الحساسية، وتتطلب إدارة دقيقة وشفافية مطلقة. ويشدد عربش، في حديثه لموقع سوريا 24، على أن نجاح هذه العملية يعتمد على توافر جدول زمني واضح، وجاهزية تقنية عالية لدى المصارف ومراكز الصرافة، بالإضافة إلى إطلاق حملة توعية وطنية شاملة تشرح للمواطنين آلية الاستبدال وحقوقهم.
ويوضح زياد عربش أن حذف الأصفار لا يؤثر فعليًا في القوة الشرائية، لكنه قد يتسبب في ارتفاع طفيف بالأسعار نتيجة لعمليات التقريب والارتباك النفسي خلال الفترة الانتقالية. ويحذر من احتمالات الغش واستغلال ضعف المعرفة لدى بعض المواطنين، ومن الضغط المؤقت على السيولة، ما لم تُرافق العملية بإجراءات رقابية فعالة، وحماية حقيقية للودائع وحقوق المغتربين، وربط هذه الخطوة بإصلاحات اقتصادية وهيكلية أوسع لضمان استدامة الاستقرار النقدي.
من جانبه، يرى الدكتور معروف الخلف، مدير المعهد العالي لإدارة الأعمال، أن إصدار العملة الجديدة هو خطوة محاسبية تقنية تهدف إلى تسهيل التعاملات المالية وتقليل الكلفة التشغيلية. ومع ذلك، يؤكد أنها لا تُعد أداة مباشرة لتحقيق النمو الاقتصادي، الذي يتطلب سياسات أوسع نطاقًا تشمل جذب الاستثمارات، وتنشيط التجارة، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير النظام المصرفي، وتحفيز التحويلات المالية.
ويعتبر الدكتور معروف الخلف أن توقيت هذه الخطوة يعكس انتقال البلاد من مرحلة التعافي إلى مرحلة التنمية. لكنه يشدد على أن نجاحها يبقى مرهونًا بمدى جدية الدولة في تنفيذ إصلاحات أعمق على مستوى المالية العامة، وسوق العمل، والإنتاج، بحيث يصبح الاستقرار النقدي جزءًا لا يتجزأ من مسار اقتصادي متكامل، وليس مجرد إجراء معزول.
في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة في مصرف سورية المركزي لموقع سوريا 24 أن الهدف الأساسي من عملية استبدال العملة هو تسهيل التداول النقدي، وتخفيف كميات الأوراق النقدية المتداولة، وتحقيق قطيعة رمزية مع رموز النظام السابق. وتشدد المصادر على أن هذه الخطوة لن تمس حقوق المواطنين أو قيمة مدخراتهم، ولن تترتب عليها أي تبعات مالية إضافية على الأفراد أو المؤسسات.
وتوضح المصادر ذاتها أن العملية ليست إجراءً ماليًا يؤثر في القوة الشرائية، بل هي إجراء تقني محاسبي بحت يهدف إلى تنظيم التداول النقدي. وأشارت إلى أنها ستُنفذ تدريجيًا وعلى فترة زمنية كافية، مع استمرار تداول العملتين القديمة والجديدة بالتوازي، حيث ستتمتعان بالقوة الإبرائية نفسها.
تُظهر التجارب العالمية أن حذف الأصفار من العملات الوطنية يمكن أن يكون أداة فعالة، شريطة أن يقترن بإصلاح اقتصادي شامل. ففي دول مثل تركيا (عام 2005)، والبرازيل (عام 1994)، وبولندا (عام 1995)، جاءت هذه الخطوات ضمن برامج إصلاح واسعة تضمنت مكافحة التضخم، وتعزيز استقلالية المصارف المركزية، وتحفيز الاستثمار، مما ساعد في استقرار العملات الوطنية وتعزيز الثقة بها.
على النقيض، لم تُحقق دول أخرى مثل زيمبابوي، وفنزويلا، والأرجنتين، نتائج إيجابية تُذكر على الرغم من تكرار عمليات حذف الأصفار. ويعزى ذلك إلى استمرار الأزمات البنيوية، والعجز المالي المتفاقم، وفقدان الثقة بالسياسات النقدية، مما أدى إلى تضخم متجدد، وانتشار الدولرة، وتآكل مستمر في القوة الشرائية.
تُبرز هذه التجارب بوضوح أن تغيير العملة هو إجراء تقني بحت، ولا يمكن أن ينجح إلا إذا كان جزءًا لا يتجزأ من مسار اقتصادي إصلاحي متكامل.
ظهرت الليرة السورية لأول مرة عام 1919، في ظل فترة الانتداب الفرنسي، لتحل محل الليرة العثمانية. ارتبط إصدارها الأول بالبنك السوري في دمشق، قبل أن يتغير اسمه إلى "بنك سوريا ولبنان الكبير" عام 1924. استمر هذا البنك في إصدار "الليرة السورية – اللبنانية" حتى تم فصل العملتين في عام 1937.
بعد حصول سوريا على استقلالها، منح قانون النقد لعام 1950 الحكومة السورية الحق في إصدار العملة. ولهذه الغاية، أُنشئت "مؤسسة إصدار النقد السوري" لتتولى هذه المهمة، مدعومة بتغطية مالية قوية. وفي عام 1956، تأسس مصرف سوريا المركزي ليحل محل المؤسسة السابقة، ويتولى رسميًا إدارة السياسة النقدية وإصدار العملة.
من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس النظام النقدي السوري هو عزت طرابلسي، الذي كان أول حاكم لمصرف سوريا المركزي، واشتهر بدفاعه عن استقلال السياسة النقدية السورية خلال فترة الوحدة مع مصر. تعاقب بعده العديد من الخبراء على إدارة السياسة النقدية في ظل ظروف اقتصادية متغيرة، وصولًا إلى القرار الأخير بإصدار سلسلة جديدة من الليرة السورية بحلول عام 2026، وذلك في إطار حذف صفرين وتنظيم التداول النقدي.
سياسة
اقتصاد
صحة
اقتصاد