الثلاثاء, 5 أغسطس 2025 02:27 PM

أبها: اكتشف سحر "عروس الجنوب" السعودية وتاريخها العريق

أبها: اكتشف سحر "عروس الجنوب" السعودية وتاريخها العريق

في قلب الجنوب السعودي، تقف منطقة عسير شامخة، تحمل في طياتها ذاكرة سياحية نابضة بالحياة. نورة مروعي عسيري، المستشارة الإعلامية السياحية والمرشدة السياحية، تصف المنطقة بأنها كنز وطني لا يقدر بثمن، وذلك لما شهدته من تحولات وتجارب غنية.

من سفوح السودة التي يلفها الضباب، إلى أزقة حي ذرة العتيقة، مروراً بجبال الحبلة وشلالاتها المتدفقة، تحكي عسير فصولاً من الجمال والذكريات العطرة.

توضح نورة قائلة: "الكرم في عسير ليس وليد اللحظة، بل هو جزء أصيل من جذورها، يغذيه تضاريس المنطقة وتعززه عاداتها." وتضيف أن تنقل القوافل بين السهول والسواحل شتاءً، وصعودها إلى المرتفعات صيفًا، أوجد نمط حياة فريدًا يظهر في تفاصيل الثقافة العسيرية، حيث يتجلى المشهد بـ"برد عسير" الذي يشبه تاجاً مرصعاً بالبلور واللؤلؤ على رأس أميرة.

على جانبي الطرق، تتكشف حكاية أخرى. يعرض باعة الفاكهة الموسمية التين الشوكي – أو البرشومي – والعنب والرمان والتوت، في منظر يعكس خصوبة الأرض وكرم الطبيعة. وتنتشر رائحة خبز التنور من صنع الجدات، مع بصمة "القبضة" المميزة على الأرغفة.

وتشير نورة إلى أن التحول الكبير في السياحة في عسير بدأ مع إطلاق قافلة السياحة، وهي مبادرة أطلقها الأمير خالد الفيصل عندما كان أميرًا للمنطقة، مما أدى إلى مرحلة جديدة من الوعي بالإمكانات السياحية. من ساحة البحار إلى الساحة الشعبية، كانت الفرق الشعبية تقدم عروضها كفرسان في ميدان الحب، على أنغام التراث والفولكلور.

في عام 2017، تم اختيار أبها عاصمة للسياحة العربية، وهو ما وصفته عسيري بأنه تتويج لسنوات من التخطيط والعمل، وانطلاقة حقيقية مع رؤية السعودية 2030، التي أعادت تعريف السياحة كقطاع استراتيجي يشهد نموًا سريعًا وتحولًا نوعيًا.

وتؤكد نورة أن لقب "عروس الجنوب" ليس مجرد وصف شعري، بل يعكس حقيقة موقعها الجغرافي ومناخها المعتدل ومرتفعاتها الخضراء التي يلفها الضباب كل صباح. وتستشهد بأبيات الشاعر الدكتور إبراهيم أبو طالب:

أبها الجَميلةُ جَنَّةٌ في سِحْرِهَا وقَصيدةٌ نَشْوَى يَرِقُّ غِناها

قبل أن تصبح مدينة سياحية حديثة، كانت أبها مركزًا تاريخيًا وثقافيًا. فهي العاصمة الإدارية لمنطقة عسير، ومركز غني بالتراث المعماري، وشريك أساسي في بناء الدولة السعودية الحديثة، ومصدر للهوية الثقافية التي حافظت على تميزها عبر الأجيال.

ومن أبرز المعالم التي تجسد هذه الهوية، توضح نورة أن قلاع آل أبو نقطة المتحمي وحصونهم في طبب التاريخية، تمثل رمزًا تاريخيًا مهمًا. وقد كان اعتمادها ضمن قائمة مواقع منظمة السياحة العالمية (UNWTO) نقطة تحول في مسار السياحة في عسير، لما يمثله من اعتراف دولي بالتراث، وتحفيز للاستثمار، وتفعيل لدور المجتمع المحلي في الحفاظ على الموروث.

وتسلط نورة الضوء على فن القط العسيري كأحد أجمل جوانب الثقافة المحلية، مشيرة إلى أن هذا الفن الجداري، الذي تمارسه النساء في عسير بشكل عفوي ودون تعليم رسمي، يجسد روح المجتمع العسيري ويعبر عن الذوق الشعبي والوظيفة الاجتماعية في آن واحد. وتضيف أن إدراج القط العسيري ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو عام 2017 شكل اعترافًا عالميًا بأصالته، ويمكن رؤيته اليوم في المنازل القديمة والمتاحف والقرى التراثية وحتى الفنادق.

وترى نورة أن التغيير الأخير لم يقتصر على مظاهر السياحة فحسب، بل شمل الرؤية التي تتبناها القيادة السعودية، وما تقدمه وزارة السياحة وهيئة تطوير عسير من برامج ومبادرات، أبرزها برنامج تنمية رأس المال البشري السياحي، الذي يساهم في بناء قطاع احترافي بمعايير عالمية.

وتؤكد أن هذا التوجه تُوّج بالإعلان عن استضافة المملكة لكأس العالم 2034، واختيار مدينة أبها ضمن المدن الخمس المضيفة، وهو ما اعتبرته حدثًا سياحيًا بامتياز، لأنه سيجمع بين كرة القدم العالمية وطبيعة عسير الساحرة، لتكون وجهة لا تُنسى لعشاق كرة القدم من جميع أنحاء العالم.

"أبها ليست مجرد وجهة، إنها شعور. إنها المكان الذي تشعر فيه أنك وصلت إلى حيث ينتمي قلبك." بهذه العبارة تلخص نورة تجربتها كمرشدة، مؤكدة أن السائح قد يأسره جمال المشهد، ولكن ما يأسره حقًا هو قصة المكان، ومن مر به، ومن عاش فيه. "فعندما تقترن الصورة بالحكاية، تصبح الذكرى حية لا تُنسى، وهذه هي السياحة الحقيقية."

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: