الأربعاء, 22 أكتوبر 2025 01:27 AM

إحياء خط كركوك–بانياس: هل يعزز التكامل الاقتصادي بين العراق وسوريا؟

إحياء خط كركوك–بانياس: هل يعزز التكامل الاقتصادي بين العراق وسوريا؟

شبكة أخبار سوريا والعالم/ عاد إلى الواجهة مجددًا الحديث عن خط كركوك–بانياس النفطي، الذي يُعد من أهم مشاريع البنية التحتية للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد سنوات طويلة من التوقف والإهمال. هذا الخط، الذي تم إنشاؤه في خمسينيات القرن الماضي، كان بمثابة شريان اقتصادي حيوي يربط بين النفط العراقي وسواحل البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي السورية، وكان يتميز بقدرة ضخ تصل إلى 300 ألف برميل يوميًا.

على الرغم من توقفه التام في عام 2003 نتيجة للأضرار الكبيرة التي لحقت به خلال الغزو الأميركي للعراق، إلا أن ملف إعادة تشغيله قد عاد بقوة إلى دائرة النقاش، وذلك في ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي جعلت من أمن الطاقة أولوية استراتيجية قصوى.

بغداد ودمشق تبحثان إعادة تشغيل خط كركوك–بانياس

أعلنت الحكومة العراقية مؤخرًا عن بدء مشاورات فنية مع نظيرتها السورية بهدف بحث إعادة تأهيل خط كركوك–بانياس، الذي يمتد على طول 850 كيلومترًا. وأكد مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي، أن هذا المشروع يُنظر إليه كخيار استراتيجي مهم لتعزيز قدرة العراق على تنويع مسارات تصدير النفط وتحسين مستوى أمنه الطاقي.

ما الأسباب وراء عودة المشروع في هذا التوقيت؟

إن عودة الاهتمام بخط كركوك–بانياس ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتطورات كبيرة في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، وخاصة بعد الحرب في أوكرانيا التي أحدثت تغييرات جذرية في موازين الطاقة وأعادت تشكيل شبكات الإمداد بين الشرق والغرب. وقد بدأت العديد من الدول، بما في ذلك العراق، في النظر إلى خطوطها القديمة كأدوات مرنة لمواجهة اضطرابات الأسواق وتقلبات الأسعار.

في هذا السياق، فإن إعادة تفعيل هذا الخط لا تعتبر بديلًا للمسارات الحالية، بل هي جزء من استراتيجية تحوط جيو–اقتصادي تهدف إلى توفير بدائل متعددة لصادرات النفط، والحد من الاعتماد على مسارات محدودة قد تتأثر بالأزمات السياسية أو الأمنية.

سوريا: استعادة للدور الجغرافي ومصدر دخل محتمل

بالنسبة إلى دمشق، يمثل هذا المشروع أكثر من مجرد خط نفطي؛ إنه يمثل محاولة لإعادة تفعيل "اقتصاد العبور" الذي كان يشكل أحد أهم مصادر الدخل للاقتصاد السوري قبل اندلاع الحرب. فمن خلال موقعها الاستراتيجي، يمكن لسوريا أن تتحول من مجرد هامش جغرافي إلى مركز لوجستي يربط منطقة الخليج بالبحر الأبيض المتوسط، ويستقطب مشاريع استثمارية في قطاعات الطاقة والنقل.

ويرى الخبراء أن هذا المشروع يمكن أن يساهم في تعزيز مكانة سوريا الإقليمية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحقيق إيرادات كبيرة من رسوم العبور والخدمات اللوجستية، خاصة في ظل حاجة البلاد الماسة إلى مشاريع تنموية طويلة الأجل.

تحديات سياسية وقانونية تواجه المشروع

على الرغم من النظرة الإيجابية الظاهرة تجاه هذا المشروع، إلا أن تنفيذه يواجه العديد من العوائق القانونية والمؤسسية، وذلك بحسب دراسة صادرة عن معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، والتي أشارت إلى أن غياب الشفافية في عقود النفط داخل سوريا يعتبر من أبرز التحديات. كما أن إعادة تشغيل هذا الخط تتطلب استثمارات ضخمة لإعادة التأهيل، وذلك في ظل بيئة أمنية غير مستقرة في بعض المناطق.

تكامل إقليمي بدلًا من الاصطفاف السياسي

يرى المحللون أن التعاون بين بغداد ودمشق في هذا المشروع يعكس تحولًا في السياسة العراقية تجاه سوريا، يقوم على البراغماتية الاقتصادية بدلًا من الانحيازات السياسية. فالعراق يعتبر استقرار سوريا جزءًا لا يتجزأ من أمنه الوطني، ويسعى إلى تطوير علاقات اقتصادية متوازنة تشمل ضبط الحدود ومشاريع الطاقة المشتركة.

الاقتصاد التبادلي: مفهوم جديد لدور سوريا في الإقليم

بحسب الباحث الاقتصادي جابر الكرمي، فإن إعادة تفعيل خط كركوك–بانياس يمثل نموذجًا لما يسمى بـ "الاقتصاد التبادلي"، الذي لا يعتمد فقط على الإنتاج بل على تقديم الخدمات العابرة مثل العبور والتخزين والنقل. ويضيف أن هذا التوجه يمكن أن يكون حجر أساس لإعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس واقعية تستند إلى الجغرافيا كبنية إنتاجية.

الرأسمال الجغرافي: تحويل الموقع إلى أصل اقتصادي

تمتلك سوريا ما يسميه البعض بـ "رأسمال الجغرافيا"، أي القيمة الكامنة في موقعها الجغرافي المتميز بين قارتي آسيا وأوروبا، ومنطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط. ومن خلال إعادة تفعيل خطوط النقل والطاقة، يمكن لهذا الموقع أن يتحول إلى أصل اقتصادي طويل الأمد، شريطة وجود مؤسسات قادرة على إدارة الموارد واستقطاب الاستثمارات الأجنبية في بيئة قانونية شفافة.

خطوط الطاقة كأدوات دبلوماسية

توضح الخبرة العالمية أن خطوط الأنابيب ليست مجرد مشاريع اقتصادية، بل هي أدوات لإعادة صياغة العلاقات السياسية. فكما شكل خط "باكو–تبليسي–جيهان" في منطقة القوقاز، ومشروع "إيست مِد" في شرق البحر الأبيض المتوسط، محاور استراتيجية، فإن خط كركوك–بانياس قد يصبح منصة إقليمية للتعاون بدلًا من التنافس.

مشروع بعيد، لكن ممكن التحقيق

في الختام، فإن إحياء خط كركوك–بانياس ليس مشروعًا قريب التنفيذ، ولكنه لم يعد مستبعدًا أيضًا. فمجرد عودته إلى النقاش الرسمي يعكس تغييرًا في تفكير صناع القرار في كل من العراق وسوريا، واستعدادًا لمرحلة من التكامل الاقتصادي الإقليمي قد تعيد رسم ملامح منطقة الشرق الأوسط خلال العقود القادمة.

تلفزيون سوريا

مشاركة المقال: