شكّل الاعتراف الذي أدلى به عنصر من الأمن العام بارتكابه جريمة قتل في مدينة تلكلخ صدمة في الشارع السوري، إذ قدّم دليلاً لا يمكن دحضه على تورط عناصر من الجهاز الأمني بجرائم انتقام، خلافاً للصورة التي سعت السلطات الانتقالية إلى تصديرها عن هذا الجهاز، باعتباره مختلفاً في أدائه عن الفصائل أو منتسبي الجيش الجديد. لكن الاعتراف الصادم فجّر أيضاً سيلاً من التساؤلات بشأن مسار العدالة الانتقالية، وتأثير تأخر انطلاقه على انتشار جرائم الانتقام والثأر.
وفي مقطع فيديو نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان، الأحد، قال حسين نعيمي إنه أقدم على قتل شخص يُدعى أسامة، لأنه كان قناصاً على أحد الحواجز وسبق له أن قتل عمه ورفيقه. وزعم أنه تقدّم خلال الشهرين الماضيين بشكاوى عدة إلى السلطات ضد "الشبيح"، لكن من دون جدوى، فقرر أن يأخذ حقه بيده. وهدّد في الفيديو بأن "أي شخص قتل أو أخطأ بحق أهالي تلكلخ فهو هدف لي"، مشيراً إلى وجود شباب آخرين معه.
وفي لفتة ذات دلالة، شدد على أنه "تحت سقف الدولة، لكن دولة الأمويين، دولة دمشق، لا دولة تلكلخ لأنها قائمة على الفساد"، بحسب تعبيره. اعتراف نعيمي بجريمة القتل وتهديده بارتكاب المزيد من الجرائم بحق من وصفهم بـ"الشبيحة"، أثارا صدمة كبيرة، وأطلقا جدلاً واسعاً بشأن العدالة الانتقالية، ومدى أحقية المتضررين من النظام السابق في تحصيل حقوقهم بعيداً عن مؤسسات الدولة.
تداعيات خطيرة… والسلطة مسؤولة
ويقول ميشال الشماس، عضو جمعية خليل معتوق لحقوق الإنسان، في تصريح لـ"النهار"، إن "فيديو الاعتراف يعكس خطورة الوضع الناتج عن عدم تطبيق العدالة الانتقالية"، مشيراً إلى أن "عمليات الانتقام خارج القانون تطمس حقيقة الجرائم التي ارتكبت في عهد النظام السابق، وتُضيّع أدلتها أيضاً". ويحذر الشماس من خطر انزلاق البلاد إلى دوامة من العنف والعنف المضاد، مشدداً على أن "الخفّة والسطحية في التعامل مع ملف المتهمين بارتكاب جرائم تؤكد غياب الجدية، وافتقاد الخبرة، وازدراءً لأرواح الضحايا وذويهم، وتغذيةً لروح الانتقام".
ويدعو إلى الإسراع في إطلاق مسار العدالة الانتقالية لما له من أهمية في تهدئة النفوس وحفظ السلم الأهلي، محمّلاً السلطة القائمة "مسؤولية انتشار أعمال الانتقام بسبب صمتها وتقصيرها، وعدم تشكيلها هيئة عدالة انتقالية". ويوضح الشماس أن التأخر في إطلاق المسار يعود جزئياً إلى "خوف بعض المسؤولين الحاليين من أن تطالهم يد العدالة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى وجود عوائق قانونية، أبرزها الحاجة إلى إصدار قوانين جديدة وتعديل أخرى، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل غياب مجلس تشريعي في سوريا حتى اليوم.
تهديد لصورة الأمن العام
من جهته، يرى الخبير القانوني المعتصم الكيلاني أن ما حدث في تلكلخ "كان متوقعاً، لأن غياب العدالة يخلق فراغاً تملؤه مشاعر الظلم والغضب الشخصي". ويضيف، في حديث إلى "النهار"، أن خطورة اعتراف نعيمي تكمن في أنه "يهدم الصورة التي تُسوّق للأمن العام بوصفه ضامناً للاستقرار وحامياً للمواطنين"، مضيفاً: "بل يكشف أن داخل المؤسسات الأمنية نفسها عناصر محبطة ومتضررة ومستعدة لارتكاب العنف إذا شعرت بالخذلان، وهو أمر بالغ الخطورة على مصداقية الدولة".
ويشير إلى أن وجود عناصر أمنية متضررة يمثل ظاهرة خطيرة، لأن المسألة قد تبدأ بحالات فردية، لكن استمرارها دون معالجة قد يبرر أعمال انتقام عشوائية تحت شعار "تحقيق العدالة"، ما يضفي "غطاءً قانونياً زائفاً" على هذه الجرائم. ويؤكد الكيلاني أن السبيل الوحيد لتفادي التداعيات الخطيرة لانتشار الانتقام هو إطلاق عملية عدالة انتقالية حقيقية، وفق معايير دولية شفافة، مشدداً على أهمية وجود رقابة دولية مستقلة لضمان نزاهة العملية.