الأحد, 9 نوفمبر 2025 09:34 PM

الاتحاد الأوروبي يواجه التطرف الرقمي: استراتيجيات الحوكمة والأمن والتشريع

الاتحاد الأوروبي يواجه التطرف الرقمي: استراتيجيات الحوكمة والأمن والتشريع

شبكة أخبار سوريا والعالم/ في ظل التطورات الأمنية والتكنولوجية المتسارعة، يواجه الاتحاد الأوروبي في عام 2025 تحديًا كبيرًا يتمثل في تصاعد التطرف الرقمي، الذي أصبح مصدر تهديد للأمن المجتمعي والسيبراني. لم يعد التطرف مقتصرًا على الواقع، بل انتقل إلى الفضاء الإلكتروني، مستفيدًا من الانفتاح المعلوماتي وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لإعادة إنتاج خطاب الكراهية والتحريض بأشكال جديدة ومؤثرة.

هذا الملف الموسع يتناول ثلاث دراسات رئيسية تحت عنوان "محاربة التطرف في الاتحاد الأوروبي – الحوكمة الرقمية ومقاربات أمنية وتشريعية"، ويسلط الضوء على أبعاد الظاهرة وأدوات مواجهتها.

الدراسة الأولى: التطرف في أوروبا على الإنترنت

تتناول الدراسة الأولى، "التطرف في أوروبا على الإنترنت: من يدير الخطاب المتطرف ولماذا؟"، التحول البنيوي في مشهد التطرف الرقمي، مع التركيز على الفاعلين الجدد الذين يديرون الخطاب المتطرف، سواء كانوا جماعات منظمة أو أفرادًا مستقلين يستخدمون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لنشر سرديات أيديولوجية تستهدف فئات محددة في المجتمعات الأوروبية.

الدراسة الثانية: سياسات الاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف على الإنترنت

تبحث الدراسة الثانية، "محاربة التطرف على الإنترنت – سياسات الاتحاد الأوروبي"، في مقاربة الاتحاد الأوروبي متعددة القطاعات لمواجهة الظاهرة، من خلال التنسيق بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات الرقمية والجهات التشريعية والمجتمعية، مما يعكس رؤية أوروبية شاملة تقوم على الوقاية والتعاون.

الدراسة الثالثة: التشريعات والتدابير الأوروبية لمكافحة التطرف الرقمي

تستعرض الدراسة الثالثة، "محاربة التطرف الرقمي داخل الاتحاد الأوروبي ـ التشريعات والتدابير"، الإطار القانوني والتنظيمي الأوروبي، مثل الخدمات الرقمية (DSA)، إلى جانب آليات التنفيذ الوطنية والممارسات المبتكرة لمكافحة المحتوى المتطرف عبر الإنترنت.

يهدف هذا الملف إلى تقديم قراءة تحليلية معمقة لمدى فاعلية المقاربة الأوروبية في ضبط الفضاء الرقمي والحد من توظيفه في نشر التطرف، مع إبراز التحديات المستقبلية التي قد تواجه الاتحاد الأوروبي في موازنة الأمن مع حرية التعبير والخصوصية الرقمية.

1 ـ التطرف في أوروبا على الإنترنت: من يدير الخطاب المتطرف ولماذا؟

تشهد أوروبا في عام 2025 تحولًا جذريًا في طبيعة التهديدات المتطرفة على شبكة الإنترنت. لم تعد الظاهرة تقتصر على الجماعات التي تتبنى العنف المباشر، بل اتسع نطاقها ليشمل حركات أيديولوجية وشبكات غير عنيفة تسهم في خلق بيئة فكرية تغذي الكراهية والانقسام. وقد ساهمت التطورات التقنية المتسارعة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي التوليدي، في تغيير معادلة الدعاية والتجنيد ونشر السرديات المتطرفة داخل القارة الأوروبية.

تُظهر بيانات تقرير الإرهاب الأوروبي (TE-SAT 2025) الصادر عن اليوروبول أن التطرف العنيف في أوروبا بات يتخذ أشكالًا متباينة: بين التهديدات "الجهادية"، وتصاعد اليمين المتطرف، وعودة النزعات الانفصالية في بعض المناطق، وظهور ما يمكن تسميته بـ"التطرف الهوياتي" القائم على الدفاع عن القومية البيضاء أو رفض الهجرة. بالمقابل، يتطور أيضًا ما يمكن تسميته بـ"التطرف غير العنيف"، القائم على إنتاج بيئة فكرية مشحونة بالكراهية والتمييز وتغذية الانقسامات الاجتماعية، من دون التحريض المباشر على العنف.

اللافت أن كل نوع من هذه التيارات يعتمد على بيئات رقمية مختلفة: "الجهاديون" يفضلون القنوات المغلقة ومنصات التراسل المشفر مثل "تليغرام" و"سيغنال"، بينما ينشط اليمين المتطرف على شبكات مفتوحة مثل "X" (تويتر سابقًا) ومنتديات فرعية مثل "chan" و"8kun"، فضلًا عن قنوات الفيديو القصير مثل "تيك توك" و"ريلز" التي تسهّل الترويج السريع لمقاطع مشحونة.

إدارة المحتوى المتطرف في الفضاء الرقمي الأوروبي لم تعد مقتصرة على تنظيمات كبيرة مثل "داعش" أو "القاعدة" أو الشبكات اليمينية المنظمة، بل اتسعت لتشمل أطرافًا متنوعة تتوزع أدوارها على مستويات مختلفة.

تستخدم الجماعات المتطرفة بيانات المستخدمين ومجموعات الاهتمام لتحليل سلوكهم عبر أدوات تحليل مفتوحة، وتستغل خوارزميات التوصية لاستهداف الأفراد ذوي الهشاشة النفسية أو العزلة الاجتماعية. وتُظهر دراسة لمركز (ICCT) الهولندي أن المحتوى المتطرف الموجّه عبر الفيديوهات القصيرة حقق نسب تفاعل تتجاوز 200% مقارنة بالمحتوى النصي التقليدي.

نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) أصبحت أداة رئيسية لإنتاج نصوص وخطب دعائية وصياغة منشورات ومناظرات وهمية. تقارير استخباراتية بريطانية حديثة حذّرت من استخدام نماذج مفتوحة المصدر لتوليد منشورات متطرفة بلغات محلية (الفرنسية، الألمانية، البولندية)، ما يقلل الحاجة إلى كتاب محترفين داخل التنظيمات.

يستخدم المتطرفون برامج (text-to-video وdeepfake) لإنتاج مقاطع تُظهر "قادة" يتحدثون بلغات مختلفة أو يعقدون اجتماعات وهمية. وقد رصدت الوكالة الأوروبية للأمن السيبراني (ENISA) في تقريرها لعام 2025 أكثر من 2500 مقطع دعائي تم إنتاجه باستخدام تقنيات التزييف العميق ونُشر على الإنترنت خلال عام واحد فقط.

تشير دراسات صادرة عن المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GIFCT) إلى تصاعد استخدام برامج الدردشة الآلية (Chatbots) من قبل جماعات متطرفة تعمل على مواقع الألعاب والشبكات الاجتماعية.

التمويل عبر العملات المشفرة (مثل بيتكوين ومونيرو) أصبح وسيلة مفضلة لتمويل الأنشطة الرقمية من دون رقابة مصرفية. وقد حذرت وحدة مكافحة غسل الأموال الأوروبية (AMLD) من استخدام منصات التمويل الجماعي المشبوهة لدعم حملات إعلامية متطرفة تحت ستار "التبرع للقضايا الإنسانية".

أدى صعود المحتوى المولَّد بالذكاء الاصطناعي إلى إرباك عمليات الرصد والاستخبارات، حيث أصبح من الصعب التحقق من هوية المنتجين الحقيقيين للمحتوى، نتيجة لسهولة إنتاج مواد مزيفة يصعب تمييزها عن الأصلية.

رغم التحديات التقنية والتنظيمية المعقدة، اتخذ الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة عدة خطوات استراتيجية لمواجهة الظاهرة. فقد أقر قانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي فرض على المنصات الكبرى مسؤولية قانونية لإزالة المحتوى المتطرف خلال ساعة واحدة فقط من التبليغ، وهو ما يمثل تحولًا في مقاربة الرقابة الرقمية.

يتطلب تعزيز المواجهة الأوروبية لمخاطر المحتوى المتطرف والمضلل تطوير القدرات التحليلية في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال إنشاء مركز أوروبي مختص برصد استغلال التقنية في الدعاية المتطرفة.

2 ـ محاربة التطرف على الإنترنت: سياسات الاتحاد الأوروبي

يشكّل الاتحاد الأوروبي شبكة مؤسساتية متكاملة تهدف إلى محاربة التطرف على الإنترنت من خلال مقاربة متعددة القطاعات. يشمل هذا الجهد التنسيق الأمني، وبناء القدرات والمبادرات الوقائية، وإدارة السياسات الرقمية، ودعم البنية التقنية المتقدمة للمنصات الرقمية.

يوروبول (Europol) تُعتبر الذراع الرئيسي للاتحاد الأوروبي في مكافحة التطرف والإرهاب على الإنترنت، إذ تهدف الوكالة إلى تنسيق التعاون الأمني بين الدول الأعضاء، وجمع البيانات الاستخباراتية، وتقديم الدعم الفني في التحقيقات العابرة للحدود.

يُعتبر المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب (ECTC) ووحدة الإحالة على الإنترنت (EU IRU) حلقة وصل استراتيجية بين الدول الأعضاء، إذ يركز على تنسيق تبادل المعلومات وتحليل البيانات المتعلقة بالتهديدات الإرهابية.

تلعب المفوضية الأوروبية دورًا حاسمًا في وضع الأطر التشريعية والسياسات الرقمية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، حيث تضع من خلال قوانين مثل (TerReg) وقانون الخدمات الرقمية (DSA) المعايير القانونية للتعامل مع المحتوى المتطرف على الإنترنت، وتنسق السياسات بين الدول الأعضاء.

يلعب المجلس الأوروبي ولجنة (LIBE) في البرلمان الأوروبي دورًا محوريًا في التنظيم القانوني والسياسي لمكافحة التطرف الرقمي داخل الاتحاد. فهما مسؤولان عن صياغة التشريعات وتقديم التوجيهات ومراقبة تنفيذ السياسات على مستوى الدول الأعضاء، مع الحرص على التوازن بين مكافحة التطرف وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير.

الوكالة الأوروبية للأمن السيبراني (ENISA) تقدم الدعم الفني والأدوات التقنية لحماية المنصات الرقمية من المحتوى الضار والهجمات السيبرانية، كما تساهم في تطوير أنظمة الكشف عن (deepfakes) والتحليل التنبؤي لسلوكيات الجماعات المتطرفة على الإنترنت.

تشكل شبكة الوعي بالتطرف (RAN) أحد أبرز المبادرات الأوروبية، إذ تجمع ممارسين وأكاديميين وخبراء من المجتمع المدني لتبادل أفضل الممارسات في الوقاية من التطرف، وتركز على التدخل المبكر، وبرامج الاندماج الاجتماعي، والتعليم الرقمي لتعزيز مقاومة الشباب للرسائل المتطرفة.

يتحقق التكامل الأوروبي في مكافحة التطرف الرقمي من خلال توزيع الأدوار بين مؤسسات الاتحاد المختلفة، حيث توفر يوروبول والمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب (ECTC) تحليلات استراتيجية مبنية على بيانات وطنية ودولية تساعد في تحديد التهديدات الرقمية بسرعة.

تواجه أوروبا رغم هذا الإطار المتكامل، عدة ثغرات وتحديات. فهناك تفاوت وطني في مستوى الموارد والتطبيق القانوني بين الدول الأعضاء، مما يخلق فجوات في مراقبة المحتوى الرقمي المتطرف.

3 ـ محاربة التطرف الرقمي على الإنترنت داخل الاتحاد الأوروبي: التشريعات والتدابير

يشهد الاتحاد الأوروبي جهودًا متسارعة لمكافحة التطرف الرقمي عبر الإنترنت، مرتكز على مزيج من الأدوات التشريعية المتقدمة، وآليات التنفيذ، والتدابير الوطنية المكمّلة. وتعمل الدول الأعضاء بالتوازي مع المنصات الرقمية والشركات التقنية لضمان إزالة المحتوى المتطرف بسرعة وفعالية، مع مراقبة الشبكات المالية المرتبطة بالأنشطة الإرهابية، والتركيز على الوقاية المجتمعية ومكافحة التمويل الرقمي المرتبط بالأنشطة المتطرفة.

تشمل الأطر القانونية الرئيسية Regulation (EU) 2021/784 المعروف بـ(TerReg)، وقانون الخدمات الرقمية Digital Services Act (DSA)، بالإضافة إلى التزامات حماية البيانات والخصوصية وفق GDPR.

يشكّل تنظيم (TerReg) حجر الزاوية في التشريعات الأوروبية الخاصة بمكافحة نشر المحتوى المتطرف عبر الإنترنت. وقد صدر هذا التنظيم في عام 2021 بهدف حماية المواطنين الأوروبيين من المواد الرقمية المتطرفة وغير القانونية المنتشرة على المنصات الإلكترونية.

تلعب وحدة الإحالة الأوروبية للإنترنت دورًا محوريًا في تنفيذ هذه التشريعات، إذ تعمل على رصد المحتوى المتطرف وإحالته إلى المنصات الرقمية لإزالته أو تقييده، مما يضمن استجابة موحّدة وسريعة على مستوى دول الاتحاد في مواجهة التطرف الرقمي.

يشكّل قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act) خطوة مكمّلة لتنظيم (TerReg)، إذ يهدف إلى تحديث الإطار الرقابي للمنصات الكبرى وتعزيز مسؤوليتها في مراقبة المحتوى الخطير على الإنترنت.

يعد النظام العام لحماية البيانات (GDPR) الإطار القانوني الأهم في أوروبا فيما يتعلق بجمع وتحليل بيانات المستخدمين ومراقبة سلوكهم الرقمي.

تكمل التشريعات الوطنية القواعد الأوروبية من خلال سنّ قوانين محلية تحدد الجرائم الإلكترونية ذات الصلة بالإرهاب، بما في ذلك التحريض على العنف والتجنيد الرقمي.

تتبنى ألمانيا مقاربة شاملة ترتكز على التكامل بين الشرطة الاتحادية والمنصات الرقمية ووكالة (Europol).

تركز فرنسا على إيجاد توازن دقيق بين الأمن والحريات الفردية. وقد شددت القوانين الفرنسية العقوبات على التحريض عبر الإنترنت، وأقامت وحدات متخصصة لمتابعة المحتوى المتطرف، خصوصًا على منصات التواصل الاجتماعي.

تعتمد هولندا على نهج الوقاية المجتمعية والتدريب المهني لمكافحة التطرف الرقمي.

تركز النمسا وبلجيكا على التعاون الوثيق مع وحدة الإحالة الأوروبية (EU IRU)، عبر إنشاء وحدات وطنية متخصصة لرصد المحتوى المتطرف.

تتمثل التحديات التقنية والتنظيمية في عدة جوانب مترابطة، إذ إن تطور الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق (deepfakes) يزيد من صعوبة الكشف عن المحتوى المتطرف بدقة، مما يعقّد جهود الرصد والمراقبة.

ينبغي أن يتم العمل على تطوير نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي قادرة على مقاومة تقنيات التزييف العميق (deepfakes) وتحليل المحتوى متعدد الوسائط، بما يشمل الصور والفيديوهات والنصوص، بهدف تعزيز دقة الكشف عن المحتوى المتطرف أو المضلل والحد من انتشاره.

إعداد مناهج تعليمية تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي والمناعة المعرفية لدى الشباب ضد الرسائل المضللة والمحتوى المتطرف المنتشر عبر الإنترنت.

وضع بروتوكولات مشتركة لتحديد المحتوى المولَّد آليًا باستخدام الذكاء الاصطناعي، بما يسهل على الجهات المعنية التمييز بين المحتوى الحقيقي والمزيف.

توفير آليات التمويل والدعم الوقائي من خلال تخصيص تمويلات أوروبية لدعم برامج الوقاية والحملات الرقمية الرامية إلى رفع الوعي الرقمي وتعزيز الأمن السيبراني المجتمعي.

تطوير قدرات الاستجابة الوطنية من خلال عمل الدول الأعضاء على إنشاء وحدات إحالة وطنية قادرة على التنسيق الفوري مع وحدة الإحالة الأوروبية (EU IRU)، لضمان سرعة التعامل مع التهديدات الرقمية العابرة للحدود.

مشاركة المقال: