في محاولة لمواجهة العزوف الانتخابي المتزايد، نظمت السلطات الجزائرية "القمة الوطنية للشباب والمشاركة السياسية" في العاصمة الجزائر، بحضور حوالي 4000 شاب وشابة من مختلف الولايات. تأتي هذه القمة في ظل قلق رسمي بشأن استمرار العزوف الانتخابي، على الرغم من إنشاء مؤسستين دستوريتين في عام 2020، وهما المجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني، اللتين كانت السلطة تعول عليهما لتعزيز دور الشباب في الحياة العامة.
يرى مراقبون أن العزوف السياسي يعود إلى محدودية انفتاح الأحزاب السياسية على الشباب وفقدان الثقة في العمل السياسي.
أحمد شريف داود، عضو المجلس الوطني لحزب جبهة المستقبل، يؤكد أن عزوف الشباب ظاهرة عالمية، مشيراً إلى أن الجزائر تحاول سد الفجوة بين الشباب والسياسة، معتبراً القمة خطوة إيجابية من حيث المبدأ، رغم الانتقادات المتعلقة بظروف التحضير ونوعية الحضور والنقاش. ويرى داود أن اللجوء إلى أسماء ومنظمات مرتبطة بالنظام السابق أضعف مصداقية القمة، مشيراً إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون رفع شعار دعم الشباب منذ انتخابه، وحرص على تمكينهم من مناصب تنفيذية، بما في ذلك التوزير.
كما لفت داود إلى أهمية التعديلات القانونية التي فرضت تمثيلاً شبابياً بنسبة 40% ضمن القوائم الانتخابية، مما ساهم في بروز طبقة شابة في المجالس المحلية والوطنية. ومع ذلك، يعترف داود بأن الحكم على نجاح هذه الخطوات لا يزال مبكراً، بسبب حداثة التجربة لدى معظم الشباب المنتخبين، مشيراً إلى أن بعض الأحزاب تمكنت من إشراك شباب في هياكلها القيادية، إلا أن فئة واسعة من الشباب لا تزال تنظر بريبة إلى هذا الانفتاح.
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر عبد الحق بن سعدي أن عزوف الشباب لا يمكن فهمه إلا ضمن إشكالية أوسع تتعلق ببيئة العمل السياسي ككل، منتقداً الخطابات التي تتعامل مع الشباب كفئة معزولة. ويضيف بن سعدي أن الحديث عن استقطاب فئة معينة يخفي اختلالات فكرية وسياسية، ويجعل الخطاب الرسمي حول الشباب أقرب إلى التمييز الفئوي، مشيراً إلى أن تنظيم قمة كهذه يعكس رؤية محدودة لا ترقى إلى مستوى التحديات الحقيقية.
ويعتبر بن سعدي أن هذه الرسائل لا تصل إلا إلى الشباب المحسوبين على التيار الموالي للسلطة، فيما المستقلون والمعارضون يواجهون صعوبات حقيقية إذا أرادوا الانخراط، وهو ما يطرح إشكالية قديمة متجددة تتعلق بمدى احترام البعد الديموقراطي في الحياة السياسية الجزائرية.
ويرى بن سعدي أن أي تقييم موضوعي لمثل هذه الأنشطة لا يكتمل من دون مراجعة شروط الممارسة السياسية وأداء المؤسسات الحزبية، مشدداً على أن الشباب لا يحتاج فقط إلى فرص للتمثيل، بل إلى أداء فعلي يجعلهم مقتنعين بالعمل السياسي كأداة لخدمة المجتمع. وينتقد بن سعدي الاختلالات في فلسفة استمالة الشباب، معتبراً أن استراتيجية السلطة الحالية تفتقر إلى العمق، وتبقى محدودة النتائج والفعالية. ويختم بالقول إن أي محاولة لجذب الشباب إلى السياسة لن تنجح ما لم تترافق مع مراجعة حقيقية لأساليب العمل السياسي، وإعادة بناء الثقة من خلال إصلاحات شاملة تمس البيئة السياسية والحزبية والانتخابية ككل.