الأحد, 5 أكتوبر 2025 08:28 PM

الخلية المشتركة: آلية أمريكية جديدة لمواجهة تحديات مخيم الهول وإعادة المحتجزين

الخلية المشتركة: آلية أمريكية جديدة لمواجهة تحديات مخيم الهول وإعادة المحتجزين

عنب بلدي – أمير حقوق - أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، عن تشكيل "خلية مشتركة لإعادة المحتجزين/الأشخاص" (Joint Repatriation Cell) في شمال شرقي سوريا، بهدف تسهيل عودة المحتجزين في مخيم "الهول" والمخيمات المحيطة إلى أوطانهم. ودعا كوبر الدول إلى التعاون في هذه الجهود، مؤكدًا على أهمية تسريع عودة المعتقلين والنازحين إلى بلدانهم الأصلية. وقد تم الإعلان عن هذه المبادرة خلال مؤتمر رفيع المستوى للأمم المتحدة في نيويورك، والذي خُصص لمناقشة أوضاع مخيم "الهول" والمراكز المحيطة.

يثير تشكيل "الخلية المشتركة" تساؤلات حول قدرتها على حل مشكلة احتجاز الآلاف داخل المخيمات، ومنع عودتهم إلى أوطانهم من قبل حكوماتهم. كما يطرح إمكانية أن تكون هذه الخطوة بداية لسحب ورقة استخدمتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) لسنوات، بهدف الحصول على الدعم السياسي والعسكري.

قضية "أمن دولي"

يعكس إنشاء "خلية مشتركة" إدراكًا أمريكيًا لخطورة الوضع في مخيم "الهول" ومراكز الاحتجاز الأخرى، حيث تحولت هذه المواقع إلى بؤر توتر أمني وإنساني. ويحمل الإعلان بعدًا سياسيًا، إذ يوحي بأن واشنطن تحاول حث المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته تجاه هذا الملف، وعدم ترك العبء على عاتق "قسد" أو القوات الأمريكية فقط.

يوضح الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد أن إعلان القيادة المركزية الأمريكية عن تشكيل "خلية" خاصة بمخيم "الهول" والمخيمات المحيطة، يشير إلى أن الملف بات يُعامل كقضية أمن قومي دولي، وهناك سعي جدي لحله. ويرى الأحمد أن واشنطن تعتبر ترك المخيم دون معالجة نهائية خطرًا مستمرًا، سواء من ناحية تجدد نشاط تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو من ناحية تفاقم الأزمة الإنسانية، لذلك تحاول بناء إطار منظم يجمع الدول المعنية على طاولة واحدة.

بعد إعلان التحالف الدولي بقيادة واشنطن الانتصار على تنظيم "الدولة" في آذار 2019، تركزت المخاوف في مخيم "الهول"، الذي يضم الآلاف من عائلات وذوي التنظيم، وفقًا للمحلل السياسي حسن النيفي. ويرى النيفي أن الخشية تكمن في أن يصبح المخيم ملاذًا لتنامي أفكار التنظيم، و"تفريخ" المزيد من أنصاره ومؤيديه، وهذا ما دفع لتشكيل "الخلية المشتركة".

يعتبر النيفي دعوة قائد القيادة المركزية الأمريكية لإنشاء "الخلية" المشار إليها جزءًا من الجهود الأمريكية للانتهاء من ملف تنظيم "الدولة". ويرى كوبر أن المخيم يشكل خطرًا على المجتمع الدولي لأنه "موئل لتناسل الأفكار الإرهابية". ويعتقد النيفي أنه في حال الاستجابة للدعوة، فسيكون هناك تنسيق مع الحكومة السورية أولًا، وربما مع تركيا أيضًا، إلا أن نجاح هذه المبادرة يبقى معلقًا على استجابة الدول للدعوة الأمريكية الجديدة.

للمرة الأولى.. طرح آلية دولية

تكمن أهمية "الخلية المشتركة" في أنها قد تتحول إلى منصة لتنسيق الجهود بين أطراف دولية ومحلية، مما قد يؤدي إلى تحركات دولية لحل قضية المحتجزين والنازحين، خاصة أنها تضمن آلية تنسيق دولي. ويعتقد الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد أن الأهمية تكمن في أنها المرة الأولى التي يتم فيها طرح آلية دولية متخصصة لمعالجة هذا الملف، بدل تركه بيد "قسد" وحدها أو للدول بشكل منفرد.

قد تتضمن آلية التنسيق تبادل قواعد البيانات عن المحتجزين، وترتيب قنوات اتصال دبلوماسية لتسريع الاستجابة، وتنظيم آليات قانونية لتسليم واستلام الموقوفين، وحتى التفاهم على ترتيبات أمنية خلال عمليات النقل، مما يقلل من التسييس والبطء اللذين عطّلا معالجة الملف لسنوات، وفقًا لما قاله الأحمد.

خارطة تطبيق "الخلية"

يرى الباحث سامر الأحمد أنه لكي تكون "الخلية" فعالة، يجب أن تضع خطة زمنية واضحة لإعادة دفعات محددة كل فترة، مع رقابة قانونية وأمنية دولية حتى لا تتحول العملية إلى ترحيل عشوائي. ومن المهم أيضًا أن تتضمن الآلية مسؤولية مباشرة للدول في استقبال رعاياها، وإطلاق برامج لإعادة التأهيل، مع ضرورة الشفافية مع الإعلام والسكان المحليين، لأن كل تأخير ينعكس توترًا أمنيًا على المنطقة.

يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن الحل الأمثل هو قيام الدول التي ينتمي إليها سكان مخيم "الهول" باستعادة مواطنيها، إلا أن الدول المعنية لا ترغب باستعادة أشخاص يحملون أفكارًا إرهابية، مما أدى إلى ظهور أزمة مخيم "الهول".

دور محوري لدمشق

يرى خبراء سياسيون أن حكومة دمشق يمكن أن تستثمر الملف لإعادة تأكيد سيادتها على الأرض، وتظهر بمظهر الشريك الدولي في مكافحة الإرهاب. ويعتقد الباحث سامر الأحمد أن الحكومة السورية ستسعى إلى أن تكون جزءًا أساسيًا من هذه "الخلية"، باعتبارها الحكومة الشرعية المعترف بها، وخاصة بعد زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى نيويورك، وزيارة الأدميرال كوبر إلى دمشق. ويشير إلى أن تسلم السجون وحل قضية مخيم "الهول" يمنح دمشق دورًا مباشرًا في الملف، وسيُستخدم ذلك لتحسين صورتها دوليًا وإبراز نفسها كشريك مسؤول في محاربة الإرهاب.

تفتح الحوار

يرجح الباحث سامر الأحمد أن "الخلية" قد تفتح مساحة لتنسيق غير مباشر بين دمشق و"قسد" برعاية أمريكية ودولية، خاصة أن وجودها يربط الطرفين بملف مشترك لا يمكن لأي منهما تجاهله. ويرى الأحمد أن هذا قد يدفع "الإدارة الذاتية" للانخراط في تسريع تطبيق اتفاقية 10 من آذار مع الحكومة السورية ولو بحدها الأدنى، بحكم أن أي حل لمخيم "الهول" أو للمعتقلين لا يمكن أن يتم بمعزل عن الطرفين.

"مطالب معقدة"

طالبت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا بأن تصاحب عملية الاستعادة بمحاكمات "عادلة وشفافة" لمقاتلي التنظيم في أراضيها. ويرى الباحث سامر الأحمد أن هذا المطلب مشروع من وجهة نظر "الإدارة الذاتية"، لكنه معقد وغير منطقي لأنها لا شرعية لها في الوقت الراهن. ويقترح الأحمد إنشاء محكمة خاصة بالتعاون بين التحالف الدولي والحكومة السورية، مع إيجاد حل نهائي لقضية "الهول" ومعتقلي التنظيم. ويرى أن "الخلية" قد تُضعف قدرة "الإدارة الذاتية" على استخدام المخيم كأداة ضغط سياسي أو تفاوضي، لأنه سيصبح تحت إشراف دولي مباشر.

بدوره، يرى المحلل حسن النيفي أن مطالبة "قسد" بمحاسبة المحتجزين على أراضيها قبل مغادرتهم هي ورقة مطروحة للاستثمار فحسب، متسائلًا عن سبب عدم محاسبتهم سابقًا. ويمثل مخيم "الهول" ملفًا سياسيًا أساسيًا بين حكومة دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إذ تعتبره الأخيرة ورقة رابحة في يدها، فيما تشير التفاهمات والتطورات بين دمشق وقوى إقليمية ودولية إلى إمكانية سحب الورقة من يد "قسد".

مشاركة المقال: