الأربعاء, 6 أغسطس 2025 04:50 PM

الذكاء الاصطناعي في مصر: تحديات وفرص لإعادة تعريف التعليم

الذكاء الاصطناعي في مصر: تحديات وفرص لإعادة تعريف التعليم

في عصر تتوافر فيه المعرفة بشكل غير مسبوق، يبرز سؤال "ما هو التعليم؟" بأهمية أكبر من سؤال "كيف نُعلّم؟". هذا التحول ليس مجرد ترف فكري، بل هو استجابة للتغيرات الجذرية التي تحدثها تقنيات الذكاء الاصطناعي في طريقة تفكيرنا وتعلمنا وإنتاجنا. فإذا كانت المدرسة قد احتكرت دور وعاء المعرفة وناقلها لقرون، فإن الذكاء الاصطناعي، بقدراته الهائلة في التحليل والتوليد والتخصيص، يعيد توزيع الأدوار ويفرض علينا إعادة صياغة المفهوم الأساسي للتعليم.

في هذا السياق، وفي مقابلة مع "النهار"، تحدث الدكتور وسام محمد إبراهيم، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية – جامعة الإسكندرية، وخبير التدريب الدولي في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطبيقات الواقع المعزز، عن مكانة الذكاء الاصطناعي في فلسفة التعليم المصرية، ودور المعلم، ومدى استعداد المؤسسات التعليمية، والمستقبل الذي ينتظرنا إذا أحسنا الاستعداد له.

يرى الدكتور وسام أن الذكاء الاصطناعي لا يمثل تهديدًا للتعليم في جوهره، ولكنه يكشف عن ضعف بعض المسلمات التي اعتدنا عليها. ففلسفة المناهج القائمة على الحفظ والاسترجاع تصبح غير منطقية في عصر يستطيع فيه أي طالب الحصول على المعلومة في ثوانٍ. لكن التحدي الحقيقي ليس في توفر المعلومة، بل في كيفية استخدامها. فالذكاء الاصطناعي، كما يوضح، "لا يهدم ما بنيناه، بل يدفعنا إلى مراجعة ما اعتبرناه قواعد ثابتة، دون أن نجرؤ على سؤال: لماذا نُعلّم هذا؟ ولمن؟ وكيف؟".

من هذا المنطلق، لا يعتبر وسام الذكاء الاصطناعي تهديدًا للهوية التعليمية، بل فرصة استثنائية لتجديدها. فالخطر الحقيقي لا يكمن في التقنية نفسها، بل في رفض التعامل معها أو التمسك بماضٍ لم يعد مناسبًا. وإذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة تربوية بشكل صحيح، فإنه يمكن – بل يجب – أن يخدم القيم والثقافة المحلية، بدلًا من أن يذيبها في عولمة بلا هوية. وهذا لن يتحقق إلا إذا أعدنا النظر بشكل جذري في ما نُعلّمه وفي طرق التدريس.

وعندما سُئل عن المهارات الأساسية التي يجب أن تكون جوهر المناهج في هذا العصر، أكد أن التفكير النقدي أصبح ضرورة ملحة. فالآلة قادرة على جمع البيانات وتحليلها، لكنها لا تستطيع الحكم على صحتها أو أخلاقيتها. وهنا يبرز دور الإنسان، باعتباره كائنًا أخلاقيًا قادرًا على التفكير، وليس مجرد معالج للمعلومات. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد مقبولًا الحديث عن تعليم منفصل عن المهارات الرقمية، ليس فقط من حيث الاستخدام التقني، بل من حيث الفهم العميق لكيفية عمل الأنظمة الذكية والتفاعل معها بوعي، وهو ما يعرف اليوم بـ"هندسة التوجيه" أو Prompt Engineering.

ويؤكد الدكتور وسام أن التعلم المستمر لم يعد رفاهية بل ضرورة حتمية، لأن المعرفة أصبحت متغيرة، وما يتعلمه الطالب اليوم قد يصبح قديمًا غدًا. لذا، يجب تنمية عقلية قادرة على التكيف، تبحث وتسأل وتراجع نفسها باستمرار. ويضيف: "نحن لا نحتاج إلى طالب يحفظ فقط، بل إلى إنسان شغوف بالتعلم، مستعد لإعادة ابتكار ذاته كلما دعت الحاجة".

وعن وضع المؤسسات التعليمية في مصر، يقول إن الاستعداد لا يزال متفاوتًا. فهناك مؤسسات جامعية ومدارس خاصة بدأت تستثمر في إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في الممارسات التربوية، لكنها تظل استثناءً وليس القاعدة. في المقابل، لا تزال نسبة كبيرة من المؤسسات تُدار بعقلية تقليدية لا تدرك حجم التحول الذي يشهده التعليم اليوم. ويؤكد أن ما ينقصنا ليس الإمكانات التقنية بالضرورة، بل الإرادة والرؤية الواضحة، والتدريب الحقيقي للمعلمين، والتحديث الجاد للمحتوى التعليمي.

أما عن دور المعلم في هذا النظام الجديد، فيرفض الدكتور وسام فكرة أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل المعلم. بل على العكس، يرى أن دوره أصبح أكثر أهمية، وإن كان مختلفًا جوهريًا. لم يعد المطلوب من المعلم أن يكون ناقلًا للمعلومة، فذلك أصبح من وظائف المنصات والروبوتات. بل أصبح دوره أن يكون مرشدًا فكريًا، يعلم طلابه كيف يتعاملون مع المعلومة، وكيف يحللونها، وكيف يتأملونها ويعيدون بناءها في سياقات جديدة. ويشبه دوره بدور "المايسترو"، الذي لا يعزف بمفرده، بل ينسق أداء مجموعة متنوعة من العازفين، داخل فصل يعتمد على التفاعل لا الإملاء.

من هنا، تأتي أهمية التحول نحو نماذج تعليمية أكثر ديناميكية، مثل التعلم النشط، والتعلم الذاتي المنظم، والفصل المعكوس، وكلها مقاربات تعتمد على جعل الطالب شريكًا فاعلًا في عملية التعلم، وليس مجرد متلق سلبي.

في نهاية هذا الحوار، يتضح أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد محطة تقنية، بل لحظة تربوية فاصلة تجبرنا على إعادة اكتشاف ذواتنا التعليمية. هو ليس عدوًا لهويتنا، ولكنه قد يصبح كذلك إذا اخترنا أن نتجاهله أو نواجهه بجمود فكري. أما إذا أحسنا توظيفه، فسيكون أداة قوية لإعادة تشكيل تعليم يستجيب للعصر دون أن يتخلى عن جوهره.

واختتم حديثه إلى "النهار" قائلًا: "لسنا بحاجة إلى تعليم جديد بالاسم، بل إلى وعي جديد بالتعليم... وعلينا أن نبدأ الآن، لا حين يفوت الأوان".

مشاركة المقال: