دمشق – نورث برس
من دمشق إلى الحسكة ودير الزور، ومن كوباني إلى إدلب، اضطر الآلاف من السوريين إلى النزوح وترك ديارهم منذ بداية الحرب، فرارًا من تنظيم "داعش"، أو الاعتقال، أو الأوضاع الاقتصادية المتردية. يعيش هؤلاء اليوم في دول مثل ألمانيا وهولندا والسويد والنمسا وبريطانيا وكندا وسويسرا. على الرغم من اختلاف تجاربهم ومسارات هجرتهم، إلا أن آراءهم تتفق حول ثلاث قضايا رئيسية: الوضع الأمني والاقتصادي في سوريا، إمكانية العودة، والمصادر التي يعتمدون عليها للحصول على الأخبار حول بلدهم.
تواصلت نورث برس مع عدد من السوريين في الخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال شبكة مراسليها، لرصد وجهات نظرهم حول العودة إلى سوريا وتقييمهم للأوضاع الراهنة. وفيما يلي أبرز ما جاء في هذه اللقاءات:
الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا
محمد الحجار، من دمشق، والذي غادرها في عام 2022 بعد الإفراج عنه من المعتقل، يرى أنه على الرغم من التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية والاقتصادية بعد سقوط النظام، إلا أن الخوف من الاعتقال والانتقام لا يزال قائماً. ويصف الحجار، المقيم في ألمانيا، الاقتصاد السوري بأنه "مشلول"، مع ندرة فرص العمل وارتفاع الأسعار. أما سامر حمود، الذي سافر من حلب إلى السويد في عام 2015، فيتحدث عن الدمار الذي لحق بمدينته نتيجة القصف والحصار. وتؤكد نور حسون، التي هاجرت من إدلب إلى ألمانيا، أن العودة صعبة للغاية بسبب تدمير المنازل وغياب البنية التحتية. ويتفق كلاهما على أن الوضع الأمني هش والاقتصاد يعاني، وأن أي تحسن طفيف لا يغير من حقيقة أن البلاد لم تعد كما كانت.
رسلان، من ريف دمشق، والذي غادر سوريا في عام 2016 بعد اعتقال شقيقه وتعذيبه، يصف الوضع الحالي من ألمانيا بأنه "غير مستقر"، لكنه يأمل في أن يتمكن من المشاركة في إعادة بناء سوريا في المستقبل. وتتفق النساء أيضًا مع هذه الشهادات. كولي حسن، من القامشلي، والمقيمة في إقليم كردستان العراق منذ ثماني سنوات، تصف الوضع المعيشي في سوريا بأنه "صعب جدًا"، والأمني "لا يسمح بالعيش بأمان". وتوضح همرين علي، التي استقرت في سويسرا منذ عشر سنوات مع زوجها وطفليها، أن الفقر ينتشر في سوريا والأسعار ترتفع باستمرار.
في كوباني، يسترجع جميل مشو (44 عامًا) اللحظات الصعبة في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم "داعش" مدينته، ويصفها بأنها "مرحلة انهيار كامل للحياة اليومية"، حيث تحولت المدينة إلى ساحة معارك ودمار واسع، وتعرضت حياة السكان للخطر. نزح مشو مع عائلته إلى تركيا، وهناك تابع المعارك ضد "داعش"، قبل أن يقرر الرحيل إلى أوروبا. واليوم، وبعد سنوات من الاستقرار في هولندا، يرى مشو أن "الأوضاع الاقتصادية سيئة جدًا" نتيجة سنوات الحرب الطويلة وانهيار العملة وتفشي الفقر، وأن الوضع الأمني لا يبعث على الاطمئنان بسبب استمرار الصراعات الطائفية وتهديدات تركيا والفصائل التابعة لها. بدأ مشو حياة جديدة في هولندا، وتعلم اللغة واندماج في المجتمع، ويعمل منذ أربع سنوات في استقبال طلبات اللجوء والترجمة، فيما تعلم أطفاله اللغة الجديدة واندماجوا في المدارس، مما يجعل فكرة العودة إلى سوريا صعبة للغاية.
ويروي مروان عثمان (47 عامًا) كيف دفعه "داعش" إلى مغادرة كوباني في عام 2014، والسفر إلى ألمانيا. واليوم يصف وضع المناطق الكردية بأنه "مستقر نسبيًا لكنه هش"، مع استمرار الخوف، ويضيف أن الاقتصاد "صعب جدًا"، حيث يعيش أكثر من نصف الشعب تحت خط الفقر، وأن انهيار التعليم والصحة والخدمات يجعل تحسين الوضع الاقتصادي أمرًا بعيد المنال. ويوضح عبدالله الخالد، من دير الزور، والذي غادرها في عام 2014 إثر دخول "داعش" وارتكاب المجازر، أن الوضع "أفضل من السابق نوعًا ما"، لكنه يحتاج وقتًا طويلاً كي تتعافى الدولة بعد 14 عامًا من الحرب. أما علي الإبراهيم من مدينة الميادين في دير الزور، فقد غادر عام 2017 بعد سيطرة النظام السابق والقوات الروسية على مدينته، ويقول إن البلاد "تتجه نحو التعافي" لكنه يشترط تحسن الأمن والاقتصاد معًا.
يصف الإعلامي محمود التمر الأمن بأنه "فوضوي" مع وجود "خلايا نائمة للتنظيمات"، بينما الاقتصاد "خانق" مع غلاء الأسعار وانعدام فرص العمل. وفي ألمانيا، يصف الصحفي وهاج عزام (27 عامًا) الوضع الاقتصادي بأنه لم يتغير جذريًا رغم الاستثمارات "الوهمية"، بينما الأمن "كارثي"، مع اعتقالات تعسفية وحالات انتقامية بين المحافظات. علاء محمد (35 عامًا) الذي غادر دمشق في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية، يرى أن الوضع أفضل من فترة النظام السابق لكنه يحتاج وقتًا طويلاً. أما يارا إسماعيل (37 عامًا)، ممرضة غادرت سوريا عام 2014، فتقول إن الأمن "سيئ" رغم أن الاقتصاد "جيد"، بينما عبد الهادي دعاس (28 عامًا) المقيم في الإمارات، غادر دمشق عام 2021 هربًا من الأوضاع الاقتصادية والخدمة العسكرية، يبدي تفاؤلاً حذراً، في حين يعتقد هيثم عثمان (25 عامًا)، الذي غادر إلى ألمانيا في 2024 لتجنب الخدمة العسكرية والأوضاع الاقتصادية المتردية، أن الأمن أسوأ مما كان، حتى لو تحسّن الاقتصاد قليلاً. ومن الحسكة، يروي جهاد عيسى شيخموس (54 عامًا) كيف خرج عام 1996 إلى ألمانيا بسبب الضيق الاقتصادي، ويرى أن الأوضاع اليوم "صعبة" ولا تسمح بالعيش. رامي عيسى (29 عامًا)، ناشط معارض سابق من الحسكة، غادر سوريا عام 2019 بسبب تهديدات أمنية، ويصف الأمن بأنه "مزري" والاقتصاد "أفضل نسبياً"، لكن التفكك الجغرافي يمنع أي استقرار. ماجد اليوسف (30 عامًا) يرفض فكرة العودة بسبب الفوارق الكبيرة في الحريات والرواتب بين أوروبا وسوريا. بينما بلقيس عباس (40 عامًا)، أم لثلاثة أطفال من رأس العين/ سري كانيه، هاجرت عام 2013 بعد هجوم "داعش"، ترى أن الأمن الآن في سوريا غير مستقر والاقتصاد منهار. عدنان مجول (50 عامًا) من تل تمر في الحسكة ويقيم حالياً في ألمانيا، يلخص الوضع بالقول: "الوضع الأمني متدهور والاقتصاد صعب جداً".
فكرة العودة إلى سوريا
يؤكد غالبية السوريين الذين تحدثوا لنورث برس أن الظروف الحالية في سوريا "لا تسمح بالعودة". يشير جميل مشو إلى أن اندماج أطفاله في هولندا وعمله المستقر هناك يجعل العودة بعيدة المنال. يرى مروان عثمان أن هشاشة الأمن وانهيار الخدمات يحبطان أي مشروع للعودة. يرفض ماجد اليوسف العودة بسبب فجوة الحريات والدخل. تؤكد جفين حسن من كندا أن العودة مستحيلة حالياً، لكنها تتابع الأحداث عبر فيس بوك. مع ذلك، بعضهم لا يزال يحتفظ بأمل محدود. يحلم رسلان بالمساهمة في إعادة بناء بلده، ويعتقد علي الإبراهيم أن التحسن ممكن إذا تلازم الأمن مع التعافي الاقتصادي، في حين يواجه آخرون الواقع بقدر من التفاؤل الحذر، مثل عبد الهادي دعاس، مقابل تشاؤم نسبي من شباب مثل هيثم عثمان.
مصادر الأخبار.. نافذة السوريين على وطنهم
تعكس طرق متابعة الأخبار لدى النازحين تعقيد المشهد السوري. يعتمد جميل مشو على وسائل إعلام متنوعة مثل القنوات التلفزيونية الكردية والعربية والهولندية، إضافة إلى صفحات صحفيين موثوقين على فيس بوك. يتابع إبراهيم سنجار (55 عامًا) الأخبار عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما يعتمد مروان عثمان على "وكالات الأنباء والصحفيين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي". يصف هادي بدرخان (43 عامًا) أسلوبه بأنه يعتمد على "القنوات الإخبارية والتواصل مع أصدقائه عبر واتس آب"، فيما يكتفي بوزان محمود (29 عامًا) بمتابعة الأخبار عبر صفحات إخبارية على فيس بوك. ويضيف خضر محمد (49 عامًا): "معلوماتي عن الوضع هنا تعتمد على واتس آب وفيس بوك، لأن الأحداث تتغير بسرعة، وأحتاج مصادر متجددة".
لدى النساء طرق متعددة للحصول على الأخبار. تقول كولي حسن: "أتابع أخبار سوريا عبر فيس بوك وواتس آب"، بينما تعتمد نور محمد علي على "صحفيين وناشطين على فيس بوك وتويتر، بالإضافة للإعلام السوري الجديد الأكثر شفافية". تتابع جفان قاسو المقيمة في ألمانيا منذ 11 عامًا الأخبار عبر فيس بوك والتلفزيون، وتعتمد روجين حسن على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية، أما جفين حسن فتتابع الأحداث عبر فيس بوك. وبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، صار السوريون أكثر حرصاً في متابعة الأخبار. يعتمد مالك خلوف العلاو (34 عامًا) على "وسائل التواصل الاجتماعي وكلام الأقارب في سوريا"، وهاج عزام (27 عامًا) على "وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر خاصة وموثوقة. ويستقي علاء محمد (35 عامًا) معلوماته من "فيس بوك، قنوات الجزيرة والعربية، بالإضافة إلى الأهل والأصدقاء"، بينما يارا إسماعيل (37 عامًا) تقول إنها تعتمد "بنسبة 90% على فيس بوك، والباقي على قنوات مثل الجزيرة والإخبارية السورية". حتى الإعلامي عبد الهادي دعاس (28 عامًا) يعتمد على "المصادر الرسمية ووكالات الأنباء مثل سكاي نيوز وCNN وCNBC"، فيما المهندس هيثم عثمان (25 عامًا) يعتمد على "فيس بوك ويوتيوب، إضافة إلى قنوات متخصصة". ويواصل جهاد عيسى شيخموس (54 عامًا) يواصل متابعة الأخبار عبر فيس بوك والتلفاز والتواصل مع أقاربه، فيما يعتمد رامي عيسى وماجد اليوسف على شبكة أصدقاء في الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
إحصائيات
واستناداً إلى شهادات أكثر من خمسين سورياً تم رصدها في هذا التقرير، يمكن القول إن الغالبية العظمى ترى أن الأوضاع في سوريا اليوم لا تزال صعبة ومعقدة. فقد وصف نحو 80% من المصرحين الوضع الأمني بأنه "غير مستقر" أو "هش"، فيما اعتبر حوالي 85% أن الأوضاع الاقتصادية "سيئة جداً" أو "صعبة"، مع غلاء الأسعار وتراجع فرص العمل وانهيار قيمة العملة، في حين لاحظت نسبة صغيرة تحسناً محدوداً أو استقراراً نسبيًا في بعض المناطق.
وبالنسبة لفكرة العودة والاستقرار في سوريا، شدد أكثر من 70% على أن العودة صعبة أو غير ممكنة حالياً بسبب تداعيات الغربة على الأطفال والمدارس والحياة الجديدة في دول اللجوء، بينما يرى نحو 20% أن العودة ممكنة في المستقبل إذا تحقق استقرار أمني وتحسن اقتصادي، في حين يزور 10% سوريا فقط لفترات قصيرة أو يخططون للعودة على المدى الطويل. أما عن مصادر المعلومات، فيعتمد نحو 90% من المشاركين على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وواتس آب وتويتر، فيما يتابع حوالي 60% الأخبار عبر التلفزيون والقنوات الرسمية والكردية والعربية، ويستقي 40% معلوماتهم من صفحات صحفيين وناشطين موثوقين أو منصات تحقق مستقلة.
تحرير: معاذ الحمد