الأحد, 4 مايو 2025 12:53 PM

السويداء على صفيح ساخن: توترات أمنية مستمرة وجهود أهلية لتهدئة الأوضاع وتأمين طريق دمشق

السويداء على صفيح ساخن: توترات أمنية مستمرة وجهود أهلية لتهدئة الأوضاع وتأمين طريق دمشق

أطلق ناشطون من أهالي السويداء نداءات إنسانية تحذر من استمرار انقطاع أوتستراد “السويداء دمشق”، الأمر الذي من شأنه عرقلة وصول إمدادات الطحين والمواد الغذائية والمحروقات، في حين أبدى البعض تفاؤلاً من إمكانية استئناف الحركة بحال تم تنفيذ الاتفاق بين الحكومة والقيادات المحلية بتأمين الطريق وافتتاحه أمام الحركة.

وما يزال الأوتستراد غير آمن خصوصاً في منطقة “المطلة” وقرى “الصورة الكبرى والصغيرة”، التي شهدت كمائن راح ضحيتها عدد من أبناء المحافظة الأسبوع الماضي. وعقب تطورات الأحداث الأسبوع الماضي والتوترات الأمنية في جرمانا وصحنايا، أعلنت مشيخة عقل المسلمين الموحدين الدروز في بيان لها عن اتفاق مع الحكومة، أكدوا خلاله أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، ورفضوا التقسيم والانفصال، كذلك قال البيان إنه تم الاتفاق على تفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية من أبناء المحافظة، بينما تتولى الحكومة مهمة تأمين طريق السويداء دمشق وبسط الأمان على كافة الجغرافيا السورية.

هجوم بعد الاتفاق

ورغم الاتفاق لا يبدو أن الحالة الأمنية مستقرة بعد في السويداء، التي يستنفر أهلها لليوم السادس على التوالي لحراسة مدينتهم خوفاً من أي هجوم مباغت محتمل، حيث تولى عدد من شبان المحافظة مهمة المراقبة خصوصاً بعد تكرار الهجمات على عدد من القرى مثل “الدور” و”جرين” بالريف الغربي ليل الخميس والتي استمرت حتى ساعات الفجر الأولى.

الهجوم الذي أتى بعد الاعلان عن الاتفاق، أثار أسئلة لدى أهالي المدينة وقراها عن الممرات السرية التي يتنقل فيها المهاجمون لإطلاق شرارة المعركة وأيضا ممرات الهروب وإلى أين؟ في هذه المعركة عاد المهاجمون من الغرب وتم توثيق عدة فيديوهات نُشرت من قبلهم تحمل شعارات طائفية عدائية وأكدها الكثير من الشبان الذين صدوا المهاجمين.

وقال أحد الشباب الذين تصدوا للهجوم، إنهم واجهوا ما وصفه بالجيش الكامل، الذي لا ينقصه العتاد، مشيراً إلى سماع الهتافات الطائفية التي تلّفظ بها المهاجمون. الحديث السابق جاء على لسان أحد شبان قرية “المزرعة” الذي تطوع للدفاع مع شباب القرية لصد الهجوم في قرى “جرين” و”الدور”، لا يختلف كثيراً عن رؤية أهالي قرية رساس التي تعرضت لهجوم مشابه قبل يومين تقريباً، استخدمت فيه قذائف الهاون ونتج عنه ضحايا وجرحى في حالات خطرة من السكان المدنيين أصيبوا في منازلهم إلى جانب الأضرار المادية على المنازل والمزارع.

ومع استمرار حالة الترقب فإن المتابع لأوضاع المنطقة يمكن أن يسجل أدلة تشير باتساع دائرة الانتهاكات حيث تصدى أهالي من بلدة القريا في الريف الجنوبي الغربي لإطلاق نار كثيف أثناء إعداد سواتر ترابية للحد من هجوم قادم في المنطقة الحدودية مع بصرى الشام،حيث تجددت المناوشات بما يؤكد استمرار الصراع لتبقى هذه الأراضي الزراعية تحت خط النار.

وسط ذلك يستمر الأهالي بتشييع ضحايا المواجهات الأخيرة، وتتزايد الأعداد في مدن شهبا والسويداء والقريا، إضافة إلى العديد من قرى الريف الغربي والشمالي والجنوبي، في مشهد مؤلم يهدد ما تبقى من مظاهر الاستقرار، ويحصد يومياً أرواح مدنيين يدفعون ثمناً باهظاً لصراعات ذات طابع خطير على النسيج المجتمعي.

بدورها، اتهمت السلطات السورية من وصفتها بـ”الجماعات الخارجة عن القانون” بالمسؤولية عن أعمال العنف واستهداف حواجز “الأمن العام” ما أدى لوقوع ضحايا من عناصر الأمن، كما دعت إلى حصر السلاح بيد الدولة لبسط سيطرتها على كامل الأراضي، إلا أن ذلك قوبل بمطالب محلية بضمانات ليكون حصر السلاح مطبّقاً على الجميع دون تمييز في مسألة تسليم السلاح من قبل طرفٍ دون آخر، في وقتٍ يرى فيه السكان أن السلاح وسيلتهم للدفاع عن أنفسهم في مواجهة المجموعات والفصائل التي تهاجم مناطقهم وترتكب الانتهاكات، مع استحضار سيناريو أحداث الساحل وما شهدته من مجازر ارتكبت على أساس طائفي.

وفي خضم تلك التوترات، برزت أعادت التأكيد على عمق الروابط بين أبناء الجنوب السوري، وتجسيداً صادقاً لفكرة التعاون الأهلي وتعزيز السلم المجتمعي، فقد أطلقت إحدى الصفحات المحلية في درعا نداءً عاجلاً مساء أمس، ناشدت فيه أهالي السويداء لتأمين سلامة طالبات جامعيات من درعا يقمن في بلدة نجران، التي كانت عرضة للقصف وسقطت قذائف هاون بالقرب منها. النداء لم يمرّ مرور الكرام، فسرعان ما تحرك أبناء الجبل، واضعين الخطر جانباً، ومستحضرين ما هو أسمى من الخلافات والانقسام، توجهوا إلى مكان إقامة الطالبات، وطمأنوا ذويهم، ثم نقلوهن بأمان إلى ديارهم، في مبادرة إنسانية عبّرت عن وحدة المصير وروح الجوار، ورفعت صوتاً عالياً يقول: “بيوتنا واحدة، وعرضنا واحد”.

أخبار مضللة

في موازاة مشاهد التضامن والتعاون، كان على أهالي السويداء مواجهة سيل من الأخبار المضللة والخطابات التحريضية التي اجتاحت منصات التواصل خلال الأيام الستة الماضية، مستهدفة النسيج الاجتماعي الهش بلغة طائفية خطرة، فقد جرى تداول مقاطع مصوّرة ومحتوى إعلامي يصف المدافعين عن المدينة بأنهم “عصابات مسلحة”، في محاولة لتزييف دور الأهالي في حماية مناطقهم.

في المقابل رأى أهالي المنطقة أن الوقائع أثبتت أن السويداء تعرضت مراراً لانتهاكات وهجمات ذات طابع طائفي، في وقت لم تسجّل فيه أي اعتداءات من أبناء قرى الريف الغربي أو الشمالي، أو من مناطق مثل جرمانا وصحنايا، على القرى المجاورة، هذا الواقع دفع بالعديد من أبناء السويداء في المهجر إلى التعبير عن رفضهم لحملات التخوين، مؤكدين تمسكهم بوحدة المجتمع السوري.

ومع تصاعد الخطاب التحريضي، بدأ العديد من الناشطين وحتى الوافدين إلى السويداء يستذكرون كيف تم استقبالهم وكيف اندمجوا مع أهالي المحافظة وعملوا معهم وبينهم، سواء في الزراعة أو التجارة، في حالة جميلة من السلم الأهلي المتين الذي تشكّل خارج مظلة الأنظمة السياسية وخارج الاستقطابات الفئوية.

هذا العقد الاجتماعي غير المعلن، والذي بنته التجربة والمعايشة اليومية، جعل من الواضح أن أي تهديد يطال السويداء اليوم، لا يهدد فقط أهلها، بل يطال أيضاً ضيوفها، وكل من ساهم في صنع حالة التعايش التي حرصت المحافظة على صونها وتطويرها، رغم كل العواصف.

مشاركة المقال: