الثلاثاء, 2 سبتمبر 2025 04:21 PM

العلم السوري: رمز الوحدة الوطنية وتحولات سياسية عبر الدساتير والتاريخ

العلم السوري: رمز الوحدة الوطنية وتحولات سياسية عبر الدساتير والتاريخ

دمشق-سانا: "بيضٌ صنائعنا، سودٌ وقائعنا، خُضرٌ مرابعنا، حُمرٌ مواضينا".. بهذه الكلمات، نُعرّف الراية السورية الخضراء التي وحّدت الشعب السوري في عام 1928 كرمز للبلاد، وأثارت مشاعرهم عندما رُفعت مرة أخرى في بداية الثورة السورية عام 2011، بعد غياب قسري دام خمسين عاماً من قبل النظام البائد.

لكل علم حكاية، والبداية هنا هي العودة إلى دستور عام 1928، التاريخ الذي ظهر فيه علم الاستقلال لأول مرة خلال أول مسودة دستور للجمهورية السورية الأولى، في وقت كانت سوريا لا تزال تحت سيطرة الانتداب الفرنسي. أُقرّ العلم رسمياً سنة 1930، يوم انتخاب محمد علي بك العابد أول رئيس للجمهورية، ورُفع لأول مرة في حلب عام 1932.

تنص المادة الرابعة من دستور 1928 على أن: "يكون العلم السوري على الشكل الآتي: طوله ضعف عرضه، ويقسم إلى ثلاثة ألوان متساوية متوازية أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، على أن يحتوي القسم الأبيض منها في خط مستقيم واحد على ثلاث نجوم حمراء خماسية الأشعة".

الدكتور عبد المنعم الأحمد، الأستاذ في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمشق والمختص بتاريخ بلاد الشام الحديث والمعاصر، أوضح في حديث لمراسلة سانا أنه عندما احتلت فرنسا سوريا عام 1920، قسمتها إلى دويلات عدة، وأصبح لكل دويلة علم خاص بها. ولكن حين قامت الثورة السورية الكبرى (1925-1927)، أجبرت فرنسا على قبول انتخابات وطنية وتشكيل الكتلة الوطنية برئاسة هاشم الأتاسي، التي انتخبت لجنة لصياغة الدستور السوري.

وأضاف الأحمد أن إبراهيم هنانو، رئيس اللجنة، وضع مع أعضائها دستوراً يتألف من 115 مادة، تضمنت اعتماد العلم الوطني للبلاد، الذي تمثلت نجومه بدويلات دمشق وحلب ودير الزور، لكن فرنسا لم تقبل به وحدثت اضطرابات على إثر ذلك.

وأشار الأحمد إلى أن أعلام الانتداب رُفعت حين أنشأت فرنسا الدويلات السورية، أي أعلام خاصة للدويلات بعد أن قسمها الجنرال غورو على أساس «فرق تسد»، أما علم الاستقلال فقد وضعته اللجنة الوطنية لتوحيد البلاد بعلم واحد، وبالتالي فهو ليس علم الانتداب كما كان يزعم النظام البائد، مؤكداً: "لو كان علم الانتداب لما رفعه شكري القوتلي عام 1946، ولما كان استمر حتى عام 1958، وهو ما يدحض كل تلك الادعاءات".

ونقلاً عن سامي المبيض، الكاتب والباحث والمؤرخ السوري، والذي له العديد من المؤلفات عن تاريخ سوريا الحديث ما قبل 1963، فقد قال: "رفع الرئيس شكري بك القوتلي علم الاستقلال في سماء سوريا يوم تحريرها من الانتداب الفرنسي في 17 أبريل/نيسان 1946، ورفعه جنود الجيش السوري في حربهم الأولى ضد "إسرائيل" سنة 1948. وعلى الرغم من الانقلابات المتكررة في السنوات 1949-1951، فإن أحداً من الزعماء العسكريين لم يفكر في تغيير هذا العلم، وبقيت راية سوريا ثابتة لغاية مجيء الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم سنة 1958، وأطاحت جمهورية الوحدة بالنشيد الوطني السوري أولاً، وباحتفالات عيد الجلاء، واستبدلت به عيد ثورة 23 يوليو/تموز، ومن ثم استُبدل العلم بعلم مستوحى من الألوان نفسها، فيه نجمتان خضراوان ترمزان إلى سوريا ومصر، وعند انهيار جمهورية الوحدة سنة 1961، أعاد السوريون علمهم القديم، وبقي مُعتمداً حتى 1 مايو/أيار 1963".

العلم الأخضر كان دائماً في الدساتير السورية قبل تغييره من قبل النظام البائد، وفقاً لما بيّنه السيد مختار، الباحث والخبير في الشأن البرلماني، فقد ذكرت المادة السادسة من دستور 1950، والمادة الرابعة من دستور 1953 (الذي وُضع لستة أشهر فقط) أن العلم السوري بألوانه الثلاثة: الأخضر والأبيض والأسود، وبثلاثة نجوم. وباستثناء فترة الوحدة بين سوريا ومصر (1958-1961) التي استُبدل فيها العلم باللون الأحمر في محاولة لخلق هوية عربية أكبر آنذاك، إلا أن العلم عاد إلى أصله في دستور 1962 المؤقت في المادة 6/1، حتى وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، حسبما يوضح مختار.

وخلال فترة حكم البعث، وباستثناء بعض الحالات الخجولة، لم يُعطِ النظام البائد اهتماماً حقيقياً لرمزية العلم ككل، بل بقي يضع عليه صور حافظ وبشار الأسد وعلم حزب البعث. وفي عام 2014، أجبر نظام بشار الأسد المحال التجارية في دمشق على طلاء واجهاتها بالعلم السوري الأحمر، في محاولة لخلق رمز وطني يوحد به الشارع الموالي، وهي خطوة وصفها ناشطون حينها بـ "الاستفزازية" ضمن ظروف أمنية متوترة تعيشها البلاد في ظل زيادة عدد الحواجز وكثرة المداهمات والتدقيق الأمني للمارة، وقد عزا ناشطون ذلك إلى التمهيد المبكر للانتخابات الرئاسية في سوريا صيف هذا العام، ورغبة الأسد في إظهار دمشق على أنها مؤيدة بشكل كامل له.

النظام تعمّد تشويه تاريخ علم الاستقلال الذي رفعه المتظاهرون في سائر أنحاء الرقعة الجغرافية السورية، وربطه بحقبة الاستعمار، كما حاول تمزيق الصورة الذهنية التي ربطت بين الثورة السورية والعلم، في محاولة لشيطنة الأهداف الوطنية النبيلة التي خرج الشعب مطالباً بها.

مشاركة المقال: