الجمعة, 11 يوليو 2025 04:23 PM

بإمكانيات محدودة: سكان مخيم اليرموك يرممون حياتهم في "فلسطين الصغيرة" بالجهود الذاتية

بإمكانيات محدودة: سكان مخيم اليرموك يرممون حياتهم في "فلسطين الصغيرة" بالجهود الذاتية

يبذل العائدون إلى مخيم اليرموك، الذي يُعرف بـ "عاصمة الشتات الفلسطيني"، جهوداً مضنية لإعادة ترميم منازلهم وتأهيلها، معتمدين بشكل أساسي على أنفسهم مع تلقي القليل من الدعم الخارجي.

حسن تميم، البالغ من العمر 52 عاماً، يتأمل من نافذة شقته هياكل المباني المتجاورة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق. الغرفة التي يقف فيها سليمة نسبياً، لكنها خالية تماماً إلا من الخرسانة. وكما هو حال معظم المنازل في هذا المخيم الذي كان يوماً أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، تعرضت شقة تميم للنهب والتدمير على يد قوات نظام الأسد بعد سيطرتها على المخيم عام 2018، بالإضافة إلى القصف الجوي والبري العنيف الذي دمر جزءاً كبيراً من مبانيه.

قال تميم لـ"سوريا على طول" إن "الفرقة الرابعة سرقت الأسلاك الكهربائية المصنوعة من النحاس والسياج الحديدي والنوافذ، أخذوا كل شيء وباعوه".

تميم هو واحد من بين حوالي 25 ألف شخص يعيشون حالياً في اليرموك، 70 بالمئة منهم فلسطينيون، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). قبل الحرب، كان يعيش في اليرموك والمناطق المحيطة به نحو 1.2 مليون شخص، بينهم عدد كبير من الفلسطينيين.

منذ سقوط نظام الأسد، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يبذل العائدون إلى مخيم اليرموك جهوداً مضنية لإعادة بناء حياتهم. وفي الشقق المجردة والمباني المدمرة بالقصف، لا يستطيع معظمهم سوى القيام بإصلاحات بسيطة، خاصة أنهم لم يحصلوا إلا على قليل من الدعم من الدولة أو الأونروا أو المنظمات الدولية الأخرى.

محل صغير لبيع المواد الغذائية الأساسية، وسط أنقاض المباني المتضررة، في مخيم اليرموك بجنوب دمشق، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
محل صغير لبيع المواد الغذائية الأساسية، وسط أنقاض المباني المتضررة، في مخيم اليرموك بجنوب دمشق، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

إصلاحات بسيطة

فرّ تميم من اليرموك مع عائلته عام 2012 واستأجر منزلاً في ضاحية قدسيا، شمال غربي دمشق، بينما بقي شقيقه في المخيم وقاتل مع قوات المعارضة حتى قُتل على يد النظام. لأعوام، وحتى بعد أن استعاد النظام السيطرة على اليرموك عام 2018، كان من الصعب على تميم دخول المخيم، قائلاً: "كان عليك أن تدفع للحصول على موافقة أمنية"، وذات مرة "دخلنا ووجدنا الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. كان هناك نقيب يحتل مكاننا، وعندما قلنا له هذا منزلنا رد بالقول: انقلعوا وإلا أطلقت النار عليكم".

عندما أجرت "سوريا على طول" مقابلة مع تميم، كانت زوجته وأطفاله الأربعة وجدته البالغة من العمر 75 عاماً لا يزالون يعيشون في قدسيا، بينما كان هو يحاول ترميم الشقة في اليرموك حتى تكون صالحة للسكن وأمامه الكثير من العمل. بعد عودته إلى اليرموك في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصلح أنابيب الصرف الصحي والأسلاك الكهربائية بتكلفة تراوحت بين 60 و70 مليون ليرة سورية (بين 600 و700 دولار)، ويحتاج من أجل إنهاء الإصلاحات 15 مليون ليرة إضافية (150 دولاراً)، بحسب تقديراته، وهو مبلغ كبير، خاصة أن عليه تأمين إيجار الشقة في قدسيا. قال: "لقد حرمت أطفالي من الملابس والطعام لأنني مضطر لدفع الإيجار".

أمين سعيد حافظ، 52 عاماً، يقف عند مدخل منزله في حي المغاربة بمخيم اليرموك، وقد سدّ المدخل بالطوب منعاً لدخول الكلاب الشاردة إلى المبنى، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
أمين سعيد حافظ، 52 عاماً، يقف عند مدخل منزله في حي المغاربة بمخيم اليرموك، وقد سدّ المدخل بالطوب منعاً لدخول الكلاب الشاردة إلى المبنى، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

على بعد بضعة أبنية، كان أمين سعيد حافظ، 50 عاماً، يجري إصلاحات في منزله، الذي عاد إليه بعد سقوط النظام. بسبب القصف الشديد، لم يبقَ من مبناه المكون من طابقين سوى الطابق الأرضي، لكنه تعرض للنهب على يد قوات النظام. قال حافظ لـ"سوريا على طول": "شبكة الصرف الصحي مدمرة بالكامل، لقد كسروها وأخذوا الأنابيب، وكذلك لا توجد مياه".

يتقاضى حافظ من عمله في الطلاء (الدهان) أجوراً زهيدة، لذا يذهب معظم دخله لدفع إيجار شقة استأجرها في اليرموك. إصلاح منزله يعني توفير الإيجار، كما قال، لافتاً إلى أن خطوته الأولى تركيب باب خارجي، وقد استدان لأجل ذلك مبلغ 200 دولار، وإلى حين تركيبه رصّ الطوب في المدخل منعاً لدخول الكلاب الشاردة.

يخطط حافظ العودة إلى منزله خلال بضعة أشهر، إذا توفر لديه المال اللازم للإصلاحات، علماً أنه لم يكن يملك "أي شيء [من المال]" عندما أجرت "سوريا على طول" المقابلة معه، وقال حينها: "أنا مفلس. إذا لم أعمل لن أستطيع الأكل".

محل لبيع الخضروات ومياه الشرب، وسط الأنقاض في مخيم اليرموك، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
محل لبيع الخضروات ومياه الشرب، وسط الأنقاض في مخيم اليرموك، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

على بُعد عشر دقائق سيراً على الأقدام، تعيش سهير كلش، 41 عاماً، في الطابق الأرضي من المبنى المتضرر الذي تملكه في مخيم اليرموك. باعت مجوهرات عائلتها مقابل 12 مليون ليرة سورية (120 دولاراً) لتأمين تكاليف بعض الإصلاحات، فركّبت لوح طاقة شمسية وجددت أرضية المنزل، وتركت الشقق العلوية لأنها تحتاج إلى أعمال ترميم واسعة.

"أحرقوا البيت، أحرقوا الجدران… سرقوا كل شيء: المغاسل، البلاط، النوافذ، كل شيء"، قالت كلش لـ"سوريا على طول"، مضيفة: "عندما عدت، كان وضعي صعباً جداً… أصبت بالاكتئاب وكنت متعبة للغاية. الأطفال يبكون، إنهم بحاجة لبعض الوقت"، وتوقعت السيدة أن الغبار والركام في المخيم هي وراء إصابتها بالربو (مرض تنفسي).

سهير كلش، 41 عاماً، تنظر من نافذة منزلها في مخيم اليرموك، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
سهير كلش، 41 عاماً، تنظر من نافذة منزلها في مخيم اليرموك، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

من دون تصاريح الإصلاحات التي يمكن لتميم وحافظ وكلش تحمل تكاليفها هي إصلاحات بسيطة نسبياً، ولم يطلبوا قبل إجرائها تقييمات سلامة أو تصاريح بلدية، إما لأنهم لا يعتقدون أنها ضرورية أو لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف استصدارها. العديد من مباني اليرموك معرضة للخطر ، إذ تُعد مستويات الضرر فيها من الأعلى في العاصمة دمشق ومحيطها.

قالت كلش عبر واتساب أواخر حزيران/ يونيو: "انهار مبنى قريب من منزلنا بالأمس، لذا يخاف المرء [في المخيم] على الأطفال أثناء لعبهم".

في الفترة ذاتها، انهارت شرفة قيد الإنشاء في حي الجزماتي شرق حلب – وهي منطقة كانت تتبع للمعارضة سابقاً، وتعرضت لتدمير وحصار شديد آنذاك – ما أسفر عن مقتل شاب وإصابة ثلاثة عمال. شهدت السنوات الأخيرة انهيار العديد من المباني بسبب الأضرار الناجمة عن أو زلزال شباط/ فبراير 2023 في شمال سوريا.

صورة تظهر مباني متضررة في مخيم اليرموك جنوب دمشق، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
صورة تظهر مباني متضررة في مخيم اليرموك جنوب دمشق، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

تشترط بلدية اليرموك على جميع السكان الحصول على موافقة لإصلاح أو إعادة بناء منازلهم. وللقيام بذلك، يجب على السكان تقديم تقييم سلامة صادر عن مهندس مُعتمد، بالإضافة إلى إثبات ملكية عقارية. عدا عن مخاطر السلامة "هناك خطر بحدوث مشاكل تتعلق بالملكية في حال عدم وجود سجلات"، لذا فإن "أي إصلاحات تتطلب تصاريح حتى نتمكن من التحقق من الملكية"، قالت رئيسة البلدية غادة شويكي لـ"سوريا على طول"، مشيرة إلى أن "البلدية لا تمنح تصاريح للمنازل المدمرة كلياً والمسوّاة بالأرض".

قدّرت شويكي نسبة الذين تقدموا بطلبات للحصول على تصاريح من أجل ترميم منازلهم بأقل من نصف العائدين، إما بسبب عدم الوعي أو لعدم امتلاكهم الأموال اللازمة لدفع تكلفة التقييم. وفي هذا السياق، قال حافظ: "أي شخص معه مال يقوم بالترميم من دون [الحصول على] موافقة"، ظناً منه أن التصريح مطلوب عند إعادة البناء كاملاً فقط. لكن على أي حال، لا يستطيع تحمّل دفع تكاليف مهندس معتمد.

أجرت كلش تقييم سلامة عبر مهندسين حكوميين قبل سقوط نظام الأسد، وقد زار منزلها مهندس من الأونروا، لكنها لم تتقدم بطلب للحصول على تصريح أيضاً. "جاء مهندس من الأونروا إلى منزلنا العام الماضي، والتقط صوراً للطوابق العلوية، وأخبرنا أنه يجمع البيانات، لكنهم لم يقولوا أي شيء عن [دعم] الترميم"، قالت كلش.

مجموعة يافعين يتجمعون في أحد الأزقة الجانبية لمخيم اليرموك في وقت الغروب، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)
مجموعة يافعين يتجمعون في أحد الأزقة الجانبية لمخيم اليرموك في وقت الغروب، 30/ 04/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

بينما قالت البلدية أنها تشترط تصريحاً قبل الشروع في عملية الترميم، قال متحدث باسم الأونروا لـ"سوريا على طول" أن التصاريح مطلوبة فقط لـ"المباني المدمرة التي يستطيع أصحابها تحّمل تكلفة إعادة بنائها". وأضاف: "تطلب مديرية خدمات اليرموك تقرير تقييم وموافقة من نقابة المهندسين، بتكلفة تقارب 2 مليون ليرة سورية (200 دولار). يحصل سكان اليرموك على خصم 50 بالمئة، ما يخفض التكلفة إلى حوالي مليون ليرة سورية (100 دولار)".

قالت الوكالة أن دعم الأونروا لسكان اليرموك يقتصر حالياً على المساعدات النقدية لـ"إجراء الإصلاحات البسيطة في المنازل السليمة من الناحية الهيكلية"، موضحاً أنه "حتى الآن، لم يبدِ أي مانح اهتماماً بدعم إعادة الإعمار على نطاق واسع". بالمجمل، استفادت 320 عائلة من مساعدات الأونروا الخاصة بالترميم، وهناك من 500 إلى 600 عائلة أخرى قيد الانتظار. ومع ذلك، يشعر معظم العائدين أنهم متروكون لوحدهم، ويتولون الأمور بأنفسهم.

قال حافظ: "لكي تحصل على مساعدة من الأونروا فأنت بحاجة إلى واسطة!".

مشاركة المقال: