السبت, 15 نوفمبر 2025 09:58 AM

بعد 12 عامًا من التخفي: اعتقال "جلاد الرقة" بتهمة التعذيب وبدعم من الموساد

بعد 12 عامًا من التخفي: اعتقال "جلاد الرقة" بتهمة التعذيب وبدعم من الموساد

بعد مطاردة استمرت 12 عامًا، أُسدل الستار على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في أوروبا، حيث تم اعتقال العميد السوري خالد الحلبي، المتهم بارتكاب جرائم حرب وتعذيب في مدينة الرقة السورية بين عامي 2011 و2013.

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كان الحلبي (62 عامًا) يعمل كعميل مزدوج للموساد في سوريا، وظل متخفيًا في أوروبا لسنوات تحت حماية عناصر من الاستخبارات الإسرائيلية والنمساوية، قبل أن يتم القبض عليه هذا الشهر.

لم يكن الحلبي، المعروف بلقب "جلاد الرقة"، الوحيد المتهم، فقد وُجهت اتهامات مماثلة للعقيد مصعب أبو ركبة (53 عامًا)، الذي كان يشغل منصبًا حساسًا في فرع الأمن الجنائي بالرقة. ولم تذكر الصحيفة ما إذا كان أبو ركبة قد اعتُقل أيضًا.

نفى المتهمان، عبر محاميهما، أي صلة لهما بالتعذيب أو إساءة معاملة المحتجزين. في المقابل، أكدت جهات الادعاء أن التحقيقات أثبتت مسؤوليتهما عن الانتهاكات التي ارتُكبت خلال قمع الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

استعرض مراسلا نيويورك تايمز، كارلوتا غال وسعد النصيف، نتائج تحقيقاتهما في القضية بعد زيارة فيينا والتحدث مع مسؤولين وضحايا الحلبي. قبل فراره من سوريا عام 2013، كان الحلبي، المنحدر من مدينة السويداء وينتمي إلى الطائفة الدرزية، ضابطًا في المخابرات السورية، وتولى في 2008 منصب رئيس فرع أمن الدولة رقم 335 في الرقة.

بعد اندلاع المظاهرات في مارس 2011، شنت أجهزة الأمن السورية، بما في ذلك الفرع 335، حملات اعتقال واستجواب وتعذيب واسعة. ومع تطور الوضع العسكري في الشمال وتقدم فصائل المعارضة عام 2013، هرب الحلبي إلى تركيا ثم الأردن، قبل أن يصل إلى باريس، حيث اعتُبر منشقًا يمكنه المساعدة في توثيق جرائم النظام.

لكن الأدلة التي جمعها محققو "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" غيرت الصورة، حيث بدأت الشكوك تحوم حول تورط العميد السابق في الإشراف على تعذيب السوريين في فرعه الأمني بالرقة، مما حوله من شاهد إلى متهم رئيسي.

وفقًا للمدعين، اختفى الحلبي فجأة من باريس في 2015، وكشفت التحقيقات لاحقًا أنه هُرّب عبر أوروبا بسيارات يقودها ضباط من الموساد ونظراؤهم من المخابرات النمساوية، حتى وصل إلى فيينا. هناك، حصل على اللجوء بمساعدة مسؤولين في جهاز المخابرات الداخلي النمساوي، وأُسكن في شقة موّلتها الموساد.

في يناير 2016، قدم محققو "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" ملف الحلبي إلى وزارة العدل النمساوية، وبدأ المسؤولون النمساويون البحث عنه، لكنهم شكوا في أن جهاز الاستخبارات النمساوي كان يحميه. وفي 2023، حوكم 5 مسؤولين نمساويين، بينهم ضباط من جهاز الاستخبارات الداخلي، بتهمة إساءة استخدام مناصبهم لتسهيل لجوء الحلبي عبر اتفاق مع الموساد. وأُفرج عن 4 منهم في حين لم يحضر الخامس المحاكمة.

خلال المحاكمة في النمسا، كشف الادعاء أن رئيس الجهاز النمساوي نفسه سافر إلى إسرائيل عام 2015 وأبرم اتفاقًا يقضي بتأمين إقامة العميد السوري في فيينا، مقابل معلومات استخباراتية عن الوضع في سوريا. ورغم تبرئة بعض الضباط لعدم كفاية الأدلة، فإن المحاكمة منحت ضحايا الحلبي أول فرصة لرؤيته وجهًا لوجه، وكانت تلك اللحظة صادمة بالنسبة لهم، إذ تبين لهم أن الجلاد الذي عذّبهم كان حرًا بعد كل تلك السنوات.

كشفت الصحيفة أن ضحايا العميد السوري السابق قرروا التعاون مع منظمات دولية مثل "مبادرة العدالة المفتوحة" لتجميع الأدلة وتقديم شهاداتهم. وقال عبد الله الشام، أحد النشطاء من الرقة، إن اسم الحلبي كان يثير الرعب بين الناس خلال الثورة. وأضاف: "تخيّل أن ترى الرجل الذي عذّب أصدقاءك، جالسًا في قفص الاتهام أمامك؟ إنها لحظة قلبت الموازين".

أما المحامي أسعد الموسى (46 عامًا)، فقد اعتُقل مرتين في عام 2011 على يد مجموعة الحلبي، وتعرض لاحقًا لتعذيب قاس في مقر المخابرات العسكرية عام 2012. وكان الموسى قد أنشأ لجنة من المحامين للدفاع عن المعتقلين في الرقة، ونظم إضرابًا شارك فيه أكثر من مئة محام احتجاجًا على استخدام العنف ضدهم. وبعد هروبه من سوريا ووصوله إلى أوروبا عام 2015، وجد نفسه وجهًا لوجه مع جلاده السابق، أبو ركبة، داخل مخيم للاجئين في النمسا. وأمسك به أصدقاؤه حينها ومنعوه من الانقضاض عليه، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى ترحيله من البلاد. وأبلغ الموسى السلطات بوجود مجرم حرب في المخيم، لكنها لم تحتجزه، بل نقلته فقط إلى سكن آخر.

وقال: "الحكومة النمساوية وجهاز المخابرات ساعدا الموساد، وساعدا مجرمي الحرب التابعين له، هذه أبشع درجات الإجرام على الإطلاق".

وخلصت الصحيفة إلى أن قضية الحلبي لا تمثل نهاية الطريق، ولكنها تذكير مؤلم بأن العدالة، حين تتقاطع مع المصالح السياسية والاستخباراتية، تصبح معركة طويلة، لكنها تستحق أن تُخاض حتى النهاية.

(aljazeera)

مشاركة المقال: