الأحد, 20 أبريل 2025 10:57 AM

تحقيق استقصائي: كيف هرّب الأسد أمواله ووثائقه السرية قبل سقوطه؟

تحقيق استقصائي: كيف هرّب الأسد أمواله ووثائقه السرية قبل سقوطه؟

كشفت وكالة "رويترز" في تحقيق لها اليوم، كيف قام رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، بتهريب الأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية قبل سقوطه. وكشفت "رويترز" تفاصيل تهريب الأسد الأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية، نقلًا عن 14 مصدرًا سوريًا مطلعًا على الخطة، من بينهم موظفون في المطار، وضباط سابقون في المخابرات والحرس الرئاسي، وشخص من داخل شبكة أعمال الأسد.

يسار إبراهيم أدار العملية

يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي للأسد، قام بترتيب استئجار طائرة لنقل أصول الأسد الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفي القصر الرئاسي إلى الإمارات على متن أربع رحلات، وفق "رويترز". قامت طائرة "إمبراير ليجاسي 600" من طراز "C5-SKY"، المسجلة في غامبيا، بأربع رحلات متتالية إلى سوريا خلال 48 ساعة قبل سقوط النظام، وفقًا لمراجعة "رويترز" لسجلات تتبع الرحلات الجوية. في السادس من كانون الأول 2024، وبينما كانت إدارة العمليات العسكرية تزحف نحو العاصمة دمشق، اقتربت طائرة "إمبراير ليجاسي 600" ذات 13 مقعدًا من مطار دمشق الدولي. تم حشد أكثر من اثني عشر عنصرًا بزيّ مموه من المخابرات الجوية السورية، لحراسة قاعة الاحتفالات، وقسم كبار الشخصيات في المطار، وممرّ الوصول إليه. أفاد ثلاثة أشخاص كانوا في المطار، أن عددًا قليلًا من السيارات المدنية ذات النوافذ المظللة اقتربت من المنطقة، مشيرين إلى أن السيارات كانت تابعة للحرس الجمهوري، المكلف بحماية الأسد والقصر الرئاسي. وأبلغ رئيس أمن مطار دمشق، العميد غدير علي، موظفي المطار أن عناصر من المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، بحسب محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية في الخطوط الجوية السورية. وقال ثلاثة مسؤولين سوريين في المطار وضابط استخبارات سابق، إن غدير علي، وهو ضابط كبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي.

تهريب الأموال عبر 4 رحلات

أظهرت بيانات "Flightradar24" أن طائرة "C5-SKY" كانت تتجه في كل مرة إلى مطار البطين في أبو ظبي، والذي يستخدمه كبار الشخصيات والمعروف بخصوصيته الصارمة. في البداية، غادرت الطائرة من دبي في 6 كانون الأول 2024، وهبطت في دمشق حوالي الساعة 12 ظهرًا بالتوقيت المحلي، ثم توجهت إلى مطار البطين وعادت إلى دمشق بعد الساعة العاشرة مساءً. وقال أحد المصادر الخمسة العاملة في المطار، إن "السيارات كانت تتجه نحو الطائرة في كل مرة تهبط فيها، وتبقى هناك لفترة قصيرة ثم تغادر قبل إقلاعها مرة أخرى". وقال رئيس أمن المطار، العميد غدير علي، لموظفي المخابرات الجوية، إن موظفي القصر الرئاسي وأقارب الأسد بما في ذلك المراهقون، كان من المقرر أن يستقلوا أول رحلتين غادرتا دمشق في السادس من كانون الأول، والتي كانت تحمل أيضًا أموالاً نقدية، وفقًا لضابط المخابرات السابق الذي كان في مكان الحادث. ولم تتمكن "رويترز" من الوصول إلى قائمة ركاب الرحلات الأربع، للتأكد من هوية ركاب الطائرة أو حمولتها. وأضاف المصدر أن الرحلة الثانية من دمشق نقلت أيضًا لوحات وبعض المنحوتات الصغيرة. في السابع من كانون الأول 2024، عادت الطائرة إلى دمشق حوالي الساعة الرابعة عصرًا، ثم غادرت إلى مطار البطين في أبو ظبي للمرة الثالثة بعد أكثر من ساعة، وهذه المرة محملة بأكياس من النقود، فضلًا عن محركات الأقراص الصلبة والأجهزة الإلكترونية التي تحتوي على معلومات حول شبكة الأسد التجارية، وفقًا لضابط استخبارات كان داخل شبكة الأسد التجارية. وأضاف المصدر أن المعلومات المخزنة تضمنت سجلات مالية ومحاضر اجتماعات وملكية شركات وعقارات وشراكات، إضافة إلى تفاصيل التحويلات النقدية والشركات والحسابات الخارجية. وهذه المرة، اقتربت سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق من منطقة مطار كبار الشخصيات قبل إقلاع الطائرة، بحسب ضابط الاستخبارات السابق، وهو ما يشير إلى أن الإمارات كانت على علم بالعملية.

في وقت مبكر من 8 كانون الأول، وصلت إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق، ما دفع الأسد إلى الفرار إلى معقله في اللاذقية، بالتنسيق مع القوات الروسية، بينما توقف مطار دمشق عن العمل. بعد منتصف ليل ذلك اليوم، غادرت طائرة "C5-SKY" مطار البطين للمرة الأخيرة، وبعد مرورها فوق مدينة حمص، حوالي الساعة الثالثة فجرًا، اختفت الطائرة عن نطاق رصد الرحلات الجوية لنحو ست ساعات، قبل أن تعود للظهور فوق حمص عائدة إلى أبوظبي، ما يشير إلى أن الرحلة الرابعة نقلت الأسد إلى مطار حميميم. التقطت شركة "بلانيت لابز" صورةً عبر الأقمار الصناعية الساعة 9:11 صباحًا، تُظهر الطائرة على مدرج مطار حميميم. وتأكدت "رويترز" من أن طائرة إمبراير الظاهرة في الصورة هي من طراز "C5-SKY"، وذلك بناءً على حجمها وشكلها وبيانات تتبع الرحلات الجوية، وتُظهر بيانات تتبع الرحلات الجوية أن تلك الطائرة كانت الطائرة الخاصة الوحيدة التي حلقت من وإلى سوريا بين 6 و8 كانون الأول 2024.

وقال مصدر داخل شبكة الأسد، إن أحمد خليل خليل، وهو مساعد مقرب من يسار إبراهيم وناشط في شبكة الأسد، وصل إلى قاعدة حميميم الروسية في سيارة مدرعة تابعة للسفارة الإماراتية، وكان يحمل 500 ألف دولار نقدًا. يخضع خليل لعقوبات غربية لدعمه النظام السابق من خلال إدارة العديد من الشركات في سوريا والتحكم فيها. كان خليل سحب المبلغ قبل يومين من حسابه في بنك سوريا الدولي الإسلامي، بحسب المصادر ذاتها. أفاد أحد المقربين من الأسد أن الحساب يعود لشركة البرج للاستثمارات، ومقرها دمشق، ويمتلك يسار إبراهيم 50% من الشركة، وفقًا لموقع "سيريا ريبورت"، وهو منصة إلكترونية تحتوي على قاعدة بيانات للشركات جمعها خبراء في الشأن السوري، واستشهدت بسجلات سورية رسمية لعام 2018.

وقال مسؤول كبير في حكومة الرئيس السوري، أحمد الشرع، لرويترز، إن الحكومة عازمة على استعادة الأموال العامة التي نقلت إلى الخارج قبل سقوط الأسد، لدعم الاقتصاد السوري الذي يعاني تحت وطأة العقوبات ونقص العملة. وأكد المسؤول لرويترز أن أموالًا تم تهريبها خارج البلاد قبل الإطاحة بالأسد، لكنه لم يوضح كيف تم ذلك، مضيفًا أن السلطات لا تزال تحدد إلى أين ذهبت الأموال.

طائرة التهريب مصدرها لبناني

لم تتمكن "رويترز" من تحديد الجهة التي كانت تدير الرحلات الجوية. وأضافت أن يسار إبراهيم وصل إلى أبو ظبي في 11 كانون الأول 2024. استأجر يسار إبراهيم الطائرة من رجل الأعمال اللبناني محمد وهبي، وفقًا لأحد رجال الأعمال السوريين والمصدر المقرب من الأسد. ويملك وهبي شركة "فلاينج إيرلاين إف زد سي أو"، المسجلة كشركة في المنطقة الحرة بدبي، بحسب ملفه الشخصي على موقع "لينكد إن". وبحسب السجلات الغامبية، فإن شركة "فلاينج ايرلاين" مملوكة بنسبة 30% لرجل الأعمال اللبناني أسامة وهبي، وبنسبة 70% للمواطن العراقي صفاء أحمد صالح.

وقال أحد أفراد دائرة الأعمال المحيطة بالأسد ومسؤول سابق في هيئة النقل الجوي السورية، إن طائرة "إمبراير" كانت تعمل بموجب "عقد إيجار جاف"، حيث يوفر المالك الطائرة، ولكن لا يوفر الطاقم أو الطيار أو الصيانة أو العمليات الأرضية أو التأمين.

الأسد هرب من حميميم

في الثامن من كانون الأول 2024، انطلقت طائرة من قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تديرها روسيا، قرب اللاذقية، وفرّ الأسد إلى روسيا في اليوم نفسه من قاعدة حميميم. كانت الطائرة تحمل حقائب سوداء غير مميزة، بها نقود تحتوي على ما لا يقل عن 500 ألف دولار، إضافة إلى وثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات استخباراتية رئيسية عن "المجموعة"، وهو الاسم الرمزي الذي استخدمه الأسد وشركاء يسار إبراهيم للشبكة المعقدة من الكيانات التي تمتد عبر الاتصالات، والخدمات المصرفية، والعقارات، والطاقة وغيرها من الأنشطة.

وسبق أن قالت وكالة "رويترز"، الجمعة 13 من كانون الأول 2024، إن رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، أعدّ خطة سرية للفرار من سوريا عندما كانت سلطته تنهار، دون إطلاع غالبية مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقربائه على الأمر. وذكرت "رويترز" نقلًا عن أكثر من 10 مصادر، أن الأسد لجأ إلى الخداع والتكتم لتأمين خروجه من البلاد. وأبلغ الأسد مدير مكتبه الرئاسي، السبت 7 من كانون الأول (قبل سقوطه بيوم)، عندما انتهى من عمله، أنه سيعود إلى منزله، لكنه توجه بدلًا من ذلك إلى المطار. كما اتصل بشار بمستشارته الإعلامية بثينة شعبان، وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة خطاب له، وعندما وصلت لم تجد أحدًا هناك. قبيل ساعات من مغادرته سوريا، اجتمع الأسد مع نحو 30 من قادة الجيش والأمن في وزارة الدفاع، وأكد لهم أن الدعم العسكري الروسي قادم، داعيًا القوات البرية إلى الصمود. وبحسب مصدر حضر الاجتماع، لم تكن هناك أي إشارة إلى خططه للفرار، ولم يكن الموظفون المدنيون على علم بشيء أيضًا. وأفاد ثلاثة من مساعديه، بأن بشار لم يبلغ حتى شقيقه الأصغر ماهر بخطط خروجه، وقال أحدهم، إن ماهر استقل مروحية إلى العراق ومن ثم إلى روسيا. وفي الساعات الأولى من صباح الأحد 8 من كانون الأول، غادر بشار الأسد دمشق على متن طائرة خاصة، محلّقًا تحت الرادار بعد تعطيل جهاز الإرسال والاستقبال في الطائرة، لتجنب القبض عليه من قبل فصائل المعارضة التي كانت تقتحم العاصمة. هبطت الطائرة في قاعدة "حميميم" الروسية بمدينة اللاذقية الساحلية، ومنها استقل الأسد طائرة أخرى إلى موسكو، حيث كانت زوجته أسماء وأبناؤهما الثلاثة بانتظاره في العاصمة الروسية.

مشاركة المقال: