الإثنين, 1 ديسمبر 2025 01:14 PM

تركيا وسوريا نحو حقبة جديدة: إعادة فتح القنصلية في غازي عنتاب يعزز آفاق التعاون الاقتصادي

تركيا وسوريا نحو حقبة جديدة: إعادة فتح القنصلية في غازي عنتاب يعزز آفاق التعاون الاقتصادي

في تحرك يعكس التقارب السياسي المتزايد، تشهد العلاقات التركية السورية نشاطاً دبلوماسياً ملحوظاً يهدف إلى إعادة بناء الروابط الاقتصادية بين البلدين. ووفقاً لتقارير إعلامية تركية، تستعد أنقرة لإعادة فتح القنصلية العامة السورية في مدينة غازي عنتاب، بالتوازي مع جهود لتعزيز التمثيل الدبلوماسي في دمشق بعد فترة انقطاع طويلة.

وتشير التطورات الأخيرة إلى استراتيجية واضحة تركز على إعادة البناء الدبلوماسي كمدخل أساسي للتعاون الاقتصادي. وكانت تركيا قد عينت مؤخراً نائب وزير الخارجية، نوح يلماز، سفيراً لها في دمشق، وهي المرة الأولى منذ 13 عاماً التي تعين فيها أنقرة سفيراً في العاصمة السورية. بالإضافة إلى ذلك، استأنفت القنصلية العامة التركية في حلب عملها بعد افتتاح السفارة، في حين تتواصل الجهود لإعادة تفعيل السفارة السورية المغلقة في أنقرة. ويأتي هذا في سياق تأكيد يلماز على أن استقرار سوريا ووحدة أراضيها يمثلان "أولوية أساسية" لتركيا وقضيتها الاستراتيجية الأولى في المنطقة.

تنشيط التجارة الحدودية

أفادت صحيفة ملييت التركية بأن أنقرة تتجه نحو إعادة فتح القنصلية السورية في غازي عنتاب بعد تعيين سفير جديد في دمشق، مما يمهد الطريق لعودة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وأكدت الصحيفة أن هذه الخطوات ستعمل على تنشيط التجارة الحدودية، واستعادة ثقة المستثمرين، وخلق فرص عمل في المدن الحدودية. وتجري أيضاً مباحثات حول اتفاقية بحرية ومشاريع بنية تحتية تشمل الطرق والسكك الحديدية والمطارات، مع الإشارة إلى أن "أكبر تحدٍ هو توفير التمويل، ولكن في حال تأمن، ستنطلق مشاريع إعادة إعمار واسعة في سوريا".

ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية أن إعادة فتح القنصلية العامة السورية في غازي عنتاب مدرج على جدول الأعمال، حيث "تنتظر المناطق الحدودية، مثل غازي عنتاب وشانلي أورفا، استعادة مجدها السابق، ومن القضايا التي من شأنها تطوير العلاقات الاقتصادية وضمان الحراك الاقتصادي في المنطقة هو فتح السفارات والقنصليات".

ويرى المراقبون أن استئناف البعثات الدبلوماسية بالكامل ليس مجرد خطوة سياسية رمزية، بل هو شرط حيوي لإعادة بناء الثقة وتسهيل التفاعل المباشر بين رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين، مما يخلق البيئة القانونية والمؤسسية الآمنة اللازمة لأي تعاون اقتصادي جاد.

انتعاش متوقع للتجارة والاستثمارات

من المتوقع أن يؤدي فتح المعابر الدبلوماسية والقنصلية إلى إطلاق العنان لإمكانات اقتصادية كبيرة، خاصة في المناطق الحدودية:

  • انتعاش التجارة الحدودية: من المرجح أن يعزز فتح القنصلية في غازي عنتاب التجارة الحدودية المباشرة، التي كانت تعتمد في السابق على وساطات معقدة، ويتوقع أن يستفيد من ذلك بشكل خاص مصدرو السلع الأساسية مثل الأغذية والنسيج ومواد البناء.
  • خلق فرص عمل: ستساهم حركة البضائع والنشاط التجاري المتجدد في توفير فرص عمل في المدن التركية والسورية الحدودية التي عانت من ركود اقتصادي طويل، مما يدعم التنمية الإقليمية.
  • جذب الاستثمارات: يخلق المناخ الدبلوماسي الإيجابي جواً من الثقة لدى المستثمرين، ويسهل إطلاق مشاريع مشتركة، خاصة في القطاعات التي تملك فيها تركيا خبرة كبيرة وتحتاجها سوريا بشكل عاجل، مثل الطاقة واللوجستيات والزراعة وإعادة الإعمار.
  • تسهيل الخدمات المالية: قد يمهد الطريق لفتح مكاتب تمثيلية متبادلة للبنوك وشركات التأمين، مما يقلل المخاطر على المستثمرين ويسهل التحويلات المالية وتمويل المشاريع.

تحديات التمويل وفرص التكامل

على الرغم من هذا التفاؤل، يقف تحدي التمويل كعقبة رئيسية أمام تحويل الخطط إلى واقع. فمشاريع إعادة الإعمار واسعة النطاق في سوريا والبنية التحتية المشتركة (كالاتفاقيات البحرية وطرق النقل والسكك الحديدية) تتطلب استثمارات ضخمة.

إلا أن نجاح إطلاق مجلس الأعمال التركي السوري المشترك (STİK) في إسطنبول مؤخراً، والذي سجل أكثر من 730 طلب عضوية خلال يومين فقط، يظهر وجود رغبة قوية لدى القطاع الخاص في كلا البلدين. كما أن الزيارة التاريخية لوزير التجارة التركي عمر بولات إلى دمشق في أبريل 2025 واتفاق الطرفين على السعي نحو اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، يشيران إلى إطار مؤسسي قيد التشكيل لدعم هذه الشراكة.

وتبدو تركيا وسوريا على أعتاب مرحلة تحول استراتيجي يصل إلى التعاون الاقتصادي الواسع، ويعد إعادة فتح القنصليات وتعيين السفراء الخطوة الأولى العملية في هذا المسار، والتي من شأنها، إذا ما أحيطت بضمانات أمنية وقانونية كافية، أن تطلق العنان لإمكانات اقتصادية هائلة تكمن في الجوار الجغرافي والتكامل الاقتصادي والتاريخ التجاري المشترك.

مشاركة المقال: