الجمعة, 2 مايو 2025 01:42 PM

تزوير العقارات يستشري في سوريا: وزارة العدل تتحرك والحسكة بؤرة الاحتيال

تزوير العقارات يستشري في سوريا: وزارة العدل تتحرك والحسكة بؤرة الاحتيال

في محاولة جادة للحد من تفشي ظاهرة التزوير العقاري، أصدرت وزارة العدل السورية تعميمًا رسميًا بتاريخ 28 نيسان 2025، موجَّهًا إلى المحاكم والدوائر القضائية لاتخاذ إجراءات صارمة لضبط عمليات البيع غير القانونية، التي ازدادت وتيرتها بشكل لافت في عدة محافظات، لا سيما في المناطق الخارجة عن السيطرة المركزية للدولة أو التي تشهد تعطيلًا في عمل المؤسسات القضائية.

وشدّد التعميم على ضرورة التحقق من صحة التسلسل القانوني للملكية، ومطابقة تواقيع وبصمات الأطراف، والتحري عن أي إشارات حجز أو دعاوى قضائية سابقة، خصوصًا في الحالات التي يكون فيها المالكون الأصليون مغتربين أو متوفين أو مفقودين. كما أكدت وزارة العدل على ضرورة أن يتحلى القضاة والمحامون العامون بأقصى درجات الحذر عند تثبيت أي عملية بيع مشكوك في شرعيتها.

تُعد محافظة الحسكة من أبرز المناطق التي شهدت انتشارًا واسعًا لحالات التزوير العقاري، حيث تنشط فيها شبكات منظَّمة تضم سماسرة ومحامين وموظفين، يعملون على تزوير وثائق رسمية وقرارات محاكم مزيفة لنقل ملكيات العقارات دون علم أو موافقة أصحابها الأصليين. ويقول المحامي أحمد العلي من الحسكة إن بعض البيوع تجري رغم وجود إشارات قانونية تمنع البيع، أو تتم دون حضور المالك الأصلي، باستخدام بيانات ووثائق مزورة وشهادات زور، وغالبًا ما تستهدف العقارات المملوكة لمغتربين، وخصوصًا من الطائفة المسيحية، الذين غابوا عن المنطقة لسنوات طويلة.

من بين أكثر طرق الاحتيال انتشارًا في المحافظة ما يُعرف بـ”الاستحواذ الميداني”، حيث يقوم أحدهم بوضع آليات حفر أو معدات بناء داخل عقار ليس ملكًا له، ثم يدّعي لاحقًا أن العقار له، ويدخل في نزاع مع المالك الحقيقي بهدف الضغط عليه للتنازل أو اللجوء إلى حل تراضي مقابل مبلغ مالي، مستغلًا غياب الحماية القضائية أو تعطل المحاكم.

وتتعدد أساليب التزوير العقاري في الحسكة، وتشمل تزوير وكالات قانونية تُستخدم لإتمام بيوع أمام الكاتب بالعدل دون علم المالك الأصلي، أو استغلال تشابه الأسماء لإقناع الجهات المعنية بملكية مزعومة، مستندين إلى شهود زور. كما تُسجَّل حالات تورّط موظفين في السجل العقاري، يقومون بتعديل بيانات الملكية مقابل رشاوى، ما يُسهّل نقل العقارات بطرق غير قانونية. ويستغل البعض غياب المالك الأصلي ويقوم بالاستحواذ على عقار شاغر، ثم يتقدم بدعوى “وضع يد” مدعومًا بشهادات محلية، بهدف كسب الحق فيه بمرور الزمن.

إحدى الحالات التي وثقها مراسل “سوريا 24” في حي الميردين بمدينة الحسكة تعكس حجم المشكلة. فقد تفاجأ أحد المواطنين أثناء زيارته لأرضه بوجود شخص آخر يزعم أنه المالك الجديد، مدعيًا أنه اشترى الأرض ولديه وثائق بيع وقرار محكمة. ويؤكد المتضرر، الذي رفض كشف اسمه، أنه يملك الأرض منذ عام 1979، ولم يقم ببيعها قط. وأضاف أنه يفكر حاليًا بدفع مبلغ مالي لهذا الشخص لإنهاء النزاع، نظرًا لتوقف المحاكم عن العمل في المحافظة، وخوفًا من خسارة ملكيته تمامًا.

الأزمة لا تقتصر على التزوير فحسب، بل تتعقد أكثر بسبب ازدواجية السلطة القضائية في محافظة الحسكة، حيث توجد محاكم تابعة للحكومة السورية، في حين تسيطر الإدارة الذاتية الكردية على الأرض فعليًا. هذا الانقسام يجعل تنفيذ أي حكم قضائي حكومي في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة أمرًا بالغ الصعوبة. ويشير المحامي أحمد العلي إلى أن المالك، حتى لو حصل على حكم قضائي لصالحه، فإنه في الغالب لا يستطيع تنفيذه لأن الجهة التي تسيطر على الأرض لا تعترف بقرارات المحكمة الرسمية. ويضيف أن المحاكم الحكومية في الحسكة متوقفة تمامًا عن العمل منذ أشهر، ما يجعل تقديم أي شكوى أو الاعتراض على عمليات التزوير أمرًا معلقًا إلى أجل غير مسمى.

تُظهر هذه المعطيات الحاجة العاجلة إلى إصلاح قضائي وإداري حقيقي، يشمل توحيد المرجعية القانونية، وتفعيل عمل المحاكم في مناطق النزاع، وإنشاء نظام مركزي موثوق للسجلات العقارية، مع رقابة إلكترونية صارمة. فغياب جهة تنفيذية موحدة وفاعلة يُبقي أصحاب الحقوق عُرضة لفقدان ممتلكاتهم، ويفتح الباب أمام استمرار التزوير كوسيلة ناجحة ومضمونة للاستيلاء على العقارات، في ظل غياب الدولة وضعف الحماية القانونية للمواطنين.

مشاركة المقال: