نزار نمر: يمكن القول إن تعاطي الإعلام اللبناني مع خبر إطلاق سراح المناضل جورج عبدالله كان فاتراً وغير كافٍ في هذه اللحظة التاريخية. والسبب ليس فقط الاهتمام بأخبار الإبادة والمجاعة في غزة، كما كان يأمل عبدالله نفسه، بل لأن معظم وسائل الإعلام تعاملت بفتور مع كلا الخبرين.
استثناءات من إعلام داعم لفلسطين
كانت الاستثناءات قليلة، وغالباً ما أتت من وسائل إعلام تدعم القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاحتلال. بدأت هذه الوسائل ببث مواد عن عبدالله منذ انتشار خبر الإفراج عنه قبل أسبوع، علماً أن بعضها لم ينسه يوماً، وهو ما أشار إليه المناضل في تصريحه. ولوحظ أيضاً اهتمام مواقع وصفحات "مستقلة"، كانت تعتبر من أدوات الحرب الناعمة على المقاومة، بالحدث وتعريف متابعيها بالأسير المحرر.
"الميادين" و"المنار" و"الجديد" وحدها في الميدان
رغم انطلاق البث المباشر على القنوات منذ صباح الجمعة، إلا أن قنوات "الميادين" و"المنار" و"الجديد" فقط استمرت في التغطية المتواصلة، بينما واكبت قنوات أخرى التطورات بشكل متقطع طوال النهار. ومع وصول عبدالله إلى بيروت بعد الظهر، انضمت قنوات أخرى إلى البث المباشر، مثل LBCI وOTV وNBN وحتى "الجزيرة مباشر". عادت معظم القنوات إلى برامجها المعتادة بعد التصريح، قبل أن تعود لنقل وصوله إلى بلدته القبيات مباشرة.
غياب تلفزيون الدولة
كان غياب "تلفزيون لبنان" عن تغطية الحدث مباشرة لافتاً، ويمكن اعتباره وصمة عار على المؤسسة التي تعتبر ملكاً لكل اللبنانيين، ومن المفترض أن تمثلهم جميعاً بمختلف أطيافهم، أو على الأقل أن تمثل دولتهم التي استعادت للتو أحد مواطنيها بعد أربعة عقود من الأسر السياسي.
LBCI: نزع الوطنية عن الأسير المحرر
من جهتها، حاولت LBCI استغلال سيميائيات الصورة وتعديلها بشكل خفي لتوجيهها إلى جمهور معين، فذكرت في مقدمة نشرتها المسائية أن "عبدالله اعتمر الكوفية الفلسطينية والعلم الفلسطيني"، وأن "في مقدم مستقبليه في صالون الشرف نواب من حزب الله وآخرين"، متجاهلة ممثلي الأحزاب اليسارية الذين كانوا موجودين، وعلى رأسهم أمين عام "الحزب الشيوعي اللبناني" حنا غريب الذي كان بجانب عبدالله طوال الوقت.
ولدى نقل وصوله إلى بلدته، قطعت القناة البث لحظة تشغيل النشيد الوطني اللبناني. وإذا كان بالإمكان تبرير التصرف الأخير بعدم الرغبة في إضاعة وقت النشرة، إلا أنه من الواضح أن هناك اتجاهاً تحريرياً في القناة نحو نزع الوطنية عن الأسير المحرر لتصويره على أنه "مجرد واحد من أولئك"، واستغلال دعمه لفلسطين والمقاومة لإضفاء غطاء من المصداقية، كأن دعمهما تهمة أو أنهما يتعارضان مع الوطنية.
Mtv البجعة السوداء
بالطبع، وكعادتها، أبت mtv إلا أن تذكر بكونها البجعة السوداء في مستنقع الإعلام اللبناني. فلم تنقل الحدث أبداً وأكملت برامجها وكأن شيئاً لم يكن. حتى في نشرة أخبارها المسائية، لم تعره أي اهتمام، بخلاف سائر القنوات الأخرى التي أوردته في مقدماتها. القناة التي تتشدق بإعلاء المصلحة الوطنية والسيادة، لا يعنيها عودة مواطن لبناني من الأسر، بل يهمها فقط تسجيل النقاط بطريقة ولادية كونها تتعاطى مع القضية على أنها تعني خصومها السياسيين فحسب، لا لبنان كله. أساساً، ماذا فعل عبدالله غير مقارعة أعداء لبنان، ولماذا يزعج ذلك mtv؟
حان وقت غربلة الإعلام
في المحصلة، صحيح أن جورج عبدالله كان يستحق أفضل من الإعلام اللبناني، لكن في الوقت عينه ذوبان الثلج وتبيان المرج أفضل من ارتداء قشرة جليدية بيضاء تخفي وراءها السواد على طريقة صندوق باندورا. أي إن الجمهور بات بإمكانه غربلة الوسائل الإعلامية ومعرفة أي منها يرتبط بمصالح وأجندات تمنع عنها حتى التضامن مع ابن بلدها، وأي منها لم تضيع البوصلة ولم تفقد إنسانيتها بعد في زمن بات يتسابق فيه القوم لإثبات غياب إنسانيتهم.