السبت, 4 أكتوبر 2025 09:46 PM

تمديد حالة الطوارئ الأمريكية في سوريا: تحليل للدلالات والتداعيات المحتملة

تمديد حالة الطوارئ الأمريكية في سوريا: تحليل للدلالات والتداعيات المحتملة

لا يزال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بالوضع في سوريا يثير جدلاً واسعاً. ينقسم المحللون إلى رأيين: الأول يرى فيه استمراراً للعقوبات والضغط الأمريكي، ويعتبره مؤشراً على إخفاق الدبلوماسية السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني خلال لقاءاتهم في نيويورك وواشنطن. أما الرأي الثاني، فيرى في القرار تعديلاً منهجياً للعقوبات الأمريكية، بحيث تستهدف شخصيات وكيانات مرتبطة بنظام الأسد البائد، وتجارة المخدرات، والتنظيمات الإرهابية، وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. ولا يعتبر أصحاب هذا الرأي القرار انتكاسة لتحسن العلاقات السورية الأمريكية أو لرفع العقوبات الشاملة.

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "العربي الجديد"، أقر الرئيس ترامب تمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بسوريا لعام إضافي. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت حالة الطوارئ الوطنية في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، استناداً إلى قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، للتعامل مع التهديد الذي يشكله الوضع في سوريا على الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية. وفي 15 كانون الثاني/ يناير 2025، أصدر ترامب الأمر التنفيذي رقم 14142 في ضوء تغير الظروف الميدانية في سوريا. وفي 30 حزيران/يونيو 2025، صدر الأمر التنفيذي رقم 14312 لتوسيع نطاق حالة الطوارئ الوطنية المعلنة، واتخاذ خطوات إضافية لضمان المساءلة عن مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار شبكات الاتجار بالمخدرات في سوريا خلال فترة نظام بشار الأسد ومن يرتبطون به.

ترى الوثيقة أن الوضع في سوريا يقوض الحملة ضد تنظيم "داعش"، ويعرض المدنيين للخطر، ويهدد بتقويض السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. ولهذا السبب، يجب أن تستمر حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في الأمر التنفيذي 13894 بتاريخ 14 أكتوبر 2019، والتي اتخذت بشأنها خطوات إضافية في الأمر التنفيذي 14142 بتاريخ 15 يناير 2025، والتي جرى توسيع نطاقها في الأمر التنفيذي 14312 بتاريخ 30 يونيو 2025، إلى ما بعد 14 أكتوبر 2025. وقد ختم ترامب الوثيقة بتمديد حالة الطوارئ الوطنية لمدة عام واحد.

معارضون ومنتقدون لحكومة الرئيس أحمد الشرع، وشخصيات محسوبة على النظام السابق، يرون في القرار انتكاسة للجهود الدبلوماسية للحكومة السورية الجديدة لإسقاط العقوبات. ويعتبرون القرار تعبيراً عن حذر أمريكي في التعامل مع "العهد الجديد". ويرى هؤلاء أن القرار يتيح لترامب فرض إجراءات استثنائية ضد شخصيات أو كيانات، ومنع الشركات الأمريكية والأجنبية من التعامل معهم، وفرض قيود اقتصادية وتجارية سريعة، دون الحاجة لموافقة الكونغرس، في سياق مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات، وحماية المدنيين في سوريا.

بالمقابل، يرى فريق واسع من المراقبين القرار بصورة مختلفة. ومن أبرز الأصوات في هذا الاتجاه، محمد علاء غانم، رئيس السياسات ومدير الشؤون الحكومية في "المجلس السوري الأمريكي"، الذي يمثل "لوبي ضغط" سوري داعم للسلطات الجديدة في دمشق. وقد أوضح غانم قراءته المختلفة للقرار، مشيراً إلى أن ترامب ألغى بموجب مرسومه الصادر في ٣٠ حزيران ٢٠٢٥ حالة الطوارئ المتعلقة بسورية، التي فرضت للمرة الأولى عام ٢٠٠٤ أيام الرئيس جورج بوش وجددت كل عام حتى عام ٢٠٢٥. وأضاف أن ترامب كان قد أعلن حالة طوارئ أخرى عام ٢٠١٩ بموجب مرسوم رقم ١٣٨٩٤ للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وتجارة المخدرات التي كانت تجري في عهد الأسد حينها. وفي المرسوم الصادر في ٣٠ حزيران ٢٠٢٥، أبقى ترامب حالة الطوارئ هذه ووسعها بحيث يبقى عند الحكومة الأميركية أساس قانوني لإبقاء العقوبات على الأسد وأزلامه رغم رفع العقوبات الذي جرى، ولفرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي جرائم الحرب في سورية وتجار المخدرات من تلك الحقبة مستقبلاً إن لزم الأمر.

من جانبنا، في "اقتصاد"، نرى أن التمديد الأمريكي الأخير لحالة الطوارئ الخاصة بسوريا يستهدف الإبقاء على العقوبات التي تخص رموز وشخصيات النظام البائد، والمرتبطين بهم، وما يتعلق بتجارة المخدرات المستمرة حتى الآن، والمرتبطة بشخصيات كانت تعمل سابقاً مع النظام البائد، وكذلك ما يرتبط بتنظيم "الدولة الإسلامية – داعش". وفي الوقت نفسه، يتيح القرار لترامب فرض عقوبات على شخصيات أو كيانات سورية، في حالة تورطت في انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في سوريا، مستقبلاً. مما يعني أن "سيف العقوبات" قد يفرض على شخصيات وكيانات مرتبطة بالسلطة الحالية، إن تورطت في انتهاكات لحقوق الإنسان. كما أن هذه العقوبات ستبقى مسلطة على شخصيات النظام البائد، مما يجعل احتفال بعض "أنصار الأسد" بالقرار أمراً غير مفهوم.

اقتصادياً، قد يدفع تمديد حالة الطوارئ الأمريكية الخاصة بسوريا شركات دولية باتجاه درجة أعلى من الامتثال، وتجنب السوق السورية، خشية الوقوع في هامش العقوبات التي ما تزال قائمة الآن، أو التي قد تفرض مستقبلاً، مع أي توتر في العلاقات بين دمشق وواشنطن. وهو ما يتطلب من السلطات في دمشق مزيداً من الحذر في التعامل مع واشنطن، بغية الحفاظ على النبرة الدبلوماسية الإيجابية الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين تجاهها، إلى جانب استمرار التعاون وتطويره، مما قد يخلق هامشاً أكبر من رغبة "المغامرة" باتجاه السوق السورية، لدى عدد أكبر من الشركات الإقليمية والدولية، في ضوء إيجابية العلاقة السورية - الأمريكية. مما يجعل القرار الأخير أداة ضغط.

مشاركة المقال: