الأحد, 22 يونيو 2025 11:50 PM

توقف السجل المدني في دير الزور يعيق تسجيل عشرات الآلاف من الولادات والوفيات

توقف السجل المدني في دير الزور يعيق تسجيل عشرات الآلاف من الولادات والوفيات

دير الزور – نورث برس

لم يتمكن عبد الستار الغانم (42 عامًا)، وهو من سكان محافظة دير الزور شرقي سوريا، من تسجيل ابنه ذي الخمس سنوات في دائرة السجل المدني (النفوس) حتى الآن، وذلك بعد إبلاغه من قبل الموظفين بتعليق تسجيل الوقائع في الوقت الراهن. وتتولى دوائر السجل المدني، التابعة إداريًا لوزارة الداخلية السورية، تسجيل الأحداث الحيوية كالمواليد والزواج والطلاق والوفيات، وإصدار الوثائق الرسمية اللازمة لإجراء المعاملات القانونية الأخرى.

خارج السجلات

أوضح “الغانم” لنورث برس أنه لم يتمكن طوال السنوات الماضية من تسجيل ولده بسبب تواجد الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق في دير الزور، خوفًا من الاعتقال والسجن. وأضاف أنه تفاجأ بعدم قدرته على تسجيل ابنه في دائرة السجل المدني رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على سقوط النظام.

منذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وعلى أعقاب سقوط النظام السابق، يواجه السوريون صعوبة في إنجاز أي معاملة تتعلق بالأحوال المدنية (النفوس)، نتيجة لتوقف مديرية “الشؤون المدنية” في سوريا عن تسجيل الوقائع الجديدة وإصدار البطاقات الشخصية.

تسبب سقوط النظام بتعطيل المؤسسات الحكومية لفترة وجيزة، إلا أن أعمال السجل المدني في سوريا لا تزال متوقفة حتى الآن، مما يعيق معاملات السكان في تسجيل الأحداث الحيوية واستخراج الأوراق الثبوتية، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على تثبيت قيود أطفالهم الذين ولدوا خلال السنوات الماضية، مما يجعلهم مجهولي الهوية وخارج السجلات الرسمية.

يطالب سكان في دير الزور الحكومة السورية الجديدة بإعادة تفعيل دائرة السجل المدني لتمكينهم من تسجيل الأحداث الحيوية الحديثة أو حتى الحالات التي تعود إلى فترة حكم النظام السابق. كما لا يستطيع السوريون المقيمون في الخارج تسجيل مواليدهم الجدد في السفارات السورية حتى الآن.

وفقًا لأحدث التقديرات المعتمدة على بيانات من الأمم المتحدة، شهدت سوريا خلال الفترة من 9 كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى 20 أيار/ مايو 2025 ما يقارب 269 ألف ولادة جديدة و55,4 ألف حالة وفاة.

عوائق قانونية

لم يتمكن عبد الجبار العمر، من سكان مدينة دير الزور، من إتمام معاملة قانونية في دائرة السجل المدني بعد أن طلب الموظف شهادة وفاة لوالده، رغم تقديمه أوراقًا تثبت واقعة الوفاة صادرة عن المجلس المحلي في مدينة الباب الذي كان يتبع لفصائل المعارضة السورية قبل سقوط النظام.

أفاد “العمر” لنورث برس بأن دائرة السجل المدني في دير الزور رفضت الاعتراف بالأوراق الثبوتية التي يحملها، وطلب موظفوها منه الانتظار حتى إعادة تفعيل الدائرة لتسجيل واقعة وفاة والده ومن ثم استكمال إجراءات المعاملة القانونية التي يقوم بها.

يرى المحامي محمد العلّوش أن تعطيل تسجيل الوقائع في دائرة السجل المدني في دير الزور أصبح بمثابة معضلة قانونية تعرقل تسيير معاملات المواطنين الذين يرغبون في استكمال أوراقهم الثبوتية أو إدخال بيانات جديدة لوقائع حدثت حديثًا أو سابقًا ولم يتم تسجيلها خلال فترة سيطرة النظام السابق.

أوضح “العلوش” في حديث لنورث برس أن معظم الدعاوى القانونية تتطلب استخراج أوراق ثبوتية أو تسجيل وقائع لم تسجل لضمان قانونية الدعوى وبيان الحقوق، خاصة في معاملات الطلاق وحصر الإرث، إلا أن تعطيل تسجيل الوقائع يعرقل هذا الأمر في الوقت الحالي.

وأضاف أن بعض السكان يضطرون للسفر إلى العاصمة السورية دمشق لتسجيل الوقائع الحديثة، خاصة الولادات، مع تحمل مشقة السفر والتكاليف المالية الباهظة التي قد لا تقوى عليها بعض الأسر، والتي قد تتجاوز في كثير من الأحيان مليون ليرة سورية.

وأشار إلى أن تعطيل تسجيل الوقائع لا يقتصر على دوائر السجل المدني داخل سوريا، بل يتجاوزها إلى القنصليات والسفارات العاملة خارج سوريا في الدول التي يتواجد بها السوريون، والذين لا يستطيعون حاليًا تصديق تسجيل الوقائع.

مع غياب الوثائق الأصلية أو صعوبة تصديقها من الجهات الرسمية السورية، يجد السوريون أنفسهم في حالة من الفراغ القانوني، حيث تترك هذه الفجوة آثارًا مباشرة على حياة الأفراد وعلى حقوقهم الأساسية، كالحصول على الإقامة، أو تسجيل الأطفال والسفر، مما يجعل هذه الأزمة واحدة من أبرز التحديات الإدارية والحقوقية التي تواجه السوريين في الداخل، كما في دول اللجوء والإقامة.

ماذا يجري؟

أفاد عبد الرحمن محمد، وهو موظف في دائرة السجل المدني في دير الزور، لنورث برس، أن سبب تعطيل وتعليق تسجيل الوقائع الحديثة أو التي وقعت سابقًا ولم يتم تقييدها، هو قيام وزارة الداخلية في الحكومة السورية الانتقالية بتشكيل لجنة لدمج بيانات المواطنين وتوحيد الشبكة ضمن كافة المحافظات السورية.

وأضاف أن دوائر السجل المدني تواجه ضغوطًا كبيرة بسبب الطلبات المقدمة لتسجيل الوقائع الحديثة أو التي لم تسجل سابقًا، لذلك ارتأت وزارة الداخلية اتخاذ قرار تشكيل اللجنة.

ودعا الموظف الحكومي المراجعين إلى دائرة السجل المدني لإجراء المعاملات بالتريث قليلًا للمساعدة في الحصول على الخدمات الجيدة بعد استكمال الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية لتحديث ودمج بيانات مواطني سوريا.

حتى اللحظة، لا تزال وزارة الداخلية السورية تلتزم الصمت حيال الأسباب وراء تعليق تسجيل الوقائع المدنية، في وقت تتزايد فيه شكاوى السكان داخل سوريا وخارجها من تعطل مصالحهم بسبب هذا القرار.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: