الثلاثاء, 2 سبتمبر 2025 09:56 PM

جنوب دمشق: سنوات الحصار والجوع تروي فصولاً من المعاناة والتحدي

جنوب دمشق: سنوات الحصار والجوع تروي فصولاً من المعاناة والتحدي

دمشق-سانا: بعيون يائسة تتوق لرغيف خبز يسدّ جوعها، انتظر أطفال جنوب دمشق سنوات طويلة خلال الثورة ليحصلوا على القليل من شوربة البهارات وسط الركام. لقد خاطروا بحياتهم تحت القصف الجوي ونيران قوات النظام البائد، وخاضوا بذلك "حرب الأمعاء الخاوية"، مسجلين ملحمة عظيمة بدمائهم.

التجويع والتعطيش تزامناً مع القتل والقصف

لقد كانت سياسة التجويع والتعطيش التي فرضها نظام الأسد على المناطق التي ثارت ضده منذ عام 2011، تستهدف المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء. وأدت هذه السياسة إلى استشهاد المئات بسبب الجوع، وفقًا لتقارير أممية وثقت هذه الأحداث على أرض الواقع ووصفتها بأنها "جرائم حرب ضد الإنسانية".

الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات العديدة التي تم توثيقها من جنوب دمشق تظهر مدنيين، معظمهم من الرضع والأطفال وكبار السن، بأجساد هزيلة. كما أظهرت آخرين يتناولون الأعشاب وفتات الخبز وبقايا الطعام، أو يتوفون نتيجة التجويع والتعطيش، وانتشار الأمراض النادرة ونقص الأدوية والعلاج، بسبب الحصار الشديد الذي كان يهدف إلى إخراجهم من مناطقهم، وتحويلهم إلى أداة ضغط على الثوار، بالإضافة إلى القصف بالبراميل المتفجرة.

قطع مياه الشرب عن السكان

جريمة قطع المياه تضاف إلى السجل الدموي للنظام البائد، الذي أوقف تغذية مخيم اليرموك عبر شبكة المياه القادمة من المناطق المجاورة في شهر أيلول 2014. هذا الأمر أجبر المؤسسات الإغاثية في ذلك الوقت على استصلاح وتشغيل بعض الآبار الارتوازية، لكن بعض الأهالي اضطروا لشرب المياه الملوثة، وتم تشخيص حالات إسهال حاد والتهاب أمعاء والعديد من حالات التسمم والتلبك المعوي والرمل وغيرها من الأمراض، وخاصة بين الأطفال، على الرغم من المحاولات المتواضعة لتنقية المياه داخل المناطق المحاصرة.

منمنمات الحياة تحت الحصار.. شهادة حيّة من صحفي

يشرح الصحفي السوري ضياء محمد لـ سانا الثقافية، في معرض حديثه عن تفاصيل مكافحة الجنوب الدمشقي لحرب التجويع، أنه في خضم الحصار وبعد نفاد الطعام والمواد الغذائية والطحين، تعددت طرق إيجاد البدائل لكل شيء مفقود، لدرجة لم يكن شيئاً مستغرباً لاستخدامه. ومن هذه البدائل، وفقًا لضياء، طحن العدس بدلاً من القمح لصناعة الخبز، وتنكيه الماء بما توفر لدى المحاصرين من بهارات لتتحول إلى (شوربة البهارات)، ولكن بعد مدة زمنية بسيطة اختفى دقيق العدس، فلجأ آخرون أحيانًا لصنع (خبز الكزبرة).

ورق الصبّار وقطع المخلل والفجل وجدت طريقها أيضاً لحياة المحاصرين عبر القلي بالزيت وفقاً لتوثيق الصحفي ضياء، كما تناولوا أعشاباً منوعة مثل (رجل العصفورة) وهي عشبة قريبة من السبانخ، والخبيزة والبقدونس، بالتالي تحولت الخضراوات إلى الغذاء الأساسي للسكان تقريباً، لافتاً إلى أن الأهالي كانوا يبتكرون أطباقاً تناسب الحصار.

ويشير الصحفي ضياء إلى أن بعض الأهالي اضطروا لتناول معلبات منتهية الصلاحية، ما سبب انتشار أمراض معوية مثل الإسهال والانتفاخ، لكنها لم تكن قاتلة في معظم الحالات.

غلاء فاحش للأسعار

يؤكد الصحفي ضياء أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت تدريجياً بين عامي 2013 و 2014، وتضاعفت أسعار الأرز والبرغل والسكر نحو 100 ضعف عن المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد، ولجأ بعض الأهالي إلى استخدام أدوية السكرين كبديل عن السكر في الشاي.

فيما كانت الفيتامينات والمقويات الضرورية لحياة أي إنسان، وخاصة الأطفال وذوي الإعاقة، ضرباً من الخيال وفقاً للصحفي ضياء، أما بالنسبة لكبار السن، فلم يكن هناك رعاية بالمعنى الدقيق، وذلك بسبب نفاد أدويتهم جراء الحصار المميت الذي خضعت له المنطقة.

اللجوء للبساتين والأراضي

يقول الصحفي ضياء: "فقدت المنطقة مساحات زراعية واسعة، ما جعل السكان محاصرين في بيئة حضرية، باستثناء بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، حيث استمر بعض السكان بممارسة الزراعة، لكنها لم تكن كافية لسد احتياجات الجميع، وخاصة مع ارتفاع الأسعار".

ويضيف: "أظن أن البيئة التي يعمل سكانها بالزراعة كانت الأكثر قدرةً على التكيف مع الحصار، حيث اعتادت في حياتها سابقاً على تجفيف وتموين المونة المنزلية، وهم يشكلون نسبة ضئيلة مقارنة بسكان المناطق الأخرى والمناطق المهجّرة".

التجويع يتسلل من الحصار المطبق إلى العالم

تلك المآسي لم تبقَ حبيسة سوريا كما أراد النظام، بل بادرت منظمة العفو الدولية في آذار 2014 لإصدار تقرير حول ما يجرى بحق الفلسطينيين والسوريين في مخيم اليرموك بعنوان "امتصاص الحياة من مخيم اليرموك"، متحدثةً عن وفاة نحو مئتي شخص منذ تشديد الحصار في تموز 2013، ومنع دخول المعونات الغذائية والطبية، وصنعت عدة أفلام وثقت لحجم المعاناة مثل الفيلم الوثائقي (حب في الحصار) لمطر إسماعيل، وفيلم (رسائل من اليرموك) لنراز سعيد.

مشاركة المقال: