بدأ مصرف سوريا المركزي مهمة إصدار أوراق نقدية جديدة كجزء من خطة مالية تهدف إلى استعادة الثقة في الليرة السورية، التي فقدت أكثر من 98% من قيمتها أمام الدولار منذ عام 2011. تتضمن هذه الخطوة حذف صفرين من العملة ووضع صورة بشار الأسد عليها. السؤال المطروح: هل تنجح هذه الخطوة في إنعاش الاقتصاد السوري الذي انكمش بنسبة 1.5% في عام 2024 وفقًا لبيانات البنك الدولي؟ وهل ستساهم في الحد من التضخم؟ وما هي إيجابيات وسلبيات ومخاطر إصدار ليرة جديدة؟
في يوليو الماضي، أبرمت الحكومة السورية اتفاقية مع شركة "جوزناك" الروسية الحكومية، تتولى بموجبها طباعة الأوراق النقدية الجديدة بمواصفات فنية عالية وتقنيات حديثة تمنع التزوير. تجدر الإشارة إلى أن "جوزناك" هي نفس الشركة التي كانت تطبع العملة في عهد الأسد، بحسب رويترز.
ماذا يعني حذف صفرين من الليرة السورية؟
أوضح حازم عوض، كبير المحررين الماليين في فورتشن العربية، لـ"النهار" أن الحكومات تلجأ إلى حذف الأصفار من عملتها كإجراء فني وتنظيمي للنظام المصرفي، كما فعلت تركيا في عام 2005 والسودان في عام 2007 وفنزويلا في عامي 2018 و2021. يهدف هذا الإجراء إلى تحقيق تحسن ظاهري في معدل التضخم، وتيسير المعاملات اليومية، وتحسين الإجراءات المحاسبية عند وضع موازنة الدولة ومراجعتها، بالإضافة إلى القضاء على الاقتصاد الموازي وغسيل الأموال وظاهرة الدولرة المنتشرة في سوريا مؤخرًا.
وأضاف عوض أن هذه الخطوة، بالإضافة إلى التحسن الظاهري في شكل العملة والتعاملات المصرفية اليومية، ستساهم بشكل غير مباشر في إحداث تحسن جوهري في الاقتصاد ككل، يظهر في تباطؤ معدلات التضخم وتعافي قيمة الليرة وتحسن الناتج المحلي. يعتمد ذلك على عوامل عدة، منها الإصلاحات التي تجريها الحكومة السورية الحالية على النظام المصرفي، ورفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا، وتحسن العلاقة بين سوريا والاتحاد الأوروبي، وتراجع معدل التضخم العام. وتشير التوقعات إلى انخفاض التضخم من 120.6% إلى 36.8% خلال الفترة من مارس 2024 إلى فبراير 2025. هذه المؤشرات دفعت البنك الدولي إلى توقع نمو في إجمالي الناتج المحلي السوري بنسبة 1% بنهاية عام 2025، وفقًا لتقرير "تقييم الاقتصاد الكلي والمالية العامة في سوريا – 2025" الصادر في يوليو الماضي.
وعن سعر الليرة السورية بعد حذف صفرين، أوضح عوض أن السعر الحالي هو 10,900 ليرة لكل دولار، وبعد الحذف سيصبح 109 ليرات للدولار.
خطة المركزي السوري للإصلاح
يعتزم المركزي السوري طرح العملة الجديدة على 3 مراحل: الأولى هي طرح العملة وتداولها بجانب الفئات الحالية خلال فترة متوقعة في منتصف أكتوبر المقبل، والثانية هي بدء تبديل الفئات القديمة بالعملة الجديدة عبر البنوك خلال ديسمبر المقبل، والثالثة هي تعميم العملة الجديدة وجعل تبديلها حصريًا على مصرف سوريا المركزي.
لا تقتصر خطط مصرف سوريا المركزي على حذف صفرين وإصدار ورقة نقدية جديدة لا تحمل صورة بشار الأسد أو والده، بل تشمل إعادة هيكلة المصارف المحلية ومنح تراخيص لبنوك محلية وأجنبية جديدة، ورفع القيود المفروضة على حركة الأموال، والدخول في مفاوضات للانضمام إلى نظام سويفت (SWIFT) المالي العالمي لربط الليرة السورية بسلة العملات الدولية، بهدف استعادة الثقة في الاقتصاد السوري وجذب الاستثمارات، وفقًا لتصريحات عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي.
مخاطر إصدار عملة جديدة
أشار عوض إلى أن الخطر الأول هو إنفاق أموال طائلة على إصدار عملات نقدية جديدة من أجل تحقيق تحسن ظاهري في معدل التضخم، وكان الأولى توجيه هذا الإنفاق لمشروعات اقتصادية ذات أولوية. الخطر الثاني هو انعدام الثقة في الاقتصاد السوري إذا لم يقترن إصدار العملات النقدية بتحسن واقعي في جميع المؤشرات الاقتصادية. أما الخطر الثالث فهو عودة الأصفار، كما حدث في السودان وفنزويلا.