عنب بلدي – موفق الخوجة
خسر عارف (70 عامًا) ثمانية دونمات (نحو 8000 متر مربع) على الأقل، لصالح مشروع مخيم تبنيه مؤسسة إدارة الكوارث التركية (آفاد)، بالاشتراك مع "المجلس المحلي لمدينة أخترين"، لإسكان نازحين سوريين، دون أي تعويض. واضطر المزارع السبعيني إلى قلع نحو 60 شجرة زيتون، يبلغ عمرها 26 عامًا، بسبب تضررها من مرور آليات البناء في أرضه.
يمتلك عارف أرضًا مساحتها 2.4 هكتار، تصل بين قريتي برعان وقعركلبين التابعتين لمدينة أخترين، ورثها عن والده، ويملك "طابو أخضر" باسمه يثبت ملكيته لها. استحوذت الجهات التي تبني المخيم على أراضٍ لم يتمكن عارف من تشجيرها بسبب طبيعتها الصخرية، ووعدته المنظمة بـ"إرضائه" دون أن تحدد نوع التعويض.
وتُنشئ "آفاد" مخيمًا للنازحين على أراضٍ بين قرى برعان وشدود وقعركلبين، تعود ملكيتها للدولة، ثم توسعت لتستولي على أراضٍ خاصة تعود ملكيتها لأهالي المنطقة دون الرجوع إليهم.
بدأت "آفاد"، بصفتها الجهة التنفيذية والممولة، ببناء المخيم قبل نحو ستة أشهر، أي قبل سقوط النظام السوري السابق، ليستفيد منه نازحون سوريون، بالاشتراك مع "المجلس المحلي" الذي يشرف على عمليات البناء، وتأمين الغطاء القانوني، والتواصل مع الأهالي.
تواصلت عنب بلدي مع مؤسسة "آفاد" التركية عبر إرسال بريد إلكتروني في 11 نيسان الماضي، للاستفسار حول طبيعة المشروع والرد على اتهامات الأهالي، لكنها لم تتلقّ ردًا. وأعادت إرسال بريد آخر للتذكير في 22 من نيسان، دون الحصول على رد أيضًا.
من جانبه، قال عبد الله النايف، المسؤول الإعلامي لـ"المجلس المحلي لمدينة أخترين"، إن الهدف من إنشاء المخيم هو إزالة المخيمات العشوائية المنتشرة في ريف حلب الشمالي، ونقلها إلى مخيم أكثر تنظيمًا، وقد تشمل هذه المخيمات تلك الموجودة على الأراضي التركية مستقبلًا.
تشارك في بناء المخيم نحو 50 آلية، على أرض تُقدّر مساحتها بـ31 هكتارًا، ويضم أكثر من 3000 وحدة سكنية، تستوعب نحو 1500 عائلة. ويُزوّد المخيم ببنية تحتية وخدمية متكاملة تشمل مدارس، ومساجد، وأسواقًا، وفرنًا، ومرافق ومراكز صحية، وفق ما ذكره المجلس المحلي لعنب بلدي.
أُجبروا على البيع
أُجبر أحمد (45 عامًا)، من قرية شدود التابعة إداريًا لمدينة الباب شرقي حلب، ويعمل مدرسًا، على بيع قطعة من أرضه لصالح منظمة "آفاد". عرضت المنظمة على أحمد شراء الأرض بسعر يُقدّر بأقل من دولار ونصف للمتر المربع، لكنه اعترض على السعر واعتبره "مجحفًا"، وتمكن في النهاية من الحصول على سعر دولارين للمتر.
لم يكن أحمد يرغب ببيع أرضه بدايةً، لكنه اضطر لذلك بحكم الأمر الواقع، بعد أن بدأت أعمال البناء وتضررت المزروعات والأشجار، ولم يجد بديلاً عن البيع.
لكن النايف قال إن المجلس عوّض أصحاب الأراضي بمبالغ تفوق القيمة الحقيقية، مضيفًا أن المجلس مستعد لتعويض أي شخص بُني جزء من المشروع على أرضه.
وبحسب شهادات من أهالي القرى التي اقتُطع المشروع من أراضيهم، حصل المتضررون على تعويض يُقدّر بنحو 16 ألف دولار أمريكي للهكتار الواحد (الهكتار = 10 دونمات)، لكنهم أجمعوا على أنهم لم يكونوا ليبيعوا لولا الضرر الذي لحق بأراضيهم وبدء عمليات البناء. وأشار الأهالي إلى أن قيمة التعويض اختلفت بحسب طبيعة الأرض وموقعها.
مشروع يعود بالنفع
قال عبد الله النايف إن السكان المجاورين للمخيم سيستفيدون من المشروع نتيجة النشاط التجاري الناتج عن الأسواق والمرافق المقامة.
وحول استخدام الآليات للأراضي أثناء مرورها، أوضح أن كوادر المشروع تستخدم طرقًا زراعية غير معبدة، مشيرًا إلى أن هذه الطرق سيتم تعبيدها ليستفيد منها الأهالي أيضًا.
وأضاف أن المجلس اشترى الأراضي بدلًا من استئجارها، بسبب التكلفة العالية للمشروع، وذلك بهدف تأمين جميع الخدمات والبنية التحتية. وأوضح أن المجلس وضع خطة طويلة الأمد لتحويل المشروع، الذي بُني لأسباب طارئة (النزوح بسبب العمليات العسكرية)، إلى قرية سكنية متكاملة، مشابهة للتجمعات السكنية الدائمة.
أضرار أخرى
تضررت الأبنية السكنية المجاورة، والأراضي الزراعية، وممتلكات أصحاب المواشي في القرى المحيطة بالمخيم، نتيجة أعمال البناء، بما فيها التفجيرات والغبار، ما ألحق أضرارًا بالأشجار والمراعي التي يعتمد عليها السكان في الرعي.
قال محمد المصطفى (50 عامًا)، الذي يسكن بمزرعة قريبة من المخيم، إن تفجيرات الصخور أثناء البناء أدّت إلى أضرار في المنازل القريبة، فضلًا عن الغبار والأتربة التي أضرت بالمزروعات. وأشار شقيقه، كمال المصطفى، إلى خروج عدد من المزارعين في مظاهرات احتجاجية ضد المشروع، طالبوا خلالها "المجلس" و"آفاد" بإيقاف البناء بسبب الأضرار التي لحقت بهم، لكن المظاهرة فُضّت دون الاستجابة لمطالبهم.
وأظهرت تسجيلات مصورة حصلت عنب بلدي على نسخة منها، تضرر أشجار زيتون نتيجة عمليات تسوية الأرض بالحجارة.
من جهته، وعد النايف بتعويض جميع الأضرار، مطالبًا السكان بالتوجه إلى المجلس لحصر الأضرار تمهيدًا لتعويضهم.
ما الموقف القانوني؟
قال مسؤول المكتب الإعلامي في المجلس إن عدة جلسات عُقدت مع الأهالي قبل بدء المشروع، ثم توقفت وأُعيد استئنافها لأسباب داخلية.
وأضاف أن المجلس، بصفته جهة تنفيذية حكومية، يحق له استملاك الأراضي الخاصة لتنفيذ مشاريع ذات نفع عام، مقابل تعويضات تُحدّدها المحكمة. وأوضح أن المجلس عرض على الأهالي مبالغ تفوق القيمة الحقيقية للأرض، تجاوزًا للمدة الزمنية الطويلة التي تتطلبها المحاكمات.
من جانبه، يرى الخبير القانوني عبد الناصر حوشان أن تصرف المجلس لا يتوافق مع الإجراءات القانونية والدستورية الخاصة بالاستملاك، مشيرًا إلى أن القانون والدستور السوري يحميان الملكية الخاصة.
وقال حوشان إن النص الدستوري لا يُجيز التعدي على الملكيات الخاصة إلا للمنفعة العامة، كإنشاء مدارس، أو مستشفيات، أو طرق، أو مساجد، مشترطًا وجود قانون وتعويض مناسب. وأشار إلى أن قانون الاستملاك يتضمن إجراءات ضابطة، تبدأ برفع المشروع إلى الوحدة الإدارية متضمنًا أسبابه وأهدافه، ثم يُحال إلى المصالح العقارية، ويُستكمل عبر لجان مالية وتقديرية وصفها بـ"المعقدة".
تنص المادة 2 من القانون رقم 20 لعام 1983 على: "يجوز للوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والجهات الإدارية ولجهات القطاع العام أن تستملك العقارات المبنية وغير المبنية، سواء كانت ملكًا صرفًا أو ملكًا للوقف، أو مثقلة بحق وقفي، وذلك لتنفيذ مشاريعها ذات النفع العام المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي".
آمال بهدم المخيمات
تتجه آمال السوريين إلى إزالة مخيمات النزوح في الشمال السوري بعد سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول 2024.
وكانت مناطق شمال غربي سوريا قد شهدت انتشارًا واسعًا للمخيمات، التي استقبلت نازحين من مختلف المناطق السورية جراء العمليات العسكرية بين المعارضة والنظام السابق، والقصف الذي استهدف المناطق السكنية. وسكن أكثر من مليوني شخص في مخيمات، بعضها عشوائي والآخر أكثر تنظيمًا، وسط أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة استمرت لسنوات.
ورغم سقوط النظام، لا تزال معظم المخيمات قائمة، بسبب تأخر عمليات الإعمار وعودة محدودة للنازحين، نتيجة تدمير منازلهم، وعدم كفاية الخدمات، وخطر الذخائر غير المنفجرة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن نحو 333,000 شخص فقط غادروا المخيمات في شمال غربي سوريا، منذ كانون الأول 2024 حتى نهاية نيسان 2025، بينما لا يزال نحو 7.4 مليون نازح داخل سوريا.