الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 01:34 AM

حلب: هل يخفف قرار تخفيض أسعار المحروقات من وطأة الغلاء المعيشي؟

حلب: هل يخفف قرار تخفيض أسعار المحروقات من وطأة الغلاء المعيشي؟

في ظل الارتفاعات المتواصلة في الأسعار التي أثقلت كاهل سكان حلب، وتحول الحصول على الاحتياجات الأساسية إلى تحد يومي لمعظم الأسر، جاء قرار الحكومة الأخير بتخفيض أسعار المشتقات النفطية بمثابة بصيص أمل ينتظر المواطنون أن يترجم إلى تحسن ملموس في الأسواق. بين التفاؤل الحذر والشكوك العميقة، نحاول استكشاف انعكاسات هذا القرار على المستهلكين وعلى مختلف حلقات الإنتاج والتوزيع والتجارة.

أسعار غير مسبوقة

شهدت أسعار المواد الغذائية في حلب خلال الأسابيع الماضية مستويات قياسية، حيث ارتفعت أسعار الخضروات بشكل ملحوظ، ووصلت أسعار اللحوم الحمراء إلى مستويات غير معقولة، متجاوزة 130 ألف ليرة سورية للكيلوغرام في معظم نقاط البيع، بينما بلغت أسعار اللحوم البيضاء ما يقارب نصف هذه القيمة. وحتى البقوليات، التي كانت تعتبر "الملاذ الأخير لذوي الدخل المحدود"، لم تعد في متناول الفقراء بعد ارتفاع أسعارها أيضاً.

يقول سامي عبيد، وهو موظف حكومي وأب لخمسة أطفال: "أصبحنا نقتصد في كل شيء، وحتى البيض الذي كان يعتبر وجبة الفقير لم يعد متاحاً يومياً. نسمع بقرارات التخفيض، لكننا لم نلمس أي فرق في الأسواق. نأمل أن تكون هذه المرة مختلفة".

خطوة في التوقيت الأصعب

اتخذت الحكومة مؤخراً قراراً بتخفيض أسعار المحروقات في محاولة لوقف موجة الغلاء التي اجتاحت جميع السلع الاستهلاكية. ويتفق العديد من الاقتصاديين على أن تكلفة النقل والطاقة تشكل نسبة كبيرة في تحديد أسعار السلع، سواء في الإنتاج أو النقل أو التخزين. يوضح الاقتصادي فادي حمود أن قرار تخفيض أسعار المحروقات يمكن أن يخفض أسعار السلع بنسبة تتراوح بين 20 و 30 بالمئة، بشرط التزام جميع حلقات الإنتاج والتوزيع بتطبيق انعكاسات هذا التخفيض. فالتكلفة التشغيلية للمنتجات الزراعية والصناعية تعتمد بشكل مباشر على الطاقة، وبالتالي يجب أن يظهر أي تخفيض في أسعار المحروقات في السوق خلال أسبوع إلى أسبوعين. ويضيف: "المشكلة ليست في القرار، بل في آلية نقله إلى المستهلك. هنا يأتي دور الرقابة ونظام الفوترة ومحاسبة المحتكرين".

يحتاج لمتابعة

داخل سوق اللحوم في حلب القديمة، يؤكد عدد من الباعة أن السبب المباشر للأسعار الحالية هو ارتفاع تكاليف النقل والأعلاف والطاقة. يقول أمين الصطوف، أحد تجار اللحوم: "إذا خفضت الحكومة سعر المحروقات، فهذا يساعدنا، ولكن ليس فوراً. نحتاج إلى وقت حتى تنخفض تكاليف النقل والأعلاف وتوصلنا للأسعار الجديدة. وإذا انخفضت التكاليف فعلاً، فمن الممكن أن ينخفض السعر، وإلا لا يمكن أن نخسر". وفي سوق الهال، يؤكد تاجر الخضار "محمود. س" أن الانخفاض يمكن أن يكون سريعاً في السلع اليومية، فالخضار والفواكه سلع سريعة الدوران، وإذا انخفض سعر النقل فعلاً، فمن المفترض أن يتضح الفرق خلال أيام، ولكن الأمر يحتاج لمتابعة، لأن هناك أناساً دائماً يستغلون الوضع.

هل تتحقق السلسلة الإيجابية؟

يعتمد الإنتاج الزراعي والصناعي في حلب على المحروقات، سواء في تشغيل المضخات الزراعية أو نقل المنتجات من الريف إلى المدينة أو تشغيل الورشات والمعامل أو تبريد وتخزين السلع الغذائية، وأي تخفيض في تكلفتها يعني تحسين القدرة الإنتاجية وخفض التكاليف النهائية. يقول محمد عبد العزيز، صاحب ورشة ألبان: "نصرف يومياً مبالغ كبيرة على المازوت، وإذا انخفض سعره فعلاً، نستطيع أن نخفض سعر اللبن والجبنة قليلاً. المستهلك أصبح مرهقاً، ونحن كذلك".

بين التفاؤل والحذر

عبرت العديد من الأسر التي التقتها صحيفة "الثورة" عن أملها في أن ينجح القرار في تخفيف الضغط الاقتصادي. تقول سلمى أحمد، ربة منزل: "أصبحنا نقتني نصف الكميات ونحذف مواد كثيرة من المائدة. إذا انخفضت الأسعار فعلاً، وبمجرد ما نعود ونشتري اللحم كل شهر أو حتى شهرين مرة واحدة، سيكون ذلك بالنسبة لنا إنجازاً!". يعود الاقتصادي حمود ويلخص مستقبل الأسعار بعد قرار تخفيض المحروقات بنقطتين، تتمثلان في التطبيق الكامل الذي يجبر كل حلقات الإنتاج والنقل والتوزيع على تمرير الانخفاض للمستهلك، والرقابة الصارمة التي من دونها لن يلمس المواطن أي تغيير. ويختتم قائلاً: "الحل ليس سحرياً، لكنه واقعي. القرار خطوة مهمة، أما نجاحه فيعتمد على الإرادة الجادة بتطبيقه".

قرار يعيد التوازن

يشكل القرار الحكومي بتخفيض أسعار المحروقات خطوة إيجابية في ظرف اقتصادي شديد التعقيد، ولكنه لا يكفي وحده ما لم تتكامل معه رقابة اقتصادية فعالة والتزام التجار ومتابعة حكومية يومية وتطبيق قانون حماية المستهلك وضبط تكاليف الإنتاج والنقل. وحدها هذه المنظومة يمكن أن تمكن المواطن من رؤية أثر حقيقي ينعكس على سلة طعامه ولقمة عيشه.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة

مشاركة المقال: