الخميس, 18 سبتمبر 2025 12:20 AM

خبير يقترح حلولاً جذرية لمعالجة القروض المتعثرة وتأثيرها على الاقتصاد السوري

خبير يقترح حلولاً جذرية لمعالجة القروض المتعثرة وتأثيرها على الاقتصاد السوري

يشكل ملف القروض المتعثرة تحدياً كبيراً يواجه الحكومة السورية، نظراً لتداعياته الاقتصادية والاجتماعية. تتطلب معالجة هذا الملف إجراء فرز دقيق للحالات، مع إعطاء الأولوية للمتضررين والأكثر حاجة، خاصة في ظل الأزمات المستمرة.

معالجة القروض المتعثرة ضرورة لانعكاسها على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ولاسيما في ظل التدمير الممنهج للمنشآت الاقتصادية

غالباً ما تكون هذه القروض بالعملة المحلية، إلا أن وجود قروض بالعملة الأجنبية يزيد من صعوبة السداد بسبب تقلبات سعر الصرف، خاصة خلال فترة الحرب في عهد النظام السابق. وقد وصلت نسب القروض المتعثرة إلى مستويات مرتفعة في البنوك الحكومية والخاصة، لأسباب متعددة منها تدخلات سياسية وأمنية، إضافة إلى النفوذ والفساد. يرى الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، المهندس باسل كويفي، أن معالجة القروض المتعثرة ضرورية نظراً لتأثيرها على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل ما شهدته البلاد منذ عام 2011 من تدمير ممنهج للمنشآت الاقتصادية المختلفة.

في السياق الاقتصادي السوري الحالي، الذي يعاني من آثار الصراع منذ عام 2011، وانهيار الليرة السورية، والعقوبات الدولية، وجائحة كورونا، تُعرف القروض المتعثرة بأنها التسهيلات الائتمانية التي يتوقف العميل عن سداد فوائدها أو أقساطها لمدة سنة أو أكثر، مما يجعلها غير منتجة.

فرز الملفات

أشار كويفي في تصريح لـ«الحرية» إلى أن معالجة القروض المتعثرة يجب أن تأخذ في الاعتبار الأضرار التي لحقت بالمنشآت نتيجة الحرب، حيث تم منح القروض لأصحابها بناءً على ذلك. بالتالي، فإن العدالة الحقوقية والمالية والاجتماعية تقتضي فرز ملفات التعثر وفقاً للحالات المتأثرة بظروف استثنائية وقاهرة. فهناك منشآت تعرضت لدمار كلي، وفي هذه الحالة تعتبر العقود الموقعة للقروض ملغاة حقوقياً، وبالتالي يتم إعفاؤها من المبالغ المستحقة.

أما المنشآت التي تعرضت لدمار جزئي أو نسبي نتيجة توقف النشاط الاقتصادي، والحصار الأمني، وصعوبة الوصول والنقل، فقد يكون إعفاؤها من تسديد القروض بشكل متناسب مع الضرر الحاصل أحد المسارات التي تؤدي إلى إعادة تأهيلها ومشاركتها في تدوير عجلة الاقتصاد.

وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن جبر الضرر والتعويض يكون في إلغاء الفوائد والغرامات وجدولة المبالغ المتبقية بعد إعفاء النسب المتضررة ومنحها تسهيلات ائتمانية جديدة لممارسة عملها من جديد ضمن الحوكمة الواجبة.

معالجة القروض المتعثرة ضرورة لانعكاسها على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ولاسيما في ظل التدمير الممنهج للمنشآت الاقتصادية

مقترحات للمعالجة

يقدم كويفي مقترحات عدة لمعالجة هذه القروض عبر التسوية الودية، إعادة الجدولة، الإعفاء الجزئي أو الكلي للقروض، تحسين دراسات الجدارة الائتمانية، وإنشاء مؤسسات لتحصيل الديون، مستوحاة من تجارب دول مثل مصر والإمارات. مثل هذه الإجراءات تحرر السيولة المجمدة، تقلل الضغوط على ميزانيات البنوك، وتعزز الثقة في النظام المالي، ما يدعم التعافي الاقتصادي المتوقع بنمو 1% في 2025 رغم التحديات.

ونوه الباحث بأن معالجة تلك القروض على المستوى الكلي قد تؤدي إلى خسائر مؤقتة للبنوك، لكنها تحول القطاع المصرفي إلى محرك للتعافي من خلال تقليل الخسائر المتراكمة، تحرير رأس المال للقروض الجديدة، وتحسين كفاءة السيولة، ما يقلل من قيود السحوبات النقدية ويحفز الدورة المالية.

الأكثر تأثراً

من البديهي أن تنعكس معالجة القروض المتعثرة على مجمل القطاعات الاقتصادية، لكن هناك قطاعات تتأثر إيجاباً بدرجة أكبر من بقية القطاعات ولا سيما الإنتاجية، مثل القطاع الصناعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة (التي تشكل 70% من الاقتصاد غير النفطي)، حيث يصبح التمويل متاحاً لإعادة الإعمار والتوسع، ما يزيد النشاط بنسبة 20-30%، والقطاع الزراعي والتجاري، الذي يستفيد من دعم المزارعين والتجار لتعزيز الاستيراد والتصدير؛ والقطاع العقاري ضمن منظومة جديدة للتطوير العقاري والخدمي (السياحة والنقل)، الذي يحصل على قروض جديدة للتعافي والنهوض من جديد.

مخاطر عدم المعالجة

أوضح المهندس كويفي أن ظاهرة القروض المتعثرة وعدم إيجاد حلول ناجعة لها تؤدي إلى تجميد السيولة، ما يبطئ النمو الاقتصادي ويزيد التضخم، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 67 مليار دولار في 2011 إلى مستويات أدنى. وبالنسبة للاستثمار، ترتفع مخاطر الائتمان، ما يثني المستثمرين رغم فرص إعادة الإعمار، وتعاني البيئة من ضعف الهيكل القانوني، الأمر الذي يحد من التدفقات الخليجية أو الدولية حتى بعد رفع بعض العقوبات. أما في مناخ الأعمال، فتتدهور الثقة، وترتفع تكاليف الاقتراض، ويحتل الاقتصاد مراكز منخفضة في المؤشرات، ويعيق الإصلاحات رغم محاولات جذب الاستثمار، وبمعالجتها تتحول هذه الظاهرة إلى فرصة لنمو مستدام، ما يعزز الثقة ويحسن الجاذبية للأعمال.

من الناحية الاجتماعية

أهمية معالجة القروض المتعثرة لا تنطوي فقط على أبعادها الاقتصادية، بل توازيها في الأهمية الأبعاد الاجتماعية، إذ حسب كويفي، تساهم المعالجة من الناحية الاجتماعية في تقليل الفقر واللامساواة من خلال إعادة تفعيل الائتمان للأفراد والأسر المتضررة من الصراع، الذي أدى إلى فقدان الوظائف وتدهور الخدمات وتمنع الإفلاس الجماعي، تحافظ على الاستقرار الأسري، تقلل من الهجرة القسرية والاعتماد على المساعدات، وتعزز الاندماج الاجتماعي، وهي عوامل مستوحاة من تجارب دول ما بعد الصراع حيث حسنت حل الـ(NPL) جودة الائتمان وقللت البطالة. قد تكون هناك آثار سلبية مؤقتة، لكنها تبني مجتمعاً أكثر استقراراً في ظل العقوبات المستمرة.

عدم إيجاد حلول ناجعة للقروض المُتعثرة يؤدي إلى تجميد السيولة ويبطئ النمو الاقتصادي ويزيد التضخم مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي

آليات المعالجة

ولدى سؤالنا عن الآليات الأنسب الواجب اتباعها لضمان معالجة فعالة لضمان جدوى حقيقية؟ أجاب الباحث الاقتصادي إن ذلك يتطلب اتباع حزمة آليات متكاملة مستوحاة من تجارب دولية، مع محاذاة الحوافز لتجنب المخاطر الأخلاقية:

  • إنشاء شركات إدارة أصول عامة (AMCs) لشراء وإدارة الديون، مدعومة بحوافز ضريبية.
  • إعادة الجدولة والتسوية الودية مع سياسات رقابية صارمة لمنع التعثر المستقبلي.
  • دعم ماكرو اقتصادي ومؤسسي، بما في ذلك سياسات لتسريع التعافي، إطار قانوني لحل النزاعات، ودمج مع برامج إعادة الإعمار.
  • تعزيز الشفافية والحوكمة عبر منصات خبراء وطنية، مع نموذج متوازن يركز على الحماية الاجتماعية بدلاً من الاقتصاد الحر المتطرف، هذه النهج يُحوّل العبء إلى فرصة للتعافي الشامل.

وحول المقصود بـ “الدعم الماكرو اقتصادي” (Macroeconomic Support) لفت كويفي إلى أنه مجموعة السياسات والإجراءات على مستوى الاقتصاد الكلي التي تهدف إلى إيجاد بيئة اقتصادية مستقرة تسهل حل مشكلة القروض المتعثرة وتدعم التعافي الاقتصادي الشامل، وهذا بدوره يشمل تدابير تتعلق بالسياسات النقدية والمالية ( تشمل دعم الحكومة لبرامج إعادة الإعمار، مثل تمويل مشاريع إنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية، ما يزيد دخل الأفراد والشركات ويحسن قدرتهم على السداد) والتنظيمية ( وضع أطر قانونية واضحة لحل النزاعات المصرفية وتسوية الديون، ما يعزز الثقة في النظام المالي) التي تعالج التحديات الهيكلية وتقلل من الضغوط على القطاع المصرفي والاقتصاد ككل.

وفي سوريا فالدعم “الماكرو اقتصادي” يعني تنسيق السياسات النقدية والمالية والتنظيمية والقانونية لإيجاد بيئة مستقرة تدعم حل القروض المتعثرة، ما يعزز السيولة، يحفز النمو الاقتصادي، ويدعم الاستقرار الاجتماعي من خلال تقليل الضغوط المالية والحجوزات ومنع السفر على الأفراد والشركات.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: