عنب بلدي – جنى العيسى – كشف جوناثان باس، الرئيس التنفيذي لشركة "أرغنت" للغاز الطبيعي المسال، عن خطة من خمسة محاور تهدف إلى إنعاش وتطوير قطاع النفط والغاز السوري. وقد قُدمت هذه الخطة إلى الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع، وتتضمن إطلاق شركة "SyriUs Energy" لإعادة بناء قطاع الطاقة في البلاد.
وفقًا للخطة الأمريكية المقترحة، سيتم إنشاء شركة وطنية سورية جديدة للنفط تحت اسم "SyriUS Energy"، مع التركيز على جذب وتنسيق الخبرات الفنية الأجنبية بما يتماشى مع المصالح الوطنية السورية. تشمل المرحلة الأولى تصميم عقود خدمات المخاطر وتقاسم الإنتاج مع الدول "الحليفة"، وذلك من خلال شركات النفط الأمريكية الكبرى المتواجدة في "هيوستن" مثل "إكسون" و"شيفرون" و"كونوكو فيليبس" و"إكسيليريت" و"توتال إنيرجي" و"شل" وغيرها من الشركات العاملة في قطاعات النقل والتكرير والإنتاج.
تتألف الخطة من خمس مراحل تنفيذية تبدأ باستعادة الأصول وتأهيلها، وتنتهي بمسألة التصدير والعلاقات التجارية الأوسع نطاقًا. كما تتضمن إطلاق كيانات جديدة، بما في ذلك إنشاء كيان قانوني يدرج في البورصة الأمريكية، على أن يمتلك صندوقًا سياديًا خاصًا بالطاقة في سوريا.
خمس مراحل تنفيذية
تتضمن الخطة خمس مراحل تنفيذية أساسية:
- إرساء الأمن وعمليات تقييم الوضع الراهن واستعادة الأصول، وتشمل هذه المرحلة تأمين حقول النفط ذات الأولوية (العمر والتيم والتنك والحسكة) مع وضع خطة للحقول الأخرى، علاوة على إجراء تقييمات فنية لخطوط الأنابيب والمصافي وخطوط الكهرباء، وكذلك رسم خريطة لاحتياجات البنية التحتية لإمدادات الوقود الطارئة وتحديد أولوياتها.
- استقرار الإمدادات المحلية: من خلال إعادة تأهيل مصفاتي "حمص" و"بانياس"، وإعادة تأهيل شبكات الأنابيب الرئيسة، بدءًا بخط الغاز العربي، وتوسيع نطاق الوصول إلى الغاز الطبيعي للاستخدامات المنزلية وإمدادات الطاقة.
- تطوير كيان مدرج في بورصة "نيويورك" أو "ناسداك" يمتلك ويدير الأصول، بهدف تعزيز أو إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص، وضمان الاستثمار بشكل آمن وجذاب، بالإضافة إلى إنشاء شركة وطنية سورية جديدة للنفط تحت اسم "SyriUS Energy" مع جذب وتنسيق الخبرات الفنية الأجنبية بما يتماشى مع المصالح الوطنية السورية، تتضمن هذه المرحلة تصميم عقود خدمات المخاطر وتقاسم الإنتاج مع الدول "الحليفة"، من خلال شركات النفط الأمريكية الكبرى.
- آليات الحكومة والشفافية: من خلال إنشاء كيان مدرج في البورصة الأمريكية، يمتلك صندوقًا سياديًا خاصًا للطاقة في سوريا، وتملك نسبة 30% من أسهمه، لإدارة وتوزيع عائدات النفط بشفافية وثقة، ما يوفر الشفافية للكيانات العامة الأجنبية، بالإضافة إلى رقمنة أنظمة وزارة النفط وتأسيسها وإجراءات مكافحة الفساد، وربط استخدام الإيرادات بالبنية التحتية الوطنية، والصحة، والحصول على الطاقة.
- الاستعداد للتصدير والتكامل الإقليمي في مجال الطاقة: من خلال الاستعداد للصادرات القانونية والمرحلية عبر العراق وإسرائيل أو المواني الساحلية المعاد تأهليها، فضلًا عن التكامل مع الدول المجاورة في البنية التحتية للطاقة، مثل شبكات الكهرباء المشتركة، وخطوط أنابيب الغاز والنفط، كأداة لتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية.
فرص نجاح محدودة
أكد الدكتور كرم شعار، مدير البرنامج السوري في "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية"، أن هذه الخطة، في حال تنفيذها، سيكون لها آثار كبيرة على قطاع النفط في سوريا. وأشار إلى أن فرص نجاحها قد تكون جيدة، لأن جوناثان باس، مقدم الخطة، يعتبر من أقوى حلفاء ترامب في قطاعي النفط والغاز، ولديه عدة عقود دولية مهمة في هذا السياق من خلال شركته "أرغنت".
كما أوضح أن الرخصة الأخيرة رقم "25" الصادرة عن الإدارة الأمريكية، والمتعلقة بإعفاءات القطاعات من العقوبات الأمريكية لفتح باب الاستثمار، تركز بشكل واضح على قطاع النفط، مما قد يسهل العمل في هذا القطاع.
من جهة أخرى، أشار الدكتور كرم شعار إلى أن هناك عدة عوامل قد تحد من فرص نجاح هذه الخطة، منها إصرار ترامب على البقاء في سوريا لحماية النفط السوري، وإعلانه عن عزم شركة "دلتا كريسنت للطاقة" على العمل في قطاع النفط في سوريا، وهو الأمر الذي لم يتحقق.
وأضاف أن من أبرز المعوقات المشكلات القانونية المعقدة الموجودة في قطاع النفط في سوريا، والتي تحتاج إلى تسويات كبيرة، إذ لا تزال الحقول النفطية مقسمة إلى "بلوكات" ضمن مناطق جغرافية عديدة، وبعد عام 2011، وقعت العديد من الشركات الأجنبية عقود استثمار فيها مع الدولة السورية، ومن الممكن أن تدافع هذه الشركات لاحقًا عن عقودها، وبالتالي قد تمنع نجاح هذه الخطة وفق القانون الدولي، خاصة تلك الشركات التي كانت عقودها سارية قبل عام 2011 وما زالت حتى الآن.
التحدي الآخر يتعلق بملف الاستثمار بذاته، إذ كانت الدولة السورية في ظل حكم بشار الأسد ترسل تقارير لمجلس الأمن حول واقع النفط، وكانت تستخدمها في ذلك الوقت كفرصة للتسويق لضرر الوجود الأمريكي في سوريا، وتتضمن أن تكلفة إعادة إصلاح البنية التحتية لهذا القطاع تعادل ستة مليارات دولار أمريكي، وهو الرقم الذي يستبعد أن تستطيع شركة "SyriUS Energy" المزمع إنشاؤها جمعه، وفق ما يرى الخبير الاقتصادي كرم شعار.
وأضاف الخبير أنه في حال نجاح هذه الشركة بإصلاح القطاع النفطي في سوريا، سنكون أمام فرصة اقتصادية كبيرة جدًا، قد تتعلق بإظهار حالة للعالم حول انفتاح السوق السوري على الاستثمار الخارجي.
مكاسب وتحديات
يرى الباحث السوري في مجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية" أيمن الدسوقي، أن المكاسب الاقتصادية تبقى مجرد تقديرات وقابلة لإعادة التقييم خلال عملية تطبيق الخطة وتغير الشروط، وذلك لحين ترجمة هذه الخطة إلى واقع ملموس.
لكن بجانب آخر، يعتقد الدسوقي أن من المهم النظر إلى الخطة وفق المكاسب التالية:
- فتح الباب أمام دخول تقنيات أمريكية متقدمة ضرورية في مجال استخراج ومعالجة نقل الطاقة إلى السوق السورية.
- فتح الباب أمام إعادة دمج وتكامل سوريا في معادلات الطاقة الإقليمية والعالمية مجددًا.
- تأمين احتياجات السوق المحلية بداية لضرورات التعافي الاقتصادي.
- التأكيد على الدبلوماسية الاقتصادية كمدخل لتعزيز الاستقرار في سوريا وكجزء من رؤية أوسع لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
رغم التوقعات والآمال المرتفعة التي تحيط بهذه الخطة، فإن هنالك تحديات تعترضها، وفق ما أكد الباحث أيمن الدسوقي، يتعلق أولها بمسألة توفير التمويل لهذه الخطة، وفيما إذا كان تمويلًا من جانب الدولة السورية أو من أطراف إقليمية أو مستثمرين دوليين، وهذا يرتبط بمدى جاذبية سوق الطاقة السوري للاستثمار من جهة، وتوفر الأمن والاستقرار الكافي داخل سوريا للبدء بهذا الاستثمار من جهة أخرى.
أيضًا من التحديات ما له صلة بحوكمة قطاع الطاقة السوري لناحية رقمنته ومكافحة الفساد فيه، فضلًا عن تكامل قطاع الطاقة مع بقية القطاعات، وما يستلزمه ذلك من استثمارات بقطاعات أخرى لا تُعرف حاليًا ماهيتها وحجمها، كذلك مسألة التكامل الإقليمي والتي تستلزم وقتًا زمنيًا واستقرارًا سياسيًا داخل دول المنطقة وفيما بينها، إلى جانب مسألة النزاع القانوني فيما يتعلق بالعقود التي تم توقيعها من قبل نظام الأسد، والتي بموجبها منح حقوقًا لشركات روسية وإيرانية.
11 شركة دولية خارج الاستثمار.. خسائر بالمليارات
شهد قطاع النفط السوري، وهو ركيزة أساسية للاقتصاد، نموًا استثماريًا مستدامًا حتى اندلاع الصراع. في عام 2010، توقع صندوق النقد الدولي أن يسهم القطاع بنسبة 18% من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، لكن الإنتاج بدأ بالتراجع في عام 2012 بسبب اندلاع الحرب والعقوبات الدولية التي فرضت على سوريا منذ ذلك الوقت، ما أجبر 11 شركة دولية مسؤولة عن 49.6% من إجمالي إنتاج النفط الخام السوري عام 2010 على التخلي عن عملياتها.
قدّرت قيمة الأضرار التي أبلغ عنها في منشآت قطاع النفط والغاز في سوريا منذ عام 2011 وحتى نهاية النصف الأول من عام 2023 بنحو 115.2 مليار دولار أمريكي.