في مواجهة تحديات إعادة البناء بعد عقد من الصراع، يرى خبراء أن سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف هويتها الاقتصادية، وجعلها ركيزة أساسية للاستقرار السياسي والاجتماعي. هذه الهوية المقترحة تقوم على اقتصاد مفتوح ومتنوع ومستدام، يعتمد على الابتكار والشراكات الإقليمية والحوكمة الشفافة، مع تجنب الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية أو الديون.
واقع صعب وإمكانات كامنة
الاقتصاد السوري يواجه وضعاً صعباً، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 83% منذ عام 2010، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر. الصراع دمر 40% من البنية التحتية وفقدت البلاد 50% من القدرة الإنتاجية الصناعية، بالإضافة إلى هجرة الكفاءات. تقرير البنك الدولي (يوليو 2025) يتوقع نمواً متواضعاً بنسبة 1% فقط في عام 2025، مما يستدعي تدخلات هيكلية عاجلة.
الدكتور هشام خياط، الخبير في السياسات الاستراتيجية والاقتصادية، يحدد لـ (الحرية) التحديات الرئيسية التي تعوق التعافي في النقاط التالية:
- الأمن والاستقرار: النزاعات المستمرة وعدم اليقين الأمني يثبطان الاستثمار المحلي والأجنبي، كما يتضح من تجربة ليبيا.
- القيود المالية: سوريا تعاني من نقص السيولة، وعقوبات دولية تحد من الوصول إلى الأسواق العالمية، وديون خارجية تقدر بنحو 20 مليار دولار. تكلفة إعادة الإعمار تقدر بين 250-400 مليار دولار.
- القطاع غير الرسمي: يشكل هذا القطاع ما يقدر بـ 70% من الاقتصاد، مما يعوق قدرة الدولة على جمع الضرائب وتوفير الخدمات.
- التحديات الإقليمية: المنطقة ككل تعاني من تداعيات النزاعات، مع تأثيرات سلبية على السياحة والتجارة والاستثمار.
ويشير الدكتور خياط إلى أن تجارب دول مثل رواندا، التي حققت نمواً سنوياً بنسبة 15% من خلال التنويع الاقتصادي والحوكمة، يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى به.
اقتصاد الفرص
يرى الدكتور خياط أن تحقيق الاستقرار والازدهار يتطلب تبني سوريا لهوية اقتصادية واضحة المعالم، ترتكز على الانفتاح والتنوع والاستدامة. هذه الرؤية تقوم على:
- التنويع الهيكلي وبناء اقتصاد مرن ومتعدد الأوجه.
- التركيز على تطوير قطاعات متعددة ذات قيمة مضافة عالية مثل الزراعة والأغذية (30% من الاستثمار المستهدف) وإعادة إعمار 2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية.
40 بالمئة من الاستثمار المستهدف
الطاقة والصناعة تمثل 40% من الاستثمار المستهدف. خصخصة الموانئ والمصانع الحكومية مهمة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة تقدر بـ 10 مليارات دولار. التحول نحو الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية في الصحراء السورية، يمكن أن يوفر حلولاً مستدامة للطاقة ويجذب استثمارات خضراء.
التكنولوجيا والخدمات
التكنولوجيا والخدمات تشكل 30% من الاستثمار المستهدف. يمكن الاستفادة من القوى العاملة الشابة من خلال تدريب 500 ألف شاب على مهارات الذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية والبرمجة، وإنشاء مناطق حرة رقمية ومراكز ابتكار.
الاندماج الإقليمي بوابة للنمو والتعاون
يجب أن تسعى سوريا لإعادة دمج نفسها في الاقتصاد الإقليمي والعالمي من خلال اتفاقيات التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا. والاستفادة من الالتزامات الدولية وتوجيه التزامات بروكسل (5.8 مليارات يورو) نحو دعم البنية التحتية الحيوية.
ويركز الدكتور خياط على الحوكمة والشمول كأسس للاستقرار والثقة، ومكافحة الفساد وسن وتطبيق قوانين صارمة لمكافحته، والشفافية في العقود الحكومية وإدارة الموارد، وتطوير بنوك رقمية وبرامج للتمويل الأصغر.
بوصلة نحو التعافي
التجارب الإقليمية والدولية تقدم دروساً قيمة لسوريا، خاصة تجارب العراق وليبيا ولبنان وغزة. ويؤكد الدكتور خياط أن بناء "سوريا بـ"اقتصاد الفرص" هو مشروع وطني لإعادة بناء الثقة، وتعزيز اللحمة الاجتماعية، وترسيخ الاستقرار السياسي.
ويختتم الدكتور خياط بالتأكيد على أن الاندماج الإقليمي والحوكمة الشفافة والشمولية، يمكن أن تساعد سوريا على تجاوز تحدياتها الحالية وتستغل إمكانياتها الهائلة لتصبح نموذجاً للتعافي والازدهار في المنطقة.