في ظل الإدانة العربية والدولية لقرار الحكومة الإسرائيلية بفرض سيطرتها العسكرية الكاملة على قطاع غزة، وهو ما يمثل تصعيداً كبيراً في الصراع مع «حماس»، تثار تساؤلات حول دوافع الإدارة الأميركية الداعمة لإسرائيل، والأسباب التي تدفع الرئيس دونالد ترمب لإعطاء الضوء الأخضر لحكومة بنيامين نتنياهو، على الرغم من العواقب الوخيمة المحتملة.
يتضح دعم الرئيس ترمب لخطة إسرائيل من خلال تصريحات وأفعال تعكس استمرار موقف إدارته المؤيد لإسرائيل. ففي مؤتمر صحافي، صرح ترمب بأن القرار «يعود لإسرائيل إلى حد كبير»، مؤكداً دعم الولايات المتحدة لاحتياجات إسرائيل الأمنية، مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وكرر وزير الخارجية ماركو روبيو الأميركي هذا الموقف، قائلاً: «إن إسرائيل أدرى بما تحتاج إليه لأمنها». كما أشارت منشورات على موقع «إكس» إلى أن إدارة ترمب منحت إسرائيل «حرية التصرف» في غزة، ما يعكس نهج «عدم التدخل» الذي يؤيد الخطة الإسرائيلية.
يشير الخبراء إلى عدة أسباب وراء انحياز ترمب لاستراتيجية إسرائيل. يرى آرون ديفيد ميللر، الزميل البارز في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، أن دعم ترمب مدفوع بحسابات سياسية محلية، حيث يستهدف قاعدته من المناصرين، خاصة المسيحيين الإنجيليين والناخبين المؤيدين لإسرائيل. ووفقاً لميللر، فإن مساندة ترمب لخطة إسرائيل تعزز موقفه قبل الانتخابات المقبلة، مستفيداً من نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC).
عامل آخر يتمثل في علاقة ترمب الشخصية بنتنياهو، التي تعززت خلال فترة ولايته الأولى، من خلال إجراءات مثل الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية. وقد منح تأييد ترمب لنتنياهو غطاءً سياسياً لمواصلة سياساته دون خوف من رد فعل الولايات المتحدة.
يشير الخبراء أيضاً إلى رؤية ترمب لغزة بعقلية المطور العقاري، ووصفه لها بأنها «ريفييرا الشرق الأوسط» المحتملة، وإشارته إلى إعادة تطوير قطاع غزة تحت إشراف إسرائيلي أو أميركي، وهو ما يتماشى مع استراتيجية ترمب الأوسع في تعزيز الحلول الاقتصادية للصراعات الجيوسياسية.
تذكر صحيفة «نيويورك تايمز» أن اختيار مصطلح «الاستيلاء» بدلاً من «الاحتلال» متعمد من قبل إسرائيل لتجنب الالتزامات القانونية التي يفرضها «الاحتلال» بموجب القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة. إلا أن السيطرة العسكرية الكاملة ستضع إسرائيل أمام هذه الالتزامات، وقد تؤدي أفعال مثل التهجير القسري إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
يحذر دانيال بايمان، من معهد بروكينغز، من أن تأييد ترمب لخطة إسرائيل قد يزعزع استقرار المنطقة، من خلال تأجيج التوترات مع الدول العربية. وتخشى مصر والأردن من أن يهدد التهجير القسري معاهدات السلام بينهما مع إسرائيل. ويرى بايمان أن هذه مقامرة عالية المخاطر قد تأتي بنتائج عكسية، وتمكن الخصوم وتنفر الحلفاء، وتهدد بإعادة تشكيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطرق غير متوقعة. كما أن إصرار إسرائيل على إقصاء أي كيان فلسطيني لإدارة قطاع غزة يفتح الباب أمام فوضى واسعة واحتمالات عالية لظهور قوة وتنظيمات وميليشيات أكثر تطرفاً في القطاع.
ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الإدانات العربية والإقليمية والدولية القوية، والإجماع العالمي الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين، ينذر بعزل الولايات المتحدة وإسرائيل عن عدد من حلفائهما الرئيسيين. كما يضعف هذا الموقف من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، ويقلل من فرص انخراط القادة العرب في مناقشة خطة «اليوم التالي» المتعلقة بمستقبل غزة بعد الحرب.
يحذر خبراء من أن الاستمرار في تنفيذ هذه الخطة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وتصعيد عمليات التهجير القسري، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وهو ما من شأنه تقويض الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإنهاء الحرب، وتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس». كما أن هذه التطورات قد تعوق مساعيه لتوسيع «اتفاقيات إبراهيم»، وتضعف طموحاته الشخصية في الحصول على جائزة نوبل للسلام.