الخميس, 25 سبتمبر 2025 05:09 PM

دير مار موسى الحبشي: 1800 عام من التاريخ والحوار بين الأديان في قلب سوريا

دير مار موسى الحبشي: 1800 عام من التاريخ والحوار بين الأديان في قلب سوريا

يشمخ دير مار موسى الحبشي، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 1800 عام، على صخور أحد الوديان في سلسلة جبال القلمون الشرقية بريف دمشق. انطلق الدير في العهد الروماني، وشهد تطورات عديدة ليصبح اليوم منصة للحوار بين الأديان ووجهة سياحية بارزة.

من حصن روماني إلى معلم ديني

أوضح الأب جهاد يوسف، رئيس الدير، أن الدير بدأ كبرج روماني في القرن الثاني الميلادي لمراقبة طريق الحرير الذي يربط تدمر بالشام. ومع رحيل الرومان في القرن السادس، تحول الموقع إلى مركز للرهبان، حيث استقر النساك في الصوامع والكهوف المحيطة بالبرج. ومع ازدياد عددهم، بدأوا في ترميم البرج وتحويله إلى دير استغرق بناؤه سنوات طويلة.

إهمال وترميم

أشار الأب يوسف إلى أن الدير أُهمل في عام 1703 بسبب قلة عدد الرهبان وتقدمهم في السن، بالإضافة إلى التغيرات المناخية ونقص المياه التي كانت تُجمع من الثلوج والأمطار. بقي الدير مهجوراً حتى عام 1982، وتحول خلال هذه الفترة إلى ملجأ للرعاة والصيادين.

في العام نفسه، وصل الأب الإيطالي باولو دالوليو إلى الدير وقضى عشرة أيام في خلوة داخل أحد المغاور. وفي عام 1984، بدأ في ترميم الدير بمشاركة متطوعين من سوريا ولبنان وإيطاليا، بهدف تحويله إلى واحة للقاء بين المسيحيين والمسلمين. استمرت أعمال الترميم حتى عام 1991، وجرى تنظيم مخيمات صيفية للعمل والصلاة فيه.

بعد الترميم، أسس الأب باولو والأب يعقوب مراد (المطران الحالي لأبرشية حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك) حياة رهبانية في الدير، ضمت راهبات ورهباناً كاثوليك وأرثوذكس.

جهود بيئية

يتميز الدير برسوماته الجدارية التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والثالث عشر، مما جعله وجهة للسياح وعلماء الآثار من جميع أنحاء العالم. تم ترميم هذه الرسومات بالتعاون بين المدرسة الإيطالية والجهات المعنية في سوريا، وقام الخبراء الإيطاليون بتدريب السوريين على تقنيات الترميم.

أوضح الأب يوسف أن الدير يهتم أيضاً بقضايا البيئة من خلال مشاريع للزراعة ومكافحة التصحر. وقد أُعلن الوادي المحيط بالدير "محمية بيئية" تحظر إشعال النار والصيد وقطف النباتات والبناء الإسمنتي، إلا أن هذا القرار أُلغي لاحقاً بقرار سياسي بسبب موقف النظام البائد من الأب باولو. وناشد الأب يوسف وزارتي السياحة والزراعة لإعادة تفعيل ملف المحمية والعمل على مكافحة التصحر.

استقبال الزوار

أشار رئيس الدير إلى أنهم قاموا بتجهيز أربع مغارات وغرف لاستقبال الزوار القادمين من خارج سوريا، سواء للسياحة أو الدراسة في المكتبة أو المشاركة في الحوار الديني والثقافي. كما يتم تنظيم العديد من الأنشطة في الدير من قبل المتطوعين.

واختتم يوسف حديثه قائلاً: "دير مار موسى ليس تراثاً لسوريا فقط بل للعالم أجمع. نحن نحافظ على هذه المساحة كمركز للسلام والحوار، ونطالب بحماية بيئتها لتبقى نموذجاً للتآخي الإنساني". يقع دير مار موسى الحبشي على بعد 80 كم شمال دمشق و12 كم شرق مدينة النبك، على ارتفاع 1320م عن سطح البحر، ويتبع إدارياً لمحافظة ريف دمشق.

مشاركة المقال: