الثلاثاء, 13 مايو 2025 02:41 AM

رقص في دمشق: احتفالية اليوم العالمي للرقص نافذة أمل في مواجهة ضغوط الحياة

رقص في دمشق: احتفالية اليوم العالمي للرقص نافذة أمل في مواجهة ضغوط الحياة

هل كان بإمكان عظماء الراقصين العالميين أن يبدعوا ما أبدعوه، وأن يرسموا تاريخ المسرح الراقص بأجسادهم لو أنهم ارتهنوا لشِباك الفكرة القائلة بزوال الجسد البشري وضرورة قهره بدلاً من الفرح به؟ لعل طلاب قسم الرقص والأساتذة في المعهد العالي للفنون المسرحية يدركون معنى الابتهاج باليوم العالمي للرقص؛ والذي يحتفلون به كل عام في ٢٩ ابريل/ نيسان، لكن هذه المرة أُجِّلت الاحتفالية حتى البارحة بسبب ظروف البلد القاهرة.

فكرٌ نبيلٌ وإخلاص!

الأستاذ “معتز ملاطية لي” أحد أهم مؤسسي قسم الرقص (خريج براغ ١٩٨٨) مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق منذ ٢٨ سنة.. يقول لصحيفة الحرية:

تطمينات المسؤولين الجدد والسيد وزير الثقافة الذي حضر وشاهد التدريبات..أزالت المخاوف والقلق

“أول مرة احتفل العالمُ بيوم الرقص كانت سنة ١9٨٣ بقرار من المعهد العالمي للمسرح، وكنتُ لا أزال في التشيك، أما هنا في سوريا فاحتفلنا به للمرة الأولى عام ١٩٩٤ عبر فرقتي الخاصة “جمرة للرقص الشرقي الحديث”، وهذه السنة نحن في المعهد فقط من يقوم بالاحتفالية بعد أن كانت أكثر من عشر فرق رقص تحتفي معنا في باقي المحافظات”. نسأله عن التخوفات التي أشيعت منذ فترة، فيجيب: كان التخوف من أن يتم منعنا أو التضييق علينا من قبل الإدارة الجديدة، لكنهم حضروا إلى هنا واكتشفوا أننا نقدم فكراً نبيلاً خلف هذه الرقصات، بصدق وإخلاص وتكريس جهد حقيقي دون ابتذال، وهذا ما أقنعهم ببقاء قسم الرقص وتدريبات طلاب كرسوا حياتهم للدراسة رغم صعوبة أوضاعهم الاقتصادية.

بعيداً عن قواقع الخوف!

يوافقه في الرأي الأستاذ نورس عثمان رئيس قسم الرقص الحالي، مؤكداً “أن تطمينات المسؤولين الجدد والسيد وزير الثقافة الذي حضر وشاهد تدريباتنا، أزالت تخوفنا وقلقنا.”

نقدم لوحات متنوعة لإبراز جماليات ما تعلمه الطلاب وما اشتغله المشرفون عليهم.. مع تقديم أفكارهم عن العالم

وعن معنى الاحتفالية بالنسبة لهم يقول عثمان: درامياَ وكتصاميم راقصة نقدم لوحات متنوعة لإبراز جماليات ما تعلمه الطلاب وما اشتغله المشرفون عليهم، مع تقديم أفكارهم الخاصة عن العالم من حولهم، ونسعى لاستقطاب خبراء رقص أجانب بعد أولئك الذين غادرونا، ليدعموا جهود الخريجين الذين أصبحوا معيدين، تعاونّا مؤخراً مع مؤسسة “ماهر دانس كومباني” في ألمانيا؛ وخبيرة بريطانية اسمها كلير، وأقمنا ورشة لثمانية أيام مع خبيرة أرجنتينية، وأخرى يابانية.. وجميعهم تطوعوا لإقامتها هنا ليستمع الطلاب إلى رؤى مختلفة عن رؤية مدرسيهم. وعن معنى الرقص في حياته يبوح لنا عثمان بقوله: “إن لغة خطابي الكلامية مبعثرة، لكني كراقص استطيع بناء جسر عاطفي مع المتلقي، وأنقل له مشاعري وأفكاري وهذا تأثيره أقوى على المشاهد لأنه يلامس خياله وعاطفته وعقله معاً.. و في أعمالي: متوالية، في الصندوق، شظية، العمى… جميعها تضم سيرورة فكرية قلت فيها معاناتنا الطبقية والقمعية والقواقع التي عشنا فيها.

الرقص أسلوب حياة كاملة!

شهد عباس (طالبة سنة ثالثة) تحدثنا كيف أن الرقص بالنسبة لها هو “أسلوب حياة كاملة، أبتعد فيه عن المباشرة والكلام الزائد وألجأ لجسدي لأقول ما أشعر به، وهناك مساحة الحرية التي تتيح للمشاهد أن يفهم ما يشعر به، بدل أن أسجنه في معاني الكلمات.”

المعهد العالي للفنون المسرحية منجاةٌ لنا من الجروح النفسية والضغوط العصبية بسبب كل ما يجري في الواقع المؤلم

نسألها عن مدى تقبل الناس حولها لفكرة الرقص، فتجيبنا بنباهة ودراية: “الجسد وما يحيط به من محرمات هو نسغُ الرقص بالمعنى الأرحب للكلمة وليس فقط بمعنى الرقص الشرقي مع كل جمالياته، لذلك بعض الأهل يعارضون إقدام أولادهم على الدراسة في المعهد ويطالبونهم بأن يدرسوا الطب أو الهندسة… لكن الصدق والشغف والإصرار على ما نفعله كراقصين، جعلهم يغيرون نظرتهم وموقفهم؛ إن وجود راقص واحد في العائلة يغير النظرة السلبية عند معظم الأقارب، ويقنعهم بأن مانفعله لا يقل أهمية عن دراسة أي اختصاص علمي آخر، بل هو فن وموسيقا وهندسة للفراغ بطريقة مبتكرة.”

بالجسد والروح!

عليا السعدي المتخرجة حديثاً تؤكد فكرة زميلتها في أن الرقص هو طريقة تقول فيها أفكارها وردات فعلها على ما يحدث معها في الواقع، خاصة أنه لا يتضمن كلاماً منطوقاَ إنما التعبير يتم بالجسد والروح معاً. في البدايات كان هناك اعتراض من قبل الأهل لكنهم اقتنعوا بما أفعله بسبب شغفي الواضح وإصراري على الاستمرار مهما حدث رغم بعض الخوف.”

منجاةٌ من الواقع المؤلم!

احتفاليات المعهد السنوية باليوم العالمي للرقص تتميز بتنوع الفقرات المبنية على مدارس الرقص العالمية، وتعكس غنى المواد الأكاديمية التي تعلمها الطلاب متل الكلاسيك والجاز والفنون الشعبية ورقصات الشعوب والرقص المعاصر وتنويعات ربيرتوار عالمي من أشهر الرقصات العالمية مثل رقصات ألمانية لهونريتا هورن، والهولندية ساسكيا التي درّست لسنتين هنا في سوريا. الأستاذ “معتز ملاطية لي” يختم لصحيفة الحرية بقوله: “إن إصرار ٤٣ طالباً وطالبة وخريجين ومصممي رقصات على الاستمرار في إقامة الاحتفالية ومتابعة دراسة الرقص في وقت الأزمات؛ هو أمر نقول من خلاله إن هذه مهنة ضرورية مثل مهنة الخباز والحداد والموظف والطبيب… بل لنقول: إن المعهد العالي للفنون المسرحية بكل أقسامه هو منجاةٌ لنا من الجروح النفسية والضغوط العصبية التي تعترينا عادةً.”

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: