تشهد سوريا موجة جديدة من ارتفاع أسعار المحروقات، في إطار خطة حكومية مستمرة لإعادة هيكلة قطاع الطاقة وتقليص الدعم الذي يثقل كاهل الموازنة العامة. تأتي هذه الزيادات بعد سلسلة من الارتفاعات المتتالية منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي.
أعلنت شركة "سادكوب"، الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية، في نشرتها الرسمية يوم الأحد، عن رفع سعر ليتر البنزين (أوكتان 90) إلى 12,980 ليرة سورية بدلاً من 12,760 ليرة. كما حددت سعر المازوت بـ 11,210 ليرات، والبنزين (أوكتان 95) بـ 14,520 ليرة.
وارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 140 ألف ليرة، والصناعي إلى 223 ألف ليرة، بينما استقر سعر صرف الدولار الرسمي المعتمد في موازنة الشركة عند 11,800 ليرة للدولار الواحد.
وفي السوق السوداء، سجلت الليرة السورية أسعاراً قريبة من هذا المستوى، حيث بلغ سعر الشراء نحو 11,790 ليرة والمبيع 11,840 ليرة، بحسب موقع "الليرة اليوم".
على الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو متواضعة مقارنة بالأسعار العالمية، إلا أنها تمثل عبئاً معيشياً كبيراً في بلد لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري فيه 900 ألف ليرة سورية، أي حوالي 75 دولاراً فقط وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء لعام 2025.
تهدف الحكومة السورية من خلال هذه الزيادات التدريجية إلى تقليص العجز المالي وضبط الإنفاق على الدعم، إلا أن هذه السياسة تؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة.
تتبنى دمشق حالياً سياسة "التسعير المرن" التي تسمح بتعديل أسعار الوقود وفقاً لتقلبات سعر الصرف وأسعار النفط العالمية، وذلك في ظل تراجع إنتاج النفط المحلي الذي كان يغطي سابقاً أكثر من 80% من احتياجات السوق.
أرجعت "سادكوب" قرارات الرفع الأخيرة إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً بنسبة تقارب 15% منذ بداية العام، حيث تجاوز سعر برميل برنت حاجز 91 دولاراً في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بالإضافة إلى تراجع الليرة السورية بنسبة 22% منذ مطلع الصيف.
تشهد مناطق مختلفة في سوريا فوضى واضحة في تسعير المشتقات النفطية. ففي مدن مثل تل أبيض ورأس العين، وصل سعر ليتر الديزل إلى نحو 13 ألف ليرة بعد أن كان 10 آلاف قبل أشهر قليلة، بينما تجاوز سعر البنزين 15 ألف ليرة، وفقاً لتقارير محلية تتحدث عن نشاط واسع للتهريب والتجارة عبر الوسطاء.
في المقابل، أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أسعاراً مستقلة عن دمشق، حيث رفعت سعر ليتر الديزل إلى ما يعادل 0.55 دولار وفق سعر صرف يبلغ 11,000 ليرة، مما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي وتعدد السياسات النفطية داخل البلاد.
أصبحت الانعكاسات المعيشية لهذه الزيادات ملموسة على مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث ارتفعت أجور النقل بنحو 40% خلال الأشهر الأخيرة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 25% و35% في عدد من المحافظات.
وفقاً لتقرير حديث لبرنامج الأغذية العالمي، يعيش أكثر من 14.5 مليون سوري في حالة انعدام أمن غذائي، بينهم 9.1 ملايين يعانون من أزمات حادة، في ارتفاع واضح عن أرقام العام الماضي، ما يعكس عمق الأزمة المعيشية المتفاقمة.
أكد وزير الطاقة السوري محمد البشير أن الحكومة ستستمر في تقديم دعم جزئي لقطاعات أساسية مثل النقل العام والكهرباء، مع توجيه العبء الأكبر تدريجياً إلى القطاعات ذات القدرة المالية الأعلى.
وبحسب تقرير البنك الدولي الصادر في آب/أغسطس 2025، تحتل سوريا المرتبة الثالثة عربياً من حيث ارتفاع أسعار المحروقات مقارنة بمستوى الدخل، بعد لبنان واليمن، ما يجعلها من أغلى الدول في الحصول على الطاقة بالنسبة للمواطنين.