السبت, 3 مايو 2025 04:53 PM

سوريا تتقدم في تصنيف حرية الصحافة 2025: نظرة على الوضع الإعلامي بعد سقوط الأسد

سوريا تتقدم في تصنيف حرية الصحافة 2025: نظرة على الوضع الإعلامي بعد سقوط الأسد

إذا كانت الاعتداءات الجسدية ضد الصحفيين تمثل الطرف المرئي من جبل الجليد للانتهاكات التي تطال حرية الصحافة، فإن الضغوط الاقتصادية تشكل بدورها عائقاً مهولاً أمام ممارسة العمل الإعلامي، وهي التي تزداد حدة أكثر فأكثر. ذلك أن المؤشر الاقتصادي للتصنيف العالمي لحرية الصحافة شهد تقهقراً ملحوظاً في نسخة 2025، حيث وصل إلى مستوى حرج غير مسبوق، أصبح معه وضع حرية الصحافة "صعباً" على الصعيد العالمي للمرة الأولى على الإطلاق.

بينما تشهد حرية الصحافة تراجعاً مقلقاً في العديد من أرجاء العالم، بات الضغط الاقتصادي يُعد من العوامل الرئيسية التي تساهم في تعميق هشاشة وسائل الإعلام، علماً أنه غالباً ما يُتستهان بهذا العامل المؤثر، الذي يتخذ أشكالاً متعددة، منها تمركز مِلكية وسائل الإعلام، والضغط من المعلنين أو الممولين، ناهيك عن غياب مساعدات الدولة أو تقييدها أو تخصيصها بناءً على آليات غير شفافة.

وفي ضوء البيانات التي تُقاس بالمؤشر الاقتصادي للتصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي تُشرف على إعداده منظمة مراسلون بلا حدود، يتضح بجلاء أن وسائل الإعلام أصبحت عالقة بين محاولة ضمان استقلاليتها والسعي إلى الحفاظ على استمراريتها الاقتصادية.

سوريا أنهى سقوط الديكتاتور بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 خمسة عقود من القمع الوحشي والعنيف الذي مارسته سلالة الأسد ضد الصحافة. ومع أن الصحفيين باتوا يتمتعون بحرية، إلا أنها لا تزال هشة في ظل عدم الاستقرار السياسي والضغوط الاقتصادية المتزايدة.

المشهد الإعلامي: عادت إلى الواجهة وسائل الإعلام التي كانت تعمل سابقاً في المنفى أو في مناطق خاضعة لسيطرة المتمردين، ومن أبرزها إذاعة روزنة وعنب بلدي والجمهورية وعكس السير. هذا وتظل وسائل الإعلام المقربة من قطر، مثل تلفزيون سوريا والجزيرة، تحظى بتأثير كبير في المشهد الإخباري السوري، بينما استأنفت معظم وكالات الأنباء العالمية نشاطها في دمشق بعد ساعات فقط من سقوط النظام المخلوع، في حين أصبحت وكالة الأنباء الرسمية – الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) – تتبنى خطاً تحريرياً يتماشى مع توجُّهات السلطة الجديدة.

السياق السياسي: على مدى خمسين عاماً، فرضت دكتاتورية الأسد وحزب البعث رقابة صارمة على الصحافة السورية. ومنذ ثورة 2011، أدت الحملة القمعية العنيفة التي شنّها النظام إلى إسكات الصحافة في المناطق الخاضعة لسيطرته، من خلال الاغتيالات والاعتقالات. أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة، فقد تعرّض الصحفيون أيضًا للترهيب والاحتجاز من قِبل الجماعات المسلحة. وبينما تراجعت الضغوط السياسية على الصحفيين في أعقاب سقوط النظام، لا تزال المؤسسات الإعلامية المحلية تعمل جاهدة على إحداث إطار مستدام للصحافة المستقلة.

الإطار القانوني: أدى سقوط النظام إلى توقّف العمل بالإطار التشريعي الذي كانت تعتمده حكومة الأسد لإضفاء الشرعية على سياساتها القمعية. فبالإضافة إلى القوانين الاستبدادية، كان النظام يلجأ في كثير من الأحيان إلى الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء. وفي حين تعهّد محمد العمر، وزير الإعلام في الحكومة الجديدة، بالعمل على تشجيع "صحافة حرة" وضمان "حرية التعبير"، تتواصل دعوات الصحفيين السوريين ووسائل الإعلام الوطنية، إلى جانب الجمعيات المحلية المدافعة عن حرية الصحافة، إلى سنّ دستور جديد يكفل حقهم في الوصول إلى المعلومات.

السياق الاقتصادي: في عهد نظام بشار الأسد، كانت أغلب وسائل الإعلام السورية ـ التي تأثرت جميعها بالعقوبات الدولية المفروضة على البلاد ـ مُموَّلة من قِبل الدولة أو من قِبل أشخاص مقربين من السّلطة. وبينما توقفت بعض هذه المنابر الإعلامية عن العمل، إما بشكل دائم أو مؤقت، فإن الغموض لا يزال يلف عملية إعادة هيكلة الاقتصادية للمنظومة الإعلامية. بدأت وسائل الإعلام في المنفى، الممولة من جهات أجنبية مثل قناة سوريا تي في التابعة للمجموعة القطرية "فضاءات"، في إعادة نشر طواقمها في العاصمة السورية.

السياق الاجتماعي والثقافي: تأثرت الصحافة تأثراً شديداً بالاستقطاب المجتمعي الموروث عن الصراع الداخلي الذي دام أكثر من خمسة عشر عاماً. فقد أصبح "الناشطون الإعلاميون" يعملون في قلب العاصمة دمشق، ويتعلق الأمر بالصحفيين المعارضين لنظام الأسد، والذين كانوا يتخذون من شمال البلاد مقراً لهم، علماً أن اتخاذهم مسافة عن السلطات الجديدة وموقفاً منتقداً لها يشكل أحد التحديات الرئيسية في إعادة تموضع هؤلاء الصحفيين الذين يتمتعون بتأثير بالغ في المشهد الإعلامي السوري خلال المرحلة الانتقالية، قد شكّلت صفحاتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، خلال سنوات الصراع، بديلًا فعليًا لوسائل الإعلام التقليدية في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين أثناء الصراع.

الأمن: لقد أجبر القمع الذي مارسه نظام الأسد ضد الصحفيين من اعتقالات، واختطافات، وتعذيب، واغتيالات عددًا كبيرًا منهم على اللجوء إلى المنفى، هربًا من سوء المعاملة أو الموت. وقد بشّرت المرحلة الانتقالية بفترة من الأمان والحرية النسبية للصحفيين في المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، إلا أن الوضع لا يزال غير مستقر، خصوصًا بالنسبة للصحفيات أو المنتمين إلى الأقليات الدينية في البلاد.

* النص كما ورد في موقع منظمة مراسلون بلا حدود.

مشاركة المقال: