توقع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، أن يشهد العام الحالي تطوراً هاماً في المسار السياسي السوري، من خلال إجراء تعديلات حكومية شاملة تضمن تمثيل جميع المكونات والأقليات. وأوضح باراك أن الولايات المتحدة لا تفضل الفدرالية كحل لسوريا، بل تدعم بناء مؤسسات جامعة تحافظ على وحدة البلاد وسيادتها. وأكد في تصريحات صحفية أن الحكومة السورية المقبلة يجب أن تعكس التنوع السوري، مشدداً على دعم الولايات المتحدة لمختلف المكونات، بما في ذلك السوريون الأكراد، دون فرض أي إملاءات خارجية.
وأضاف: "نحن لا نفرض نموذجاً أمريكياً أو أوروبياً، بل نساعد السوريين في رسم طريقهم بأنفسهم، من خلال الدعم والتوجيه وتقديم المساعدة عند الحاجة".
أحداث السويداء والعلاقات الأمريكية التركية
وفي سياق منفصل، تناول المبعوث الأمريكي أحداث السويداء الأخيرة، ووصفها بأنها "مؤسفة"، مؤكداً على الحاجة الملحة لتعزيز الاستقرار الداخلي ومنع تكرار مثل هذه الحوادث. وأشار إلى أن بلاده تعمل مع شركائها الإقليميين والدوليين لمنع تصاعد التوترات والتوصل إلى حلول مستدامة.
كما كشف باراك عن نتائج اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، واصفاً إياه بأنه كان "أفضل من رائع"، ومؤكداً أنه تناول ملفات متعددة، من بينها دعم الجهود لتشكيل حكومة سورية جامعة. وأضاف أن أنقرة أبدت "تفهماً أكبر" لدور الولايات المتحدة في دعم عملية السلام ومساعدة السوريين على التوصل إلى تسوية سياسية متوازنة.
وفي هذا الصدد، رأى حسام إيلوش، عضو مجلس التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار، في حديث لمنصة سوريا 24، أن تصريحات باراك تعكس "قراءة واقعية ومتجددة في واشنطن لأداء الحكومة السورية برئاسة الرئيس أحمد الشرع". وأشار إلى أن هذا الأداء "استند إلى شرعية سياسية وشعبية واسعة فرضت نفسها على العواصم الغربية، وأقنعتها بضرورة التعامل بعقلانية مع خارطة الطريق السورية". وأضاف إيلوش أن الموقف التركي الجديد يعكس أيضاً "وعياً متزايداً لدى أنقرة وشركاء إقليميين آخرين، مثل السعودية وقطر، بأهمية دعم دمشق في هذه المرحلة".
جدل حول المفاوضات السورية الإسرائيلية
من جهة أخرى، نفى المبعوث الأمريكي صحة الأنباء التي تحدثت عن فشل المفاوضات الأمنية بين سوريا وإسرائيل، مؤكداً أنه "ليس صحيحاً أن الاتفاق فشل في اللحظات الأخيرة"، لكنه أقرّ بأن المباحثات لا تزال تحتاج إلى جهد كبير نظراً لتعقيدات الميدان الإقليمي.
بالمقابل، ذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة على المحادثات، أن المفاوضات بين الجانبين واجهت عقبة أساسية تمثلت في مطلب إسرائيلي بالسماح بفتح "ممر إنساني" نحو محافظة السويداء لإيصال مساعدات، وهو ما رفضته دمشق باعتباره انتهاكاً لسيادتها. وقالت الوكالة إن الأسابيع الأخيرة شهدت تقارباً بين الطرفين، بعد أشهر من المحادثات التي جرت بوساطة أميركية في عواصم منها باكو وباريس ولندن. وأضافت أن المفاوضات تسارعت قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إلا أن إصرار الجانب الإسرائيلي على مطلب "الممر البري" أعاد الخلاف إلى الواجهة.
وفي هذا السياق، أوضح إيلوش أن "المعارضة الحقيقية لخارطة الطريق السورية لم تعد تأتي سوى من إسرائيل، لكن قدرتها على التأثير تتراجع بفعل عزلتها الدولية، واستياء إدارة الرئيس ترامب من ممارساتها". وأكد أن تمسّك سوريا برفض أي انتهاك لسيادتها "يضعها في موقع قوة، بدعم من حلفائها الإقليميين، ويؤسس لمسار سياسي أكثر استقلالية".
قراءة أكاديمية للتطورات
من جانبه، رأى الدكتور مجد عيون السود، المتخصص في العلاقات الدولية، أن تصريح باراك بشأن قرب تشكيل الحكومة السورية "يتماشى مع جهود القيادة السورية الرامية إلى تأسيس حكومة تُمثّل جميع السوريين دون تمييز على أساس العرق أو الدين". وأوضح في حديث لمنصة سوريا 24، أن "النموذج السوري الجديد يهدف أولاً إلى تحقيق الاستقرار الداخلي، ثم الانفتاح إقليمياً ودولياً"، مؤكداً أن التطورات السياسية الأخيرة "تبرهن على أن سوريا تتجه نحو صيغة جامعة تخدم مصالح مواطنيها وتنسجم مع المتغيرات الإقليمية".
وأضاف عيون السود أن "الحكومة الجديدة ستكون وفق نموذج يرضي أبناء الشعب السوري كافة، ويحقق توازناً بين مصالح الداخل وضرورات الانخراط الخارجي"، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستحدد شكل هذا التوازن ومدى نجاحه في تثبيت موقع سوريا بين جيرانها.
بين الطموح الداخلي والدعم الخارجي
تُظهر تصريحات باراك، وما تلاها من مواقف، أن واشنطن تسعى إلى لعب دور الميسّر أكثر من دور الفارض للحلول، مكتفية بتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للسوريين في سعيهم نحو تشكيل حكومة جامعة. وفي المقابل، تعمل دمشق، بدعم إقليمي متنامٍ، على صياغة معادلة سياسية تُعيد ترتيب البيت الداخلي وتعزز موقعها الخارجي.
وبينما يترقب الداخل السوري هذه التطورات بحذر وأمل، يبدو أن الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وتركيا، باتت ترى في المسار الجديد فرصة لترسيخ الاستقرار، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى فرض شروط مرفوضة من الجانب السوري. ومع ذلك، فإن المؤشرات المتصاعدة توحي بأن مرحلة جديدة تقترب، عنوانها "الحكومة السورية الجامعة"، التي قد تُعلن قبل نهاية العام، وفق ما أكده المبعوث الأميركي.